رابحون وخاسرون في قضية خاشقجي / ليلى نقولا

ليلى نقولا

انشغل الإعلام والرأي العام العالمي بقضيّة اختفاء الصحافي السعودي جمال خاشقجي، بعد دخوله إلى قنصلية بلاده في تركيا للحصول على بعض الأوراق الشخصية، حيث دخل ولم يخرج.

وبغضّ النظر عن صحّة الأخبار التي تحدّثت عن مقتله داخل القنصلية والتي سرَّبتها وسائل إعلام تركية نقلاً عن مصادر أمنية، وبغضّ النظر عن النتائج التي سيُظهرها التحقيق التركي – السعودي المُشتَرك بعد التفتيش الذي سيحصل للقنصلية السعودية….. إلا أن مسار القضية – لغاية اليوم – قد أفرز رابِحين وخاسِرين، نوردهم كما يلي:

1-الخاسِر الأكبر السعودية (حتى لو صحّت التقارير التي تتحدَّث عن صفقةٍ قام بها السعوديون مع الأتراك للفلفة القضيّة)، فقد خسرت السعودية لغاية اليوم على محاور عدّة أهمها:

أولاً- على الصعيد السيادي: إن الموافقة السعودية (تحت الضغط) على دخول مُفتّشين أتراك إلى حَرَم القنصلية السعودية في تركيا، وتفتيشها وتفتيش بيت القنصل، يعني التنازُل عن حقٍّ سيادي كفلته اتفاقية فيينا للعلاقات القنصلية التي تُعطي حصانةً لمقار البعثات الدبلوماسية والقنصلية من التفتيش والمُداهمة. وهذه الحصانة تستمر في حالات السِلم والحرب وحتى في حال قَطْع العلاقات الدبلوماسية، ولا يجوز التنازُل عنها، ولا يصحّ التعرّض لها لأيّ سبب.

أمّا القيود التي يُقرّها القانون الدولي على هذه الحَصانة، فهي المساس بأمن الدولة المعتَمد لديها أو المساس بسيادتها وتعريض أمنها القومي للخطر؛ عِلماً أنه لا يجوز للدولة المُضيفة أن تتذرَّع بأمنها القومي إلا في حال الضرورة وبطريقةٍ محدودةٍ جداً. وعليه، إن مُجرَّد الموافقة السعودية على دخول مُفتّشين أتراك إلى حَرَم البعثة القنصلية، يُعدُّ خسارة معنوية كبرى للمملكة.

ثانياً- على الصعيد الإقتصادي: إن إعلان العديد من المسؤولين ومُدراء الشركات العالمية الكبرى مُقاطعة مؤتمر “دافوس في الصحراء”، يُعدُّ ضربةً كبيرةً للسِمعة السعودية الاقتصادية، خاصة في ظلّ إعلان وليّ العهد عن مشاريع استثمارية كبرى ونيّته تحويل إقتصاد البلاد وتخلّيه عن الاعتماد على النفط.

إن قضيّة الخاشقجي اليوم بالإضافة إلى الأزمة السابقة التي أدَّت إلى احتجاز أمراء في فندق الريتز، ستدفع المُستثمرين إلى التردّد في الدخول إلى السوق السعودي، كون بيئة الاستثمار تحتاج إلى ضمانات حُكم القانون وهو ما لا يبدو مُتوافراً بعد هاتين القضيّتين.

ثالثاً- على الصعيد المالي: لا شكّ بأن أية ترتيبات ستُجريها السعودية مع تركيا أو مع إدارة ترامب للفلفة قضيّة الخاشقجي أو الوصول إلى ترتيباتٍ مُعيّنةٍ فيها، سوف تكلّفها المال الكثير، في ظلّ الجَشَع الذي يُبديه ترامب علناً تجاه الأموال السعودية.

رابعاً- على صعيد الرأي العام العالمي: لقد دفعت السعودية الأموال الطائِلة لتبييض سجّلها في مجال حقوق الإنسان، ولإسكات العالم عن المجازر التي يقوم بها التحالف في اليمن، كما صرفت المليارات للقيام بحملة علاقات عامة لتسويق وليّ العهد الجديد في أميركا باعتباره الإصلاحي المُنفَتِح الذي سينقل السعودية إلى عهد التجديد والتطوير وينقلها إلى الحداثة.

اليوم، يبدو صعباً على الأميركيين الاستمرار بدعم محمّد بن سلمان لخلافة والده في العرش، خاصة في ظلّ الحملة الإعلامية والسياسية التي تُحمّله شخصياً مسؤولية اختفاء الخاشقجي، كما تتّهمه بانتهاك حقوق الإنسان في السعودية.

2-الخاسِر الثاني يبدو ترامب وإدارته: يتعرّض ترامب لضغوطٍ شديدةٍ داخلياً بسبب الدَعم الواضِح الذي منحه لمحمّد بن سلمان، والذي تجلّى في قيام ترامب بزيارة السعودية  في أول زيارة خارجية له، ما يعكس تركيزاً على الحليف السعودي بعكس أوباما الذي ركَّز على مصر وتركيا.

لا يعني الخاشقجي شيئاً لدونالد ترامب، إذ أن الخاشقجي كان مُعارِضاً لسياسات ترامب ومُنتقِداً له، لكن قضيّة اختفائه لا شكّ أحرجت الرئيس الأميركي على أبواب انتخابات الكونغرس النصفية، لذا يبدو ترامب مُشتّتاً ومُحرَجاً بين دعم السعودية التي يطمع بملياراتها، والضغط الإعلامي والسياسي الداخلي الذي يدعوه إلى إجراءات عقابية للسعودية على خلفيّة اختفاء الخاشقجي.

أما الرابِح الأكبر من القضية فهي تركيا، التي تبدو أنظار العالم اليوم مشدودة نحوها، فالسعودية وحلفاؤها يتطلّعون إلى الرئيس التركي لتخليص السعودية ووليّ عهدها من ورطةٍ كبرى وقعوا فيها، والأوروبيون والأميركيون يتطلّعون إليه لتسويق مخرجٍ لائقٍ يدفع عنهم إحراج الإجراءات الواجب اتّخاذها في حال ثبت قيام السعودية بقتل الخاشقجي في القنصلية، أمّا الرأي العام العالمي فينظر إلى تركيا باعتبارها  “الدولة- المرجع” لكشف مصير الصحافي المُختَطف وتحويل الجُناة إلى القضاء.

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.