سنوات على استشهاد ناجي العلي.. وحنظلة يقاتل في الميدان / محمد ابو رحمة

الفنان الشهيد ناجي العلي

محمد ابو رحمة ( فلسطين ) الإثنين 22/10/2018 م …




….”أستطيع أن أحتال على الرقباء الرسميين،

فبعضهم لا يفهم المقصود من رسمي،

وأغلبهم لا يفهم أصلاً،

لكنني لا أستطيع أن احتال على حنظلة، لأنه ولدي،

سنوات طويلة مرّت وأنا أرسم،

شعرت خلالها أنني مررت بكل السجون العربية،

وقلت ”ماذا بعد ذلك؟ “.

كان لديّ استعداد عميق للاستشهاد دفاعاً عن لوحة واحدة،

فكل لوحة أشبه بنقطة ماء تحفر مجراها في الأذهان.

ناجي العلي”….

الى روح ناجي العلي … هكذا… بلا مناسبة

 

مدونات محمد أبو رحمة – أيام عدّة مرّت وأنا أبحث في ما يمكن أن يكون جديراً بالإضافة إلى كل ما قيل في هذا الفنان، أو في ابنه، الطفل الشاهد الحاضر أبدا الذي شكل ضمير الفنان وملاكه الحارس، حنظلة.

الحارس لنار ثورته والمدى العصي على الإحاطة براميه، ودلالة لوحاته، البسيطة ولكنها الجارحة كالنصل، الصادمة بقدر ما هي ثاقبة كالسهم، المستشرفة بقدر ما هي صائبة كخفايا المشهد المقبل في فيلم معادٍ.

وما من معيارية يمكن أن تجعل من شهيد كبيرا ومن شهيد أقلّ، فكل الشهداء سواسية في الخلود، وفي مراتب المجد، بيد أن تأثير الشهيد ناجي العلي على الأحياء الذين رافقوه، والذين ظلوا من بعده يتنفسون من رئتي ناره الأولى، وحلمه العصي على الكسر، ويتعلّمون من حبر ريشته الذي بدأ منذ بدأت نكبة أمته، فباتت باستشهاده عصيّة على النهاية، بات تأثيراً يكاد لا يماثله في الديمومة والمراكمة تأثير أي عمل إبداعي قدّمه فنان أو مبدع في تاريخ صراع أمتنا، وبالذات في مجال الكاريكاتور.

بالتأكيد لن تكون هذه المقالة محاولة نقدية تبحث دلالات الخطوط، ومضامين الرموز الثابتة، والمتغيرة، وما هو متعلق بالتكنيك في تجربة هذا المبدع الخالد، تلك مسألة تصدّى لها الكثير من النقاد، وربما تحتاج إلى المزيد، كما لن تكون انزلاقاً في مهاوي الرثاء الذي يستحقه الكثير من الأحياء، من أعداء روح هذا الفنان فردّ على أحدهم، ذات يوم، لما بلغه أنه يهدده بحرق أصابعه بالأسيد، قائلاً “يا عمي لو حرقوا أصابع يدي سأرسم بأصابع إجري”.

بل ونحن نضيء تجربة من أعظم تجارب المقاومة بالفن في العصر الحديث، في زاوية “كي لا ننسى” سنكتفي فقط بالإشارة إلى ما نراه أحد أكبر المنجزات التي حققها هذا الفنان تاركين المساحة الأكبر لعدد من لوحاته كي تكمل التعبير فهي، على كل حال، الناطق الأجدر باسم فنان صدمت مراياه المسوخ من فرط ما عرّت قبحهم.

إن فن ناجي العلي بالذات قد حاز بامتياز على وضعية الفن الأكثر اصطداماً، وفضحاً، ومصداقية، واحتكاكاً بكل السلطات حتى سلطة الهيكل العظمي نفسه، التي شكلت دراستها، وفهمها ثم استلهامها دعامة أساسية من دعامات فن الرسم على اختلاف مدارسه.

وكانت له، كما أثبتت السنين، لائحته الخاصة من الرسوم الممنوعة، وهي اللائحة ذاتها الموجودة في عقل كل مَن يجدون أنفسهم متورّطين في متاهات الأسئلة، مُصرّين على نبشها بأكثر الطرق بساطة، أو بأكثرها التباساً.

وهو أمر وضع الفنان الشهيد تحت حالة من الضغط أحياناً، والمغط في أحيان أخرى في سياق تطويع من اختار هذا اللون الإبداعي بالذات للتعبير عن الواقع بشكل أعوج، وبخطوط منحرفة كما هو.

والشاهد أن الفنان ناجي العلي خلال مراحل تجربته، وتطوّرها كان له الدور الأبرز في تكريس الكاريكاتير، ونشره في الإعلام، وفي الثقافة العربية، وفي كل ساحات النضال.

وحقق لنفسه مكانة طاولت في شعبيتها، وانتشارها حقولاً إبداعية سبقتها بعصور كالشعر، والقصة.

بل شكل رمزاً وطنياً وشعبياً عكسه احتفاء المؤمنين، بخطه وخطوطه، بفنه حتى اليوم.

ولعل من المفارقات التي تستحق الذكر هو أن قاعدة المعجبين بتجربة هذا الفنان تتسع كلما تأكّدت أحد رسومه التي نفّذها قبل أعوام طويلة، فكأن الذين اغتالوا ناجي العلي كي يسكتوا ريشته، قد أطلقوا سراحها من كل قيد، فباتت تراثاً يتناقله الناس جيلاً فجيلاً.

تلك الأجيال التي رأت ضحكاتها في فنه تقطر من غدد الألم ذاتها التي تقطر منها دموعها في واقع ينضح بالتناقضات، والمكائد، والمؤامرات والتحوّلات والمعارك.

المعارك التي لا زال يقودها حنظلة.. ولا شك في أنه سيبقى قائدها الشبل.

*كاتب وإعلامي فلسطيني

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.