سورية في “بورصة الدول” / احمد ابو خليل
تتفاوت الدول في مراكزها ومراتبها بين زمن وآخر، فتهبط مرة وتعلو أخرى.
لقد انتشرت مثلاً، ولزمن طويل، كلمة “اللّبْنَنة” نسبة إلى لبنان (التي كانت سابقا تسمى سويسرا العرب)، كما عرفنا كلمة “الصَوْمَلة” نسبة إلى الصومال، و”البلقنة” نسبة إلى البلقان… وغيرها. وبالتوازي استخدم الناس عبارات مثل: “نحن لسنا الصومال” وذلك بعد دخول هذا البلد في اضطراب عام منذ عقود، أو عبارة “لن نكون عراقا ثانياً أو أفغانستان جديدة”، وذلك بعد الاحتلال السريع لهاتين الدولتين ودخولهما في الفوضى والتفتيت.
الأمثلة السابقة تخص النماذج السلبية التي تنفر منها الشعوب، ولكن بالمقابل توجد أمثلة مرغوبة، فقد اشتهرت في بلدنا مثلاً مفردة “سَنْغَفرة”، نسبة إلى سنغافورة التي خاضت تجربة نمو اقتصادي فريدة، وفي السياسة انتشرت مفردة “الفَتْنَمة” نسبة إلى فيتنام التي خاضت تجربة كفاحية مميزة ضد الأميركان والفرنسيين.
وهكذا ترتفع أسهم الدول وتهبط، بما يشبه ما يحصل في أسواق البورصة!
موضوع هذا المقال هو “سورية”، هذه الدولة الشقيقة والجارة الشمالية التي دخلت في حرب طويلة وتجربة قاسية. فما هي المكانة التي ستحتلها في “بورصة الدول” تلك؟
الواقع أن مكانة سورية هي منذ الآن ميدان صراع، فصحيح أن هناك ما يشبه الإجماع على أن الدولة السورية انتصرت، وقد أقر بذلك أعداء سورية والمشاركون في الحرب ضدها، ولكن من الواضح أنه يوجد صراع حول معاني النتائج: من هو المنتصر؟ وما معنى الانتصار؟ ومن المستفيد؟ ومن المتضرر؟.
دعونا أولاً نقر بما يلي؛ فرغم أن كل من يحاول الإجابة على هذه الأسئلة يزعم عادة أنه يتوخى الموضوعية والحياد، ولكن في الواقع أن كل التحليلات والإجابات تعكس المشاريع (أي الرغبات)، بما فيها ما سيرد في هذا المقال، أي أنني هنا أكتب رأيي ورغبتي معاً.
في المعاني والدروس الكلية لا يتوقف التاريخ كثيراً عن الخسائر المادية، ولهذا فإن الانشغال بحساب خسائر الحرب مالياً، لا يمثل عنصرا مهما ما دمنا نتحدث عن المعنى العام للتجربة السورية.
الأمر ذاته فيما يتصل بالتضحيات البشرية، وهي بالطبع مؤلمة، ومن الطبيعي أن تكون لها الأولوية وخاصة عند أصحابها المباشرين، لكن الشعوب اعتادت عند النظرة الإجمالية أن تتعامل مع التضحيات باحترام واحتفاء وفخر، وليس بمجرد أسى وحزن، بل إن الشعوب تلوم نفسها عندما يقل استعدادها للتضحية.
دعونا مثلاً نتذكر خسائر فيتنام عبر سنوات القتال ضد الأميركي والفرنسي، لقد دمر المعتدي كل شيء، ولكن النصر أبقى من الخسائر. كما خسرت روسيا في الحرب العالمية الثانية حوالي 20 مليون انسان، لكن عنوان هذه التضحيات كان وسيبقى النصر على النازية.
هذا يعني أن الشعوب، وبشكل جماعي تتصرف بعد الأزمات الكبرى، وفق تقديرها وتقييمها وفهمها للنتائج، بمعنى طبيعة الدرس النهائي.
في تقديري أن الكتلة الأكبر من السوريين ترى أنها حافظت على بلدها وموقعه وموقفه ودوره وصورته في هذا العالم عبر التاريخ، وفي الحاضر، بما يضمن الحفاظ على تلك الصورة في المستقبل، وذلك لأن السوريين لم يخرجوا مهزومين في هذه الحرب.
بالطبع، لا يعني ذلك أن الأمور في الدولة وأجهزتها ستسير بشكل نموذجي، فالمجتمع السوري دخل في تجربة معقدة، وسوف يحتاج السوريون إلى زمن طويل لمعالجة بعض الشروخ على المستوى الكلي وعلى مستوى المجتمعات المحلية أيضاً، لكن تجارب التاريخ تؤكد أن روح النصر ستكون حاضرة بقوة في المسار العام.
لكن كيف ستكون صورة سورية خارجها؟
في الواقع، إن نظرة على المسارات والبدائل الأخرى لدول المنطقة، وخاصة ما يتصل بمظاهر التفتيت وانعدام الآفاق وسلب الإرادات وروح الانصياع والرضوخ لشتى الخصوم، تشير أن النموذج السوري حاضر في الموقع الآخر النقيض، أي موقع مواجهة التفتيت، وانفتاح الآفاق وحرية الإرادة… إلخ.
في تقديري (ورغبتي وأمنيتي أيضاً) أن أسهم الجارة سورية في بورصة الدول سترتفع، وسنجد شعوباً أخرى تتوعد أعداءها بأنها ستكون “سورية ثانية”.
لقد انتشرت مثلاً، ولزمن طويل، كلمة “اللّبْنَنة” نسبة إلى لبنان (التي كانت سابقا تسمى سويسرا العرب)، كما عرفنا كلمة “الصَوْمَلة” نسبة إلى الصومال، و”البلقنة” نسبة إلى البلقان… وغيرها. وبالتوازي استخدم الناس عبارات مثل: “نحن لسنا الصومال” وذلك بعد دخول هذا البلد في اضطراب عام منذ عقود، أو عبارة “لن نكون عراقا ثانياً أو أفغانستان جديدة”، وذلك بعد الاحتلال السريع لهاتين الدولتين ودخولهما في الفوضى والتفتيت.
الأمثلة السابقة تخص النماذج السلبية التي تنفر منها الشعوب، ولكن بالمقابل توجد أمثلة مرغوبة، فقد اشتهرت في بلدنا مثلاً مفردة “سَنْغَفرة”، نسبة إلى سنغافورة التي خاضت تجربة نمو اقتصادي فريدة، وفي السياسة انتشرت مفردة “الفَتْنَمة” نسبة إلى فيتنام التي خاضت تجربة كفاحية مميزة ضد الأميركان والفرنسيين.
وهكذا ترتفع أسهم الدول وتهبط، بما يشبه ما يحصل في أسواق البورصة!
موضوع هذا المقال هو “سورية”، هذه الدولة الشقيقة والجارة الشمالية التي دخلت في حرب طويلة وتجربة قاسية. فما هي المكانة التي ستحتلها في “بورصة الدول” تلك؟
الواقع أن مكانة سورية هي منذ الآن ميدان صراع، فصحيح أن هناك ما يشبه الإجماع على أن الدولة السورية انتصرت، وقد أقر بذلك أعداء سورية والمشاركون في الحرب ضدها، ولكن من الواضح أنه يوجد صراع حول معاني النتائج: من هو المنتصر؟ وما معنى الانتصار؟ ومن المستفيد؟ ومن المتضرر؟.
دعونا أولاً نقر بما يلي؛ فرغم أن كل من يحاول الإجابة على هذه الأسئلة يزعم عادة أنه يتوخى الموضوعية والحياد، ولكن في الواقع أن كل التحليلات والإجابات تعكس المشاريع (أي الرغبات)، بما فيها ما سيرد في هذا المقال، أي أنني هنا أكتب رأيي ورغبتي معاً.
في المعاني والدروس الكلية لا يتوقف التاريخ كثيراً عن الخسائر المادية، ولهذا فإن الانشغال بحساب خسائر الحرب مالياً، لا يمثل عنصرا مهما ما دمنا نتحدث عن المعنى العام للتجربة السورية.
الأمر ذاته فيما يتصل بالتضحيات البشرية، وهي بالطبع مؤلمة، ومن الطبيعي أن تكون لها الأولوية وخاصة عند أصحابها المباشرين، لكن الشعوب اعتادت عند النظرة الإجمالية أن تتعامل مع التضحيات باحترام واحتفاء وفخر، وليس بمجرد أسى وحزن، بل إن الشعوب تلوم نفسها عندما يقل استعدادها للتضحية.
دعونا مثلاً نتذكر خسائر فيتنام عبر سنوات القتال ضد الأميركي والفرنسي، لقد دمر المعتدي كل شيء، ولكن النصر أبقى من الخسائر. كما خسرت روسيا في الحرب العالمية الثانية حوالي 20 مليون انسان، لكن عنوان هذه التضحيات كان وسيبقى النصر على النازية.
هذا يعني أن الشعوب، وبشكل جماعي تتصرف بعد الأزمات الكبرى، وفق تقديرها وتقييمها وفهمها للنتائج، بمعنى طبيعة الدرس النهائي.
في تقديري أن الكتلة الأكبر من السوريين ترى أنها حافظت على بلدها وموقعه وموقفه ودوره وصورته في هذا العالم عبر التاريخ، وفي الحاضر، بما يضمن الحفاظ على تلك الصورة في المستقبل، وذلك لأن السوريين لم يخرجوا مهزومين في هذه الحرب.
بالطبع، لا يعني ذلك أن الأمور في الدولة وأجهزتها ستسير بشكل نموذجي، فالمجتمع السوري دخل في تجربة معقدة، وسوف يحتاج السوريون إلى زمن طويل لمعالجة بعض الشروخ على المستوى الكلي وعلى مستوى المجتمعات المحلية أيضاً، لكن تجارب التاريخ تؤكد أن روح النصر ستكون حاضرة بقوة في المسار العام.
لكن كيف ستكون صورة سورية خارجها؟
في الواقع، إن نظرة على المسارات والبدائل الأخرى لدول المنطقة، وخاصة ما يتصل بمظاهر التفتيت وانعدام الآفاق وسلب الإرادات وروح الانصياع والرضوخ لشتى الخصوم، تشير أن النموذج السوري حاضر في الموقع الآخر النقيض، أي موقع مواجهة التفتيت، وانفتاح الآفاق وحرية الإرادة… إلخ.
في تقديري (ورغبتي وأمنيتي أيضاً) أن أسهم الجارة سورية في بورصة الدول سترتفع، وسنجد شعوباً أخرى تتوعد أعداءها بأنها ستكون “سورية ثانية”.
التعليقات مغلقة.