بعد الإنتخابات البرلمانية: هل تتغير سياسة تركيا تجاه سورية؟ / د.خيام الزعبي

 

 د.خيام الزعبي ( سورية ) الثلاثاء 23/6/2015 م …

بعد هزيمة حزب العدالة والتنمية التركي في الإنتخابات التشريعية  تبخر حلم الرئيس رجب طيب أردوغان كما تبخرت غالبية حزبه المطلقة في البرلمان للمرة الأولى منذ 13 عاماً، والنتيجة بدأت تتضح في الساعات الأولى من إعلان النتائج رسمياً، فقد وضع الرئيس  كل ثقله في الحملة الإنتخابية، وأزمع في حال الفوز، إلى تغيير نظام الحكم في تركيا إلى نظام رئاسي، لكن بعد خساره حزبه بات لزاماً  أن يبدأ بمراجعة إستراتيجيته المقبلة، ذلك أنه مع حلوله في المرتبة الأولى في الإنتخابات التشريعية إلا انه لم يفز بغالبية المقاعد بسبب الإختراق الذي حققه حزب الشعب الديموقراطي الكردي، ومعنى هذا أن تركيا الأردوغانية بدأت بالضعف والتراجع، في هذا الإطار  فإن هذا التغيير الجذري الذي حصل وما آالت إليه النتائج يجعلنا أمام توازنات جديدة في المنطقة، خاصة أن حزب العدالة والتنمية قد شهد إنكساراً واضحاً بعدما كان يمني نفسه بالحصول على ثلثي المقاعد، التي تمكنه من تعديل الدستور وبناء الإمبراطورية العثمانية الجديدة، فالحزب يحتاج الى 15 مقعداً إضافياً للحصول على النصف لتشكيل الحكومة وهذا يصعب تشكيله لعدة إعتبارات ومفارقات سياسية.

هذه المتغيرات سوف تلقي بضلالها على مجمل الأوضاع في المنطقة، فمهما كان شكل الحكومة الجديدة فإن هناك تغييراً جذرياً طارئاً سيدخل على سياسات تركيا الخارجية في ظل عدم تفرد “حزب العدالة والتنمية” بالسلطة من جهة، والمعارضة المطلقة لكل أحزاب المعارضة لسياسات أردوغان  الخارجية من جهة أخرى،  وبالتالي لن يرسم السياسيات الداخلية والخارجية وفق ما يريده الرئيس  أردوغان فأي حزب سوف يأتلف مع العدالة والتنمية من الأحزاب التي دخلت البرلمان كـ”حزب الشعب الجمهوري- الحركة القومية – حزب الشعوب الديمقراطية” سيكون له رأيه الذي طالما عبرت هذه الأحزاب عنه خاصة ما يتعلق بالسياسة الخارجية التركية، التي طالبت  حكومة أردوغان بإغلاق ملف الإرهاب وإعادة اللاجئين الى سورية من خلال وقف دعم القوى المتطرفة التي تقاتل الجيش السوري وإغلاق الحدود أمام تدفقها، ووقف عمليات تهريب السلاح الى داخل سورية، بالإضافة الى التضييق على حرية حركة المعارضين السوريين في البلاد، لذلك سنشهد تبدلاً واضحاً في المشهد السوري لجهة قلق المعارضة السورية للنتائج ورفع الدعم عنها، وهو ما يفترض إدخال تغيير جذري على المعادلة العسكرية والسياسية في سورية والعراق، هذا التحول لا شك سيثير قلقاً لدى هذه المجموعات ورعاتها وداعميها الإقليميين والدوليين، ومن هذا المنطلق لم يعد بإمكان حزب العدالة والتنمية أن ينفذ مشروع العثمانية الجديدة كونه لا يملك السلطة المطلقة، كما لم  تعد تركيا بعد اليوم قادرة على المضي في مشروع إبتلاع الشمال السوري عبر المطالبة بمنطقة عازلة فيها، بإختصار شديد في حال رفع تركيا يدها عن الملف السوري سيؤدي الى حلحلة الأزمة والتخفيف من حدة الصراع والإقتتال في سورية.

في وقت سابق كانت تركيا تتدخل بعمق في مفردات الصراع  في سورية لتحقيق  بعض الأهداف منها، إسقاط النظام السوري، ومنافسة إيران كقوة إقليمية حيث أن لدى تركيا الرغبة للعب دور إقليمي رئيسي في المنطقة، خشية تركيا من سقوط نظريتها “تصفير المشكلات” والتي تأمل تركيا بتحقيقها جني فوائد عظيمة رغم أنه من وجهة نظرنا أن تدخلات تركيا الكثيرة أدخلتها في خلافات عديدة جعل الحديث عن تصفير المشكلات ضرباً من الخيال، في إطار ذلك يعيش الأتراك  تبعات الأزمة السورية على أرضهم في عنوانين رئيسيين، الأول أمني حيث تصاعدت عمليات حزب العمال الكردستاني ضد الجيش التركي والثاني يتعلق بالقضية الكردية التي أنكر أدروغان وجودها من الأصل، ناهيك عن التبعات السلبية لمسألة اللاجئين على الاقتصاد التركي  التي تمثلت بانهيار قوي في قيمة الليرة التركية، ما اضطر المصرف المركزي التركي للتدخل وضخ كميات كبيرة من العملات الصعبة في السوق

مجملاً…إن التحول الكبير يطرق باب تركيا، فهزيمة حزب العدالة والتنمية ليست ظرفية وإنما تنذر بمسار انحداري لمسيرة الحزب ، بالتالي فإن الحكومة التي إذا تشكلت سوف تأخذ على عاتقها تصليح الأوضاع المتوترة التي خلفتها حكومة حزب العدالة والتنمية مع دول الجوار وخاصة سورية،  كل إن نتائج  الإنتخابات تعكس رفض الناخبين لفكرة تغيير الدستور ومنع إعطاء أردوغان سلطات أوسع في الحكم، في المحصلة، نجد أن الانتخابات التركية  أسهمت نتيجتها في إحراج تركيا داخليا بعد خمس سنوات من اللعب بدول الجوار نتيجة أحداث العالم العربي.

وأختم مقالي بالقول إن الدور السلبي لأردوغان في سورية، لم ولن يكون في صالح تركيا، فمن الخطأ تصور أن بإمكان تركيا أن تنعم بالأمن والإستقرار، فيما ألسنة النيران تشتعل في سورية، فالتجربة أثبتت أن الأمن القومي لأي بلد من بلدان المنطقة يرتبط إرتباطاً عضوياً مع أمن الإقليم ، فإذا لم تنهي تركيا تحالفها المصلحي مع داعش اليوم، فإن نيران هذا التنظيم سيشعل أنقرة غدا،  وأن طريق تركيا نحو الإزدهار الإقتصادي يمرّ بالضرورة على دمشق، وأنه في حال بقاء طريق دمشق مغلقاً في وجه تركيا، فلا يُستبعد أن ينهار الإقتصاد التركي بشكل كبير، وبذلك يخرج أردوغان من الباب الضيق للسلطة.

[email protected]

 

 

 

 

 

 

 

 

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.