الجيش العربي الموحد.. اتفاقية عسکرية أم سياسية؟

 

الأردن العربي ( الثلاثاء ) 23/6/2015 م …

لقد آل المطاف بالتطورات اليمنية الی شن هجوم عسکري علی هذا البلد من قبل المملکة العربية السعودية لاستمرار سيطرتها علی شبه الجزيرة العربية. وقد رافقت السعوديين في هذا الهجوم الجوي بلدان عربية، بما في ذلک الامارات المتحدة والکويت. وبالرغم من انتشار أخبار تنص علی مرافقة باکستان للمهاجم، الا أنه لم تساعد السعوديين الا بعض البلدان العربية. هذا وقد طرح اقتراح لتشکيل قوة عسکرية عربية موحدة في اجتماع القمة العربية في شرم الشيخ بمصر في الشهر الراهن وصادقت عليه الدول الأعضاء وان کانت نزعات کل من الأعضاء لقبول الاقتراح والمصادقة عليه تختلف بعضها عن البعض. وفيما يتعلق بتشکيل الجيش العربي الموحد المتوقع أن يکون سواعد عسکرية للجامعة العربية، تطرح القضايا والنقاط التالية:

1- تتعرض شرعية تشکيل مثل هذا الجيش وفي هذه الحقبة الزمنية من التطورات الإقليمية لبعض التساؤلات والشکوک. کما تؤدي عدم مشارکة الدولة السورية في الجامعة العربية وإعطاء المقاعد المخصصة لمندوبي هذه الدولة للمعارضيين السوريين الی بعض الشبهة في شرعية مثل هذا العمل الذي يتطلب أن تتفق عليه کافة الدول الأعضاء. ثم وان هناک قضايا تجعل موضوع الشرعية أکثر أهمية، بما فيها مشارکة الرئيس اليمني المستقيل في هذا الاجتماع مندوبا لهذا البلد. إذ إن شرعية هذا الأخير تثير الشک والريب.

2- ان الترکيبة المتباينة للبلدان الأعضاء في جامعة الدول العربية سوف تورط مثل هذا الجيش في مستنقع الاضطرابات المستمرة والمنافسات الداخلية. يمکننا ذکر العلاقات بين فرنسا والولايات المتحدة، والتي لم تکن تحظی بما يسمی بالودية، وتأثيرها علی أعمال حلف الشمال الأطلسي (الناتو) کمثال تاريخي مناسب لبحث التوترات الموجودة في مثل هذه الجيوش الموحدة. بينما لا يمکن مقارنة التباينات التي کانت موجودة بين فرنسا والولايات المتحدة مع النماذج العربية المشهودة علی أرض الواقع، بما في ذلک العلاقات بين قطر والسعودية والسياسات المتخذة من قبل عمان والعراق وسوريا والثبات الهش في الحکومات اللبنانية، التي بأمکانها أن تعرض حصيلة أعمال الجيش الموحد المحتمل للفشل والنقص.

3- القضية الفلسطينية: تحظی القضية الفلسطينية وعلاقتها بتشکيل القوة العسکرية الموحدة بمکانة مميزة ومهمة للغاية. هذا ويجب علی القمة العربية والمخططين لتشکيل هذه القوة العسکرية المشترکة الرد علی مثل هذه الأسئلة: کيف سيتم التنسيق بين علاقة هذه القوة العسکرية مع “الضفة الغربية”؟ ما هو الدور الذي سوف تلعبه الحکومة الفلسطينية في هذا المجال؟ کيف سيکون الرد المتخذ من قبل الجيش الموحد، فيما إذا اعتدی النظام الصهيوني علی الضفة الغربية وغزة، والذي قد يحدث في المستقبل؟ فإن القضية الفلسطينية سوف تکون أحد التحديات المستقبلية أمام هذا الجيش، والذي يقدّر بأقوی تقدير أن يرسب في أول اختباره الجدي، وفقا للخلفية المشهودة آنفا في العلاقات بين الأعراب وإسرائيل.

4- نحن نشک في أن يتخذ الجيش العربي موقفا موحدا حيال الأزمات الإقليمية المستقبلية. فهناک نماذج من التصرفات المتباينة المبنية علی معايير مزدوجة والمتخذة من قبل بعض البلدان الأعضاء في جامعة الدول العربية حيال التطورات في العراق وسوريا والبحرين وعدم اتخاذ موقف موحد أمام الجماعات المعارضة في هذه البلدان، والتي تثبت أن الجيش العربي سوف يواجه في مساراته ومواقفه المستقبلية بعض المشکلات والتعقيدات. فلا يمکن إيفاد القوات العسکرية الی کل من البحرين واليمن لقمع المعارضين السياسيين، بينما تدعم جماعات إرهابية في سوريا ضد الحکومة القانونية في هذا البلد. کما لا يمکن تأسيس جيش موحد علی أساس اتفاقية بين الدول الأعضاء، بينما يحارب هذا الجيش أحد أعضائه ويتطرق في نفس الحين الی دعم أحد أعضائه الأخری لـ “الدفاع عن الشرعية”. فإن اتخاذ مثل هذا الموقف سيؤدي الی انهياره المبکر. ومن جهة أخری، يُستبعد أن يتم تطبيق سياسة موحدة في الاتجاهات المتخذة من قبل هذا الجيش.

5- السعودية ودورها المحوري وتحدياتها المستقبلية: ترغب الدولة السعودية کثيرا في أن تلعب دورا محوريا ومميزا في تشکيل هذا الجيش واستمرار أعماله. فإن الهجوم الجوي الذي شنته البلدان المتفقة مع السعودية المعروفة بـ “التحالف العربي”، تعتبر مقدمة وأساسا لتشکيل الجيش العربي الموحد. وفيما يخص بهذا المجال، هناک تحديان تجدر الإشارة اليهما: الأول هو أن مستقبل الحرب في اليمن ليس واضحا. فلم يتمکن التحالف العربي من تحقيق غاياته المعلنة في هذا الهجوم وباءت المحاولات المبذولة لشن هجوم بري علی اليمن بالفشل. ان الجيش العربي الموحد سوف يواجه في أساسه بعض النقص والخلل فيما إذا أصاب بفشل محتمل في اليمن. هذا وان مستقبل المملکة العربية السعودية هو التحدي الثاني لهذا الجيش؛ إذ ان هذا البلد قد عجز الی حد الآن عن حل الأزمات المحدقة به. فإن المنازعات والمشاجرات التي ألقت الظل علی البلاط والأسرة الملکية في هذا البلد بعد يوم من وفاة الملك عبد الله من جهة، والفشل في تحقيق الأهداف المحددة في المناطق التي قد تدخلت فيها البلاد تدخلا عسکريا وأمنيا مباشرا وغير مباشر من جهة أخری، قد ألحقت أضرارا فادحة باعتبار السعودية وقدرتها السياسية والعسکرية. هذا وان السعودية سوف تفقد مکانتها في المنطقة وقدرتها اللازمة وسواعدها العسکرية لفرض سيطرتها علی المعادلات السائدة بين جامعة الدول العربية إثر التفاهم السياسي التمهيدي بين ايران والغرب. ولن تتمکن دولة أخری من أن تتولی هذا الدور المميز. وبغض النظر عن الدور السعودي المحوري والدعم المالي – السياسي اللذين يقدمهما هذا البلد وبالنظر الی الدور الذي سوف تلعبه البلدان الفقيرة، منها السودان والصومال والجزائر و…الخ في الجيش العربي المحتمل، يُستبعد أن يتمکن هذا الجيش بوحده من التأثير علی الأزمات الإقليمية.

نظرا الی القضايا والنقاط التي أشرنا اليها آنفا، يبدو أن فکرة جيش عربي موحد وإبرام اتفاقية لتشکيلها، قبل أن تکون اتفاقية دفاعية – أمنية يمکن الاعتماد عليها، تعتبر مجرد محاولة سياسية للتغلب علی الأزمات السائدة علی جامعة الدول العربية. هذا ولا نستبعد أن تتحول مثل هذه القوة العسکرية، وبدعم من خارج نطاق الدول العربية، الی قوة إقليمية ومؤثرة علی معادلات جنوبي غربي آسيا. فيمکن في کل حين أن تتخذ الولايات المتحدة وبريطانيا والاتحاد الأروبي موقفا يؤدي الی تشکيل وتقوية السواعد العسکرية لجامعة الدول العربية. وبغض النظر عن هذه الرؤية والفکرة، لن يفوق الجيش العربي الموحد غير قوة صورية ورمزية.

 

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.