مع كل الاحترام للزائر الأبيض / د.محمد الحباشنة

 

 

 

د.محمد الحباشنة ( الأردن ) الخميس 8/1/2015 م …

 

الثلج هذا الفاخر ، هذا المحترم ، معجب أنا بمواصفاته جدًا ، ولكن لم تتطور بيننا أية ‘ كيمياء ‘ على مدى زياراته في السنوات التي عشتها ، ولا أظنها ستكون في السنوات المتبقية . أنا لا أحبه رغم معرفتي ويقيني أنه يحب الجميع أو على الأقل لا يكره أحدًا .

سألت نفسي مرارًا عن سبب شح ‘ الكيمياء ‘ بيننا ، وبالرغم من أنه سؤال جدلي حول مسببات الحب أو عدم الحب والذي ينتهي غالبًا باستنتاج قمعي مفاده ( عدم وجود أسباب محددة ) ، إلا أنني سأتجاوز هذه المسلمة السلبية للبحث عن بعض الارتباطات السلوكية التي أدت إلى هذا الجفاء .

هذا المحترم يأتي واعدًا بالخير ، يروينا ويروي الأرض بملحه السلسبيل ، يوعد سدودنا بزيادة محصولنا المائي ، يحقق عدالة الزي الموحد بلون رفاهي مسرف بالأناقة ( الأبيض ) ، وفوق ذلك فهو يكسر روتينية البقاء باستثنائية النقاء وإشارة الخالق إلى تواتر العطاء .

مواصفات تدعو ‘ للإعجاب ‘ وتقدم إلى ‘ الحب ‘ ، تحقق الأول ولن يتحقق الثاني . وأعتقد أننا شوهناه ، ونقلنا من صورته السلمية الواضحة إلى صورة هي الأصعب على الوجدان البشري حيث تكافئ صورة الحرب وإعلان الطوارئ .

طوابير على الخبز والمعلبات ، رعونة شبابية تمارس ‘ التخميس ‘ ‘ والتشفيط ‘ والبتوين’ وتنتهي بجثث مركبات مترامية على طريق أو جزيرة ، وشباب تنتهي على الأقل ومع عطف الله في الطوارئ بكسور متعددة أو ارتجاجات دماغية ، حياة متوقفة نسبيًا مع الرغم من إمكانية استمرارها وبفرح ، ناهيك عن التلبكات المعدية والقولونية الناتجة من الطقوس الغذائية الممارسة ونظام التسمين المستخدم : سحلب ، كستنا ، بوشار ، مقلوبة زهرة ، إلخ . والأكثر إغاظةً هو تلك الحالة من كسر الحواجز التي يقنع الناس أنفسهم أن الثلج مبررٌ للتخلي عن مبادئ اللياقة والأدب ، بحيث أنني لا أحبذ شخصيًا الخروج خوفًا من أن تفاجئني قنبلة ثلجية على وجهي تنزع مزاجي من شخص لا أعرفه أبدًا ، أو أن أتزحلق على صباحي وأتلقى فوق الرضوض قهقهات المعجبين بحركتي البهلوانية الإجبارية ، بدلا ً من مساعدتي على النهوض والتأكد من سلامتي والذي تقتضيه الأصول . تزحلق أمامي رجل وقور في عقده السادس حاملاً كيس تموين متواضع، كالعادة انفلتت ضحكات الشباب على كسر نرجسية الشيخ ، ساعدته على النهوض فقال بمرارة : ‘ حياة تعثير ، ما كان ناقصنا غير هالزفت ( يقصد الثلج ) حتى يرميني على وجهي ‘.

الأخطر أن الثلج ضيف ثقيل ذا متطلبات عالية.وهو المجس البرئ لامتحان قدرة مؤسسات الدولة وتشابك أجهزتها الخدمية والأمنية والإعلامية. وأتمنى أن لا نخفق مع هذا البرئ كما المرات السابقة. هو ايضا و في هذه المرحلة من التشرد العربي المصنوع غربيا يذيقنا مرارة العجز واللاقيمة ونحن علی مشهد من إخواننا العرب نشاهدهم ببلادة وسلبية ثقافة الكنبة، التي لا تدفئ من برد ولا تشبع من جوع ولا تؤمن من خوف .

معايير الصحة النفسية والحضارية للشعوب تشترط الحد الأدنى من توافر التفاعل الوجداني المناسب ، والقدرة على الفرح السليم ، والحزن السليم ، والحب السليم ، والكره السليم . والارتباطات السلوكية مع الثلج جعلت منه ‘ لدي على الأقل ‘ عدوًا لا صديقًا . فقد حولنا هدوئه إلى فوضى ، وبياضه إلى سواد ، ووقاره إلى رعونة ، وستره إلى كشف لعيوبنا . ربما نستطيع أن نحبه إذا استطعنا أن نحب سلوكنا باتجاهه و باتجاه أنفسنا .

 

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.