قراءة في سيرة الشاعر منير تمازيغت / منال بوشتاتي
منال بوشتاتي ( الجزائر ) الأربعاء 31/10/2018 م …
ليس من السهل أن يصبح الإنسان شاعرا وهو لا يعرف حرب الكفاح في ظل الصعاب وجمرة المعاناة في زحمة الظلم وشروق الأمل في طريق مسدود ؛ومادامت هناك إرادة وصبر وطموح فلا شك في الانتصار .
وهذه السمات الساطعة هي من إحدى صفات شاعرنا منير ذلك الطموح الذي عانى في أوقات عسيرة ؛ حيث عاش طفولة صعبة فكانت يد الأسى تصفعه بكل قوتها وعلى الرغم من ذلك قاوم الصدمات…….
الصدمة الأولى : بدأت حين توفي سنده وكل شيء في حياته والده الغالي ذلك البطل الشهم والقدوة المنيرة في حياته .
ومن ثم تسلسلت حلقات أوجاعه وحمل في حقائب زمانه الرجولة المبكرة فترك ثوب طفولته منشورا على حبال الدموع ليستعد إلى مواجهة زمانه الجديد بكل شجاعة وهكذا عاش مختلفا عن جل الأطفال .
وبعد مرور السنوات أهمل موهبته فجعلها تغرق ليمضي إلى طريق الاعتماد على نفسه رافضا كل الرفض مساعدة الغير لأنه شخص لايسجد إلا لرب العباد ولايرحب بالمذلة كما وجه معظم اهتمامه إلى دراسته ؛ ورغم هروبه من ذاته الشاعرة فإن هناك عوامل طبيعية حركتها وجعلته يتساءل بعمق وترنيمة تجاوزت أنفاسه . فحينا يتذوق جمال الطبيعة بنظراته وحينا يتذوق قصائد الأسطورة نزار القباني
وفي مقاهي الخيال تتسرب الأحلام إلى ذاته وتحكي قصص الأمس برتابة وصبغة شاعرية مدهشة لكنه يأبى أن تخرج فيقمعها بسلاح الهروب ويحرم نفسه من متعة الكتابة .
كانت هناك علامة أخرى تؤكد شاعريته حيث كلما رأى مسكينا يتجول في الشوارع رقت له أحاسيسه وصوب له نظراته الرقيقة ومد يد العون إلى أحدهم وبلا شعور لايفكر في دراهيمه المعدودة ؛وما ينتظره من طلبات بل يركض شفقة إلى مساعدة ذاك المتشرد الذي لامأوى له سوى الشارع .
تنتفض مشاعر منير رافضة رؤية البؤساء فيمضي في طريقه يخاطب ذاته ويتساءل عن دوافع الشقاء ؟؟ إلا أنه لايدون أحاسيسه فيعود إلى واقعه الذي لايختلف عن واقع جل التائهين .
أليس هذا هو الشاعر ؟ فلا يمكن أن تكون شاعرا إلا إذا جربت مختلف أنواع الشجن أوبالأحرى التعايش مع كل المكلومين الذين لاحول لهم ولاقوة .
ليس بالضرورة أن يكون التعايش ماديا يكفي أن يكون معنويا بحس صادق .
لاتحدثني أيها الشاعر عن موهبتك ومخيلتك التي تنتج أبهى الصور الشعرية لاتحدثني عن ثقافتك ؛ فكل ذاك لايلمع إذا غابت جواهر الإنسانية في ذاتك وتجربة حياتك فمنير تجلت في ملامح تجربته الشعرية بعض صفات شعراء سؤال الذات أجل فيه مايضاهي تجربتهم هم عاشوا تجربة الغربة خارج الوطن ؛ومنير عاش غربة في ذاته ووطنه في الوقت الذي غادر والده إلى العالم الثاني حينها عانى في صمت ولولا وجود أمه ما كان ليجدد بقايا قوته……
أمه الجوهرية تلك كافحت في سبيله متنصرة على كل العقبات لكي تصنع منه رجلا وبسرعة الشهاب انفجر حس رجولته وخرج هو الآخر مثل بقية جل أبناء جيله إلى العمل وهو في طور الدراسة .
عاش الغربة في الحب مثل شعراء المهجر فكتب دواوين شعرية لحبيبته الرائعة فأسماها جمانة كتب لها خطابات ذاتية نثرية ورومانسية.
عتاب واعتراف وكل ما تعيشه ذائقته الأدبية من شعور وعاش غربة في المدينة عندما غادر مدينته الحسيمة متوجها لطلب العلم في أصيلة .
إن جل تجاربه الإنسانية والاجتماعية والثقافية تذكرني بشعراء سؤال الذات ؟
لم يكن منير يعير انتباها لموهبته إلا حين شعر بغربة الحب ومن هناك أطلق الحرية لمشاعره وحرر كل أفكاره وتأملاته العالقة بعدما كان يخشى أن تخرج ذلك لأنها كانت ترفض الخروج في مجتمعات؛ لا تقدس آراء كتاب الظل ولاتعطي الأولوية للشعراء المجهولين ؛ ولاتحترم قيمهم وصدقهم .
لذلك كان يهرب من مواجهة موهبته ويرمي أفكاره في دواخله وكلما أرادت الخروج هرب منها .
وبظهور محبوبته كسر الجدار الصلب ودخل أرض الشعراء فخاطب جمانته بلغة الأمل فأشرقت الآمالي في مزهرية عواطفه فشعر بعدها بعذاب مرير؛ فأفصح لها عن إدمانه على ذكرياتها العطرة مبرزا نور شروقها في قلبه وأوراقه علها تحس بحنينه فرأى فيها لمعان البراءة واللغز العميق الذي لايفكه كل عابر.
وكانت في نفس الوقت مصدر تعاسته وعلى الرغم من كل ذاك خاطبها بمنتهى الرقة ؛ والرومانسية وصنع من أجل ابتسامتها أبهى الصور الشعرية وصارت أثرا لامعا في أرشيف ذاكرته كتب لها خواطر طويلة وقصيرة وطرز لها قصائد بهية وبنى لها في حديقة قلبه قصرا من الأشواق وفرش أرضه بالزهور وأشعل لها الشموع ولأن جمانته نبعت من أعماق قلبه بلغة أدبية لامستهلكة أحبها معظم القراء وتقاسموا مع شاعرها مأساته العاطفية
تحققت أحلام منير بنجاح قصائده وبزغ نجم ديوانه الأدبي في المكتبات بعنوان أسميتها جمان وبعد كفاح طويل سلطت أضواء الإعلام على روائعه غير أنه فقد جمانة إلى الأبد فكان حفل زفافها بعد توقيع حفل ديوانه هي أهدته الشهرة والوجع في آن واحد ثم رحلت مع شريك حياتها أما هو وقع حفل هزيمته خلف ابتسامة ذابلة
التعليقات مغلقة.