لماذا التطبيع العربي الرسمي العلني الان ؟ ولماذا كانت العلاقة خفية؟ / العميد ناجي الزعبي

العميد ناجي الزعبي ( الأردن ) الأربعاء 31/10/2018 م …




منذ اقامة الكيان الصهيوني الفاشي العنصري المصطنع كرأس حربة وحامي للمصالح الاستعمارية في الوطن العربي نشأت العلاقة الجدلية العضوية بينه وبين الحكام العرب، او ما اصطلح على تسميته النظام العربي الرسمي الذي جرى تنصيبه وفقاً لمؤامرة سايكس بيكو واستحقاقاتها .

كانت العلاقة بين العدو الصهيوني والحكام العرب خفية , وكانت مهمة كل منهم حماية الاخر ، ومهامهم معاً حماية المصالح الاستعمارية وتنفيذ الادوار والوظائف التي تناط بكل منهم لخدمة سيدهم وولي نعمهم .

ومما تسبب في سرية هذه العلاقة هو حالة النهوض الوطني والقومي العارمة منذ مطلع الخمسينات وحتى نهاية الستينات التي قادها الراحل عبد الناصر ، والتي لعبت فيها الاحزاب القومية واليسارية دوراً طليعياً في قيادة الجماهير وتعبئتها وتوعيتها والنضال معها وبها والتصدي للمشاريع المشبوهة , بالتالي كان من الصعب وربما من المستحيل الإفصاح عن العلاقة العضوية مع العدو بشكلها السافر والفصاح كان سيتسبب بهبات وربما ثورات شعبية تطيح بهؤلاء الحكام ربما .

كانت هذه الأنظمة المصطنعة ولا زالت هذه , وهؤلاء الحكام قوة مفروضة دون ارادة شعبية تتمتع بحماية اجهزة القمع والقهر المرتبطة بالاستعمار لذا فقد ارتبط مصير هذه الانظمة بالاستعمار الاميركي الذي يرهن مصيرها بمدى ما تقدمه من خدمات وما تلعبه من ادوار ومدى رضى العدو الصهيوني عنها.

سددت هزيمة ال ٦٧ ضربة قاصمة للمشروع القومي ، فانحسر دور القوى القومية ومكانتها , لكن المقاومة الفلسطينية والأحزاب اليسارية استطاعت ان تملأ الفراغ السياسي الناجم وأشاعت مناخاً عربيا ثورياً حتى نهاية الستينات حيث انقضت الرجعية العربية على القوى والأحزاب والنقابات والقيادات و المقاومة الفلسطينية , وعلى التعليم والدين والإعلام والفكر والثقافة , وجرفت الحياة السياسية , ونفذت عن سابق عمد واصرار وتصور وترصد جريمة اغتيال الوعي ، ومارست تجهيل الجماهير وتهميشها وتجويعها وإفقارها والاستبداد بها والانحدار بوعيها وإخضاعها لضخ من الدين السياسي الظلامي والإعلام الزائف وهبوط الفكر والثقافة .

كما ساهم انهيار الانحاد السوفيتي في مطلع التسعينات في تغوّل الرأس مالية الاميركية الاطلسية وتوحشها فعمقت عبر الحكام العرب وانظمتهم والعدو الصهيوني تجهيل الجماهير وفاقمت تخلفها وجهلها وتسطيح وعيها حتى وصلنا الى ما وصلنا اليه من نزع للحصانة الفكرية والسياسية للجماهير وتجريف الحياة السياسية، بالتالي اصبحت الجماهير العربية بيئة خصبة لأنتاج الأرهابيين و كمّاً بشرياً تسهل قيادته والعبث بوعيه وتشكيله واستثماره وفرض كل السيناريوهات والمشاريع والمخططات التي تصب في صالح مشروع الهيمنة الاميركية الاطلسية، منظومة النهب الدولية دون اي ردة فعل او موقف جماهيري او حزبي او تنظيمي من اي جهة كانت ، الامر الذي يفسر الإفصاح عن العلاقة العضوية بين الحكام العرب والعدو الصهيوني وعمالتهم له .

ولماذا التطبيع العلني السافر الوقح الان ؟

هناك سببين أولهما:

عجز الجماهير المفككة المشتتة والمهمشة المتخلفة منزوعة الحصانة الفكرية الغارقة في الجهل وانعدام الوعي والنزعات الفردية والتي لا تحظى بقيادات سياسيةً عن مجابهة المشاريع والسيناريوهات الاميركية الصهيونية وعن مجابهة مخططات الحكام وارتمائهم بالحضن الصهيوني وعجز احزابهم ولا مبالاة الجميع .

وثانيهما : تفكيك الوطن العربي من قبل اميركا وفي مقدمته دول الطوق العربي منذ نهاية السبعينات حيث اخرجت مصر من دول الطوق ، ثم بعام ١٩٩٣ اخرجت منظمة التحرير بأوسلو وجرى استنساخ نظام سايكس بيكو الفلسطيني ،وبعام ١٩٩٤ اخرج الاردن باتفاقية وادي عربة، ثم اخرج العراق بالغزو الاميركي بعام ٢٠٠٣ من العمق العربي الأستراتيجي .

واستكمالاً للمؤامرة تم اغتيال الحريري عام ٢٠٠٥ ونسبت تهمة اغتياله لسورية لدفع القوى اللبنانية العميلة المرتبطة بالعدو الصهيوني والسعودية واميركا للدفع بإخراج الجيش السوري من لبنان مما شجع ومهد للعدوان الاميركي الصهيوني والرجعي العربي على لبنان بال ٢٠٠٦ بقصد تدمير المقاومة ، لكن الهزيمة التي حاقت بالعدو الصهيوني ، وصمود غزة عام ٢٠١١ والاعتداءات التي تلتها دفعت الولايات المتحدة للقيام بعدوانها على سورية بقصد كسر المقاومة ومحورها واتمام مشروع تفكيك الوطن العرب وصناعة الشرق الوسط الجديد .

اثمر نصر المقاومة عام ٢٠٠٦ وصمود غزة وسورية الإعجازي عن تكريس محور المقاومة قوة أشاعت سياقاً نضالياً عربياً وبعثت روح المقاومة والنهوض الوطني والقومي ، وأشاعت مناخات نهوض وانتفاضات دولية على هيمنة القطب الامبريالي الاميركي الاطلسي الاوحد ، فقد ادركت روسيا ان بضعة الاف من المقاومة اللبنانية استطاعت ان تهزم اعتى قوة مدعومة من اميركا والرجعية العربية في الشرق الاوسط كله فحسمت معركة الثورات” الاوراسية” الملونة وانتفظت كعملاق دولي اعاد التوازن للمؤسسات الدولية وانهى هيمنة القطب الاميركي الاوحد ورد الاعتبار للدبلوماسية والمعايير والمواثيق الدولية وقدم نفسه كشريك كامل الشراكة للغرب ، وكرس نفسه قوة دولية عظمى.

كان السباق عبر سنوات العدوان على سورية ومحور المقاومة وحلفائه محموماً بينه وبين مشروع الهيمنة الامبريالية وتشبث الرأس مالية بدورها ومكانتها .

لكن نصر سورية حسم الامر فسقطت مشاريع التسوية وتصفية القضية الفلسطينية كصفقة القرن والكونفدرالية بينوليكس الاراضي المقدسة كارتيل الغاز وانتهى دور الادوات المهزومة كالسعودية والعدو الصهيوني او شارف على النهاية .

لقد وجد العدو الصهيوني الذي أخذ يبني الجدران العازلة لحماية نفسه محاصرا من المقاومة ومحورها شمالاً والمقاومة الفلسطينية جنوباً، واصبح سماء العدو وساحله الغربي يخضع لسيطرة صواريخ المقاومة الذكية وبحيرة روسية بعد ان كان بحيرة اميركية اطلسية ، وحدوده الشرقية بالجولان المحتل مهددة بالوجود الايراني وحزب الله .

كما لم يعد البحر الاحمر بحيرة صهيونية ، وباب المندب يخضع لسيطرة الثورة اليمنية التي حسمت معركة الساحل الغربي والحديدة وأصبحت تمتلك الطائرات المسيرة والصواريخ الذكية وتسيطر على باب المندب كما تسيطر ايران على مضيق هرمز مما يتسبب باختناق العدو وتهديد مصيره ووجوده الامر الذي يعتبر خسارة دوره وعجزه عن القيام بوظائفه السابقة المعتادة واصبح غارق بالفضائح والازمات وعبئاً أخلاقياً وسياسياً واقتصادياً وعسكرياً على سادته وهو امر يتسبب بتهديد وجود الحكام العرب المفروضين على شعوبهم بقوة الاستعمار والحديد والنار ، وهذا يفسر هلع نتن ياهو وهرولته لعمان والأمارات والفصاح عن العلاقة الآثمة .

(في مرحلة التحرر الوطني اما ان تكون بخندق الوطن او بالخندق المعادي ولا مكان للون الايدولوجي السياسي الرمادي ). والان يفصح العملاء عن انفسهم ويظهرون للعلن ويمارسون التطبيع العلني مع العدو ملاذهم الامن بهدف حماية انفسهم وكي وعي الجماهير لقبول العدو الذي تجري المحاولات المحمومة لاعادة انتاجه وبعثه كقوة اقتصادية عظمى ( اسرائيل العظمى ) حسب نظرية شمعون بيريس , بدلاً من قوة ودولة توسعية كبرى (اسرائيل الكبرى من الفرات الى النيل ) .

عما ستسفر العلاقة الآثمة :

لم تستطع ما يناهز الأربعين سنة منذ نهج العار بكامب ديفيد , لأوسلو, لوادي عربة  , لغزو العراق  ,والعدوان على المقاومة بلبنان , والأعتداءات المستمرة على غزة , وثماني سنوات من العدوان  الأميركي الدولي على سورية من  اجتثاث روح المقاومة , واجهاض حس الجماهير الثوري العفوي ولن تستطيع .

ولن تستطيع حسم مسألة القنبلة الفلسطينية الديمغرافية التي تؤرق العدو وتقض مضجعه , ولا كسر محور المقاومة الذي فرض نفسه قوة اقليمية عظمى ودولية هامة , ولا النيل من دور الأتحاد الروسي وتنامي قوته ولا الحد من نهوض العملاق الصيني , ولا حتى النيل  وكوريا الديمقراطية ولا كوبا وفنزويلا .

لقد تغير العالم وأفلت الرأسمالية وانكفأت الصهيونية والسعودية تغرق بالفضائح والفساد والأزمات .

ان محاولات حرف بوصلة العداء لمغتصب الارض والمقدسات وخلق عداءعربي ايراني مسألة باتت من الماضي ، فمحور المقاومة اصبح قوة عسكرية مدججة بارادة القتال وبالسلاح والرجال المعدين فكريا وعسكرياً ,وخطوات وهرولة الأنظمة والحكام المذعورين المرعوبين متاخرة , ومتاخرة جدا” .

 

 

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.