“العُقدَة السُّنِّيّة” لم تُعَرقِل وِلادَة الحُكومة اللبنانيّة وإنّما التَّدخُّلات الخارجيّة.. الحريري لا يُمَثِّل كُل سُنَّة لُبنان..




الخميس 1/11/2018 م …

الأردن العربي – رأي اليوم –

* النُّوّاب السّنّيّون المُستَقِلِّون عَن كُتلَتِه مِن حَقَّهِم دُخول الوِزارة.. والقُرب مِن “حزب الله” ليسَ جَريمةً بَل مَصدَرُ فَخر واعتزاز …

نَعتَرِف بِدايةً أنّنا في هَذهِ الصَّحيفة “رأي اليوم” نَقِف في الخَنْدَق المُعارِض للطائفيّة و”المُحاصَصات” السياسيّة التي تَستَنِد إليها، سِواء في لُبنان أو العِراق او سورية، أو أيِّ بَلدٍ آخَر، ونَرى أنّ هَذهِ المُحاصَصَة الطائفيّة هِي مِن أسباب تَخَلُّفِ دُوَلِنا وشُعوبِنا، وإذكاء فَتيلِ الانقسامات والحُروب الأهليّة، ومِن المُؤسِف أنّ بَعضِ الدُّوَل العربيّة ما زالَت تتمسَّك بِها، ونَحنُ نَتحدَّث هُنا عَن العِراق ولُبنان تَحديدًا.

لبنان يَعيش هَذهِ الأيّام أزمَةٍ تَنْعَكِس في تَعَسُّر وِلادَة حًكومته التي جَرى تكليف السيد سعد الحريري، زعيم تيّار “المستقبل” بتَشكيلِها، والسَّبب يتَمثَّل في إصرارِه على استبعادِ كُتلةٍ نيابيّةٍ تَضُم نُوّابًا سِتّة، مُستَقلِّين مِن أيِّ تَمثيلٍ في حُكومَتِه الجَديدة.

تيّار “المستقبل” الذي يتزعّمه السيد الحريري لا يُمَثِّل سُنَّة لُبنان جميعًا، ولا الغالبيّة مِن اللُّبنانيين أيضًا، وشعبيّته تتآكَل بشَكلٍ مُتسارعٍ، وانعَكَس كُل هذا في خَسارَتِه ثُلُث المَقاعد النِّيابيّة في الانتخاباتِ البَرلمانيّة الأخيرة، وإذا استمرَّ في اتِّباعِ السِّياسات الحاليّة، أي الرُّضوخ للإملاءات الخارجيّة سيَفْقِد الثُّلُثَين المُتَبقّيين مِن المَقاعِد، أو مُعظَمِها.

الحقيقة التي تَغيب عَن الكَثيرين في لُبنان، وعلى رأسِهم السيد الحريري الابن وداعِميه، تقول بأنّ الطائِفة السُّنِّيّة في لبنان كانَت دائمًا الحاضِنة الطبيعيّة الدَّافِئة للعُروبة والإسلام، والمُقاوَمة المُسلَّحة للاحتلال الإسرائيليّ، وقبل أن يظهر كُل مِن “حزب الله” و”تيّار المستقبل”، وهَذهِ الكُتلة السياسيّة الجَديدة مِن النوّاب السِّياسيين المُستقلِّين هِي الوَريث الشرعيُ لهذا التُّراث السُّنِّيّ الوطنيّ، وليسَ أولئك الذين يَرتَمون في أحضانِ حُلفاء “صفقة القرن”، و”النِّاتو العربيّ الطائفيّ”، والمُطَبِّعين مع دولة الاحتلال الإسرائيليّ، وينْخَرِطون في مُخَطَّطات التَّدمير للدُّوَل والمُنظَّمات التي تُشَكِّل مِحوَر المُقاومة للاحتلال الإسرائيليّ، وعلى رأسِها سورية و”حزب الله”.

رُبّما كانَ الرئيس اللبنانيّ ميشال عون الذي يَدعَم مَوقِف تيّار المستقبل في استبعادِ هَذهِ الكُتلة مِن الحُكومة مُحِقًّا عِندما قال “أنّ النواب الستّة الذين يُمَثِّلون هَذهِ الكُتلة يَجرِي الحديث عن تَوزيرِ أحدهم هُم أفراد وليسوا كُتلَة، ونَحنُ نُمثِّل الكُتَل ضِمن معايير مُعيّنة”، ولكنّهم أصبَحوا كُتلةً الآن، ولهم ثُقْلٌ كَبيرٌ في البَرلمان والحَياةِ السِّياسيّة، فلماذا يتِم إقصاؤهم بهَذهِ الطَّريقة؟ ألَم تتشكَّل جميع الكُتَل الأُخرَى، وفي لُبنان خاصَّةً بالطَّريقةِ نَفْسِها؟

إذا تأمَّلنا أسماء هؤلاء النُوّاب الستّة، وهُم عمر كرامي، وعبد الرحيم مراد، وعدنان طرابلسي، وقاسم هاشم، وجهاد الصمد، والوليد سكرية، نَجِد أنّهم يُمَثِّلون وجه لبنان العَربيّ المُقاوِم، ويَملِكون إرْثًا وَطنيًّا مُشَرِّفًا لا جِدال حوله، وانتماؤهم لمِحوَر المُقاومة خُطوةٌ مُشرِّفةٌ تَعكِس وطنيّة وعُروبَة مُعظَم أبناء الطَّائِفة السُّنِّيّة وتاريخها، فهَؤلاء لم يتورَّطوا مُطْلقًا في الحُروب الأهليّة، والفَرزِ المَذهبيّ، والرِّهانُ على أمريكا والدُّوَل الخليجيّة، وعلى رأسِها السعوديّة، وانحازوا دائِمًا للهُويّة اللُّبنانيّة العُروبيّة الجامِعَة.

إنّها ليْسَت “العُقدة السُّنِّيّة”، وإنّما عَقليّة “الإقصاء” اللبنانيّة، والارتهانِ للخارِج، والرُّضوخ لإملاءاتِ دُوَلٍ لا تُريد للُبنان الأمن والاستقرار، التي تُعرقِل وِلادَة الحُكومة اللُّبنانيّة الجَديدة.

المِظلَّة الدِّيمقراطيّة يَجِب أن تَحتَوي الجَميع، وأن يكون مِعيارُها الحَقيقيّ هُوَ الوَلاء للوَطن، والدِّفاعُ عَن هُويّته العَربيّة والإسلاميّة، أمّا المِظلّات الأُخرَى المُزوَّرة والمَليئة بالثُّقوب مِن جَرّاء التَّدخُّلات الأمريكيّة والإسرائيليّة فيَجِب أن تُرفَض، بَل وتُقاوَم أيضًا.

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.