تقرير هام … جولة على حيّ الزراريع في المنامة … عن رام ورفاقه و”أرض الأحلام” / ريم خليفة
الخميس 1/11/2018 م …
الأردن العربي –
“من أجل حياة أفضل وراتب أفضل”، قرّر “رام” أن يودّع زوجته “بريا”ويترك ابنه الرضيع الذي لم يتجاوز عمره الثلاثة أشهر لينتقل إلى البحرين. رهن كل ما يملك في دياره في الهند، كي لا يُضيّع فرصة العمل في البحرين التي قد تقوده إلى بلد آخر في منطقة الخليج، “أرض الأحلام”، على حدّ تعبيره.
حكاية “رام” هي واحدة من حكايات العمالة المهاجرة في البحرين. حكاية تمسّ حياة وحقوق فئة تساهم في عمليّة بناء وتشييد المباني والمنشآت الضخمة، وترتبط حياتها بسياسات الدول وتشريعاتها.
العمالة والسكن والأجور
في البحرين، لا تزال انتهاكات حقوق العمال المهاجرين موجودة، رغم الإصلاحات الحكومية، حيث تعاني تلك العمالة من الاستغلال والانتهاك بعيداً عن الإنصاف والتعويض والحماية.
من هنا، تظهر الحاجة إلى تنفيذ الضمانات العمالية والآليات التعويضية، وملاحقة أصحاب العمل المسيئين، بينما تبقى قضية الأجور مثلاً، وتحديداً مسألة عدم الانتظام في الدفع، مشكلة تعاني منها عمالة مقاولات البناء في البحرين مقارنة بفئة العمالة من أصحاب الشهادات والعمل المكتبي.
يُضاف إلى ذلك استمرار الحوادث في المباني التي تفتقر لأبسط شروط الصحة والسلامة، والتي وقع آخرها في 14 أكتوبر الحالي في “حيّ الزراريع” في المنامة.
العبوديّة الحديثة
في المشهد الحالي للعمالة الخليجية، ثمة مناخ يكرّس مفهوماً جديداً من العبودية، وذلك بسبب تفاقم حجم الاستغلال الذي يبدأ من موطن العامل (البلد المورّد) ويصل إلى البلد المستقبِل.
وتبدأ رحلة شقاء العامل عندما يرهن كل شيء في بلاده من أجل الوصول إلى مكان قد يحقق له “الحلم الموعود” بالمال وحياة أفضل. وسريعاً، يقع أسيراً لمبتزّ في وطنه، يطلب منه مبلغاً شهرياً كي يضمن له فرصة العمل في الخليج، بينما لا يكفي ما يحصّله، بعد دفع المبلغ للمبتزّ، لتأمين إيجار مسكنه في البلد الجديد ثم إرسال المال لعائلته، وهو حال قد يدفع بالعديد من العمال إلى الانتحار.
في جولة لـ”رصيف 22″، رصدت تفاصيل حياة العمالة المهاجرة في البحرين وتحديداً في حي الزراريع الذي يتوسط حي مشبر وحي النعيم المتفرع من شارع اللولو، بدت الظروف شديدة الصعوبة.
في هذه البقعة من العاصمة المنامة، تظهر يومياً أكوام بشرية، في الغالب آسيوية وجميعهم رجال، مجتمعة على الطريق بانتظار القادم الذي سيمدّها بعمل. وهكذا، من السهل أن تجد أحدهم لتصطحبه نحو المنزل إن كنت تبحث عن عامل لتسليك مياه الحمام والمطبخ… فكل واحد من هؤلاء يحمل معه عدّته ويجلس بانتظار الزبون.
مساكن حيّ الزراريع
عندما سنحت لنا فرصة التجول سيراً في حيّ الزرايع، كنا ننتقل تدريجياً إلى عالم العشوائيات الشبيهة بالموجودة في الهند وبنغلاديش، حيث غالبيّة القاطنين في الحي قد قدمت من هذين البلدين، إضافة إلى أقليّة من النيبال.
تبدو المباني آيلة للسقوط تحيطها القاذورات من كل جانب. وفي كل مبنى، يقطن عدد كبير من العمال، بما يفوق طاقته الاستيعابية بعدة مرات، حيث يصل العدد في بعض الأحيان إلى عشرة أشخاص في غرفة صغيرة تتكدّس بها الأسرّة وأخرى لا تتوفر فيها سوى الوسادات والبطانيات. معظم هذه الغرف تفتقد إلى التهوئة بسبب النوافذ المتهالكة.
تغيب عن تلك المباني المطابخ المهيأة، أما المراحيض فهي عبارة عن حفر في الأرض لا أكثر. ثلاجات هؤلاء العمال، إن وُجدت، فتضمّ بالتأكيد دواء هندياً لعلاج المفاصل التي يعاني من أوجاعها العمال في ظل غياب الرعاية الصحيّة الكافية.
معبد… ونظامٌ للطعام
في الغرف التي زرناها، كان ثمة صندوق صغير. في هذا الصندوق، هناك الإله الخاص بالعقيدة الهندوسيّة إلى جانبه شمعة وقطعة بخور هندي. يقبع الصندوق في زاوية ضيقة في طرف الغرف الواقعة في مبنى قديم، آيل للسقوط في أية لحظة.
في خضّم حالة الاستكشاف التي نقلتنا إلى عالم ليس ككل العوالم في البحرين، التقينا برام، الذي لم يُرد ذكر اسمه بالكامل، كما طلب عدم الكشف عن ملامح وجهه خوفاً من إلغاء تأشيرة عمله.
اصطحبَنا رام إلى مطعم مكتظ بالعمالة الآسيوية، وهناك شرح لنا نظام الأكل المتبّع في المكان. يدفع كل عامل أجرة شهرية – لا تقل عن 25 ديناراً بحرينياً – للمطعم، الذي يُخصّص له بها وجبة عدس “دال” مع خبز “جباتي” وكأس ماء.
وفي وقت الغذاء، هناك كوب من الأرز ومنشور بصل أحمر مع فص ثوم وقطعة من البطاطس، سُكبت عليها مرقة بالعظم (جيلاتين العظام) مع كأس ماء. وتشمل وجبة العشاء “الكباب الهندي” مع الفلفل والطحين والبصل والبهارات الهندية وكأس ماء، بينما تُقدّم في بعض الأوقات الحلوى الهندية.
في المقابل، هناك مطاعم مغلقة وسرية وغير مزدحمة مثل النوع الأول. وهذا النوع الثاني غير مفتوح للجميع، وتُستخدم – كما يقول رواد النوع الأول – لمشاهدة الأفلام الإباحية وشراء الشراب المصنع محلياً والممنوع بحسب القانون.
أكثر من رام
يتذمّر رام، في حديثه مع رصيف 22، من أنه لم يستلم راتبه – الذي لا يتجاوز الثمانين ديناراً بحرينياً – من شركة المقاولات التي يعمل بها حتى الآن. “أدفع الكثير ولا أجني سوى القليل”، يقول غاضباً.
ويضيف “أنا أعمل بطريقة نظام المناوبة ولأني بحاجة للمال فإنني أؤجر مساحتي التي أنام بها بنصف السعر، مع وسادة وبطانية لكن دون سرير”. قال ذلك وهو يعلق الإعلان لتأجير مساحته للنوم بنصف السعر. ما قام به يُعدّ أمراً عادياً في هذا الحي.
في البحرين، لا يزال البعض يرفض تسمية العمالة المهاجرة معتبراً أن الأصح هو العمالة الوافدة… لكن الأمر أبعد من تسمية، وأبعد من قصة رام والحي الذي زرناه. القضية تبدأ بتصحيح أوضاع العمال بصورة تتطابق مع معايير منظمة العمل الدولية.
ودّعنا رام الذي يأمل بحل قريب، بينما ذهب لينام على وسادة وبطانية محشورتان وسط وسائد وبطانيات كثيرة يحلم أصحابها بالحلّ القريب نفسه.
التعليقات مغلقة.