لا حل قريباً في الأفق اليمني / د. إبراهيم علوش
د.ابراهيم علوش ( الأردن ) الخميس 25/6/2015 م …
اعتبروها نظرية مؤامرة لو شئتم، لكن يصعب على أي مراقب سياسي أن لا يربط تسريب وثائق الخارجية السعودية عبر موقع «ويكيليكس» بالتعارضات ما بين الإدارة الأميركية والنظام السعودي حول عدد من الملفات من سورية إلى مفاوضات النووي إلى الموقف من حكومة اليمين المتطرف في الكيان الصهيوني إلى صراع المحاور ضمن النظام السياسي في الولايات المتحدة نفسها… إلى اليمن.
مفاوضات جنيف حول الأزمة اليمنية مثلاً التي انعقدت الأسبوع الفائت لم تفشل، بل أُفشلت، على ضوء تقارير إعلامية أن السعودية اعتبرت أن الولايات المتحدة رضخت لمطلب روسي – إيراني باستبدال مفاوضات جنيف بمفاوضات الرياض التي حاورت فيها المملكة نفسها، وحاولت عبرها أن تفرض وصايتها على المشهد السياسي اليمني بلا جدوى.
لا يعني ذلك بالطبع أن الولايات المتحدة تتبنى موقف الجيش اليمني أو حركة «أنصار الله» للحل السياسي في اليمن، على العكس تماماً، وقد مارست ضعوطاً عبر الاتحاد الأوروبي وغيره لفرض القرار المجحف 2216 عليهم، وأكدت السفارة الأميركية في اليمن على موقعها على «فايسبوك» في 14 حزيران 2015 تمسكها بالمبادرة الخليجية وقرارات مجلس الأمن الدولي ذات الصلة، أي القرار 2216، كما أن موقف الولايات المتحدة الرسمي، كما عبر عنه المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية جون كيربي في 8 حزيران 2015 في بيان صحافي بأن لا يزال «حق السعودية في الدفاع عن أراضيها ضد الميليشيات الحوثية».
لكن لننتبه جيداً إلى أن مثل ذلك «الحق»، على رغم أنه يغفل تماماً جوهر المشكلة، وهو العدوان السعودي المتطاول على اليمن، فإنه يقصر حق السعودية على «الدفاع عن أراضيها»، كما أن ذلك البيان الصحافي، وما نشرته السفارة الأميركية في اليمن على الإنترنت، يؤكدان ضرورة حضور كل الأطراف مؤتمر جنيف «من دون شروط مسبقة»، وهذا يشكل بدوره ضربة للموقف السعودي الرسمي، وموقف الأدوات السعودية في اليمن، التي كانت تصر بتعالٍ أجوف لا تدعمه الوقائع على الأرض، على أن مؤتمر جنيف كان لبحث تنفيذ القرار 2216 فحسب.
كانت الولايات المتحدة بالمقابل تسمي مؤتمر جنيف «مشاورات»، وقد دعت المشاركين في المؤتمر إلى الوصول لاتفاق ينهي القتال، مجدداً، من دون ذكر العدوان السعودي على اليمن. ولا يعني ما سبق أبداً أن الولايات المتحدة راضية عن تقهقر مواقع حلفاء السعودية في اليمن، وقد دان كيربي، الذي كان ناطقاً باسم وزارة الدفاع الأميركية قبل أن يصبح ناطقاً باسم الخارجية الأميركية، الهجمات التي قامت بها «قوات مرتبطة بالحوثيين والرئيس السابق صالح» على السعودية، وهو ما لم يظهر في بيان السفارة الأميركية في اليمن بعدها بأيام الذي عبر عن القلق إزاء «العاقبة الإنسانية الرهيبة للعنف المستمر في اليمن»، لكن في الحالتين فلنلاحظ غياب تأييد واضح للقصف السعودي على اليمن، على رغم تأكيد الولايات المتحدة موقفها بضرورة «انسحاب القوات من المدن الرئيسية»، والمقصود بذلك هم الحوثيون والجيش اليمني طبعاً.
الموقف الأميركي ليس غامضاً في الواقع، بحسب تقرير في 22 نيسان 2015 في صحيفة «واشنطن بوست» المقربة من دوائر صنع القرار في العاصمة الأميركية واشنطن، بدأ هكذا: «أطلقت العربية السعودية جولة جديدة من الضربات الجوية على اليمن الأربعاء، في خضم مخاوف أميركية من أن الحملة المستمرة منذ أربعة أسابيع قد استنفذت فائدتها العسكرية وباتت تأتي بنتائج عكسية للحل السياسي».
نتحدث عن تعارض بين الإدارة الأميركية الحالية ونظام آل سعود: كلاهما يريد الشيء نفسه، وهو السيطرة على اليمن، وتفكيكه، إلا أن الإدارة الأميركية تدرك أن الضربات السعودية لليمن استنفذت مداها العسكري، ما دامت ليست مقدمة لزحف بري لا يقوى آل سعود وحلفاؤهم عليه، وأنها باتت عائقاً أمام الحل السياسي، في اليمن، وفي العديد من الملفات الإقليمية الأخرى، التي باتت الضربات الجوية السعودية تمثل تشويشاً عليها من دون أن تأتي بنتائج تذكر، من المفاوضات النووية مع إيران إلى السعي الأميركي للتمدد شرق العراق. والقلق الأميركي هنا ليس على تدمير اليمن بالضرورة، أو الثمن الإنساني المتراكم للضربات السعودية، بل بالاستفزاز الذي يشكله ذلك للحلفاء الإقليميين والدوليين للحوثيين والجيش اليمني، وهو ما يمكن أن يشكل عائقاً أمام أي صفقات أو اتفاقات تسعى الولايات المتحدة إلى عقدها في المنطقة في ظل مصالحها المتضاربة واستراتيجياتها المزدوجة في الإقليم.
إذن، بات لدى أوباما وجعا رأس، أحدهما هو نتنياهو والآخر هو طاقم الحكم الجديد في السعودية، أم أنهما وجع رأس واحد، كما اتضح من الخطوات التطبيعية بينهما، ومن تقربهما المشترك من الجمهوريين في الولايات المتحدة؟ والتشويش مصدره تضارب الاستراتيجيات، فأوباما يفضل «القوة الناعمة»، والجمهوريون ونتنياهو وآل سعود يفضلون القوة الخشنة، وهو يفضل التركيز على روسيا والصين، وهم يفضلون الملفات القديمة. لذلك تخلق محاولات إيجاد حلول توفيقية في السياسة الخارجية الأميركية نوعاً من الفوضى «غير الخلاقة» في آثارها وعواقبها.
كلام سريع حول الحليف الروسي: بعد أن مرر الروس قرار مجلس الأمن الظالم رقم 2216 بلا اعتراض، تبنوا عملياً موقف وفد صنعاء وخطابه حرفياً في ما يتعلق بمؤتمر جنيف، معتبرين عقد المؤتمر مقدمة لحوار يمني حقيقي، ولم يمنعهم ذلك من عقد اتفاقات تجارية كبيرة مع السعودية بعدها، ومن ثم تأكيد موقفهم الداعم للرئيس بشار الأسد. هل في الأمر لغز؟ بتاتاً، روسيا دولة عظمى لها مصالحها، وهي ليست نحن، ولا يجوز أن نتوقع منها أن تتعامل معنا كأننا أولادها بالتبني. وتجديد العقوبات الأوروبية على روسيا بذريعة أوكرانيا من السذاجة الاعتقاد أنه لن يُستخدم لابتزاز تنازلات سياسية من روسيا في اليمن أو سورية، كذلك بات واضحاً الآن أن آل سعود ماضون في تدمير اليمن، وأن هذا بات يتطلب تصعيداً مقابلاً يوقفهم عند حدهم.
التعليقات مغلقة.