فلسطين … روايات التطهير العرقي عام 1948: حبيب بطرس زريق: «كيف بدي أموت ومش منتصرين؟!» / فيحاء عبد الهادي
فيحاء عبد الهادي ( فلسطين ) الجمعة 2/11/2018 م …
في الذكرى السبعين لتطهير الفلسطينيين عرقياً عام 1948، وفي تشرين الأول تحديداً، تلحّ علينا الذكريات الفاجعة التي تحملها نهاياته.
يروي “حبيب بطرس زريق”، مواليد عام 1923، ذكرياته عن المذبحة التي ارتكبتها القوات الصهيونية يوم 30 تشرين الأول عام 1948، في عيلبون/ الجليل، أثناء الهجوم على البلدة وترحيل أهلها بقوة السلاح.
وعبر روايته؛ تتبيّن الخطة المبيّتة لتهجير سكان عيلبون، كما يتبيّن نضالهم لمقاومة التهجير والقهر وإعادة البناء؛ بعزيمة شديدة وإيمان راسخ بالحق:
” قبل يوم الهجوم؛ كانوا يطلقوا النار مدفعية على البلد، مش على جيش الإنقاذ، قلنا للناس: بدهن ايّانا نهاجر، نبَّهنا الناس، أكثرية البلد ظلت في عيلبون. يوم 29 بالليل المغرب، ليلة السبت، الساعة 12، حسّينا إنه فيه حركة نزوح للجيش قرب العين، إجا الخبر إنه جيش الإنقاذ إنسحب، عرفنا إنه الجيش الإسرائيلي بِدّه يفوت.
وفعلاً دخل الجيش الساعة 5 الصبح، 30 تشرين أول سنة 48، الناس تجمعت أكثرها بالكنايس، وعيلبون اللي ظلوا 650 نفر. طخطخوا شوي، وبعدين فاتوا وإلاّ هِنّه بنصّ البلد، وطلبوا من حدا يقول: خلّي تجتمع الناس كلياتها بالحارة. أول شغله عملوها للإرهاب، طخّوا على إجرينا، جرحوا ثنين قدّامي، من عيلبون.
وإحنا جايين نصل الحارة، فيه واحد حوراني، كان موجود بالبلد، تلكّأ نتفه؛ واللا قتلوه قدّام الناس، مشان يخوّفونا، بَنساش كيف إنه الطفل ما يبكيش، المرا بخصرتها تتنفس، الزلام صافنه بتعملش إشي، مثل مجمَّدة هالناس كلياتها، وطبعاً الجيش واقف 4، 5 جنود، وكل واحد حامل رشاش، ومصوِّب على هالناس، انشلّ التفكير. إذا كان أنا هيك، أنا مناضل اشتركت بمعركة لوبيا، كيف هِنِّه الباقي؟!
إسّا بعد ما تجمَّعوا الناس، طلبوا منهم: إنت قوم، إنتَ قوم. للشباب: إنت إنت، بعد ما أخدوهن على جنب، قالوا للخوري اللي كان واقف: بدنا كل أهل البلد تروح على المغار، مشان إذا صار فيه إطلاق نار علينا يكونوا هنّه قداّم، دروع بشرية.
بالسلاح سحبونا للمغار، على الطريق صوَّبوا إتجاهنا رصاص، وصلنا، لقيناهن مجمّعين في مدرسة، هناك قالوا: ياللا على “عبد الله”، خلّيه يطعمكو. ظلينا ماشيين تلا كفر عنان، هناك قعدنا. جاعت الولاد؛ بدناش نروح على لبنان؛ طلبنا من الجيش أكل وميّ، جابوا لنا بطاطا، قبل ما ناكُل، وإلاّ فرقة ثانية إجت دارت علينا ع الرصاص، وننهزم على فرّاضة بالجبل. انقتل واحد وانجرح ثنين.
وصلنا، لقينا الجيش قدّامنا صار هناك، محتل القرية ومطلِّع الناس أكثرها، إلتجأنا للجامع، طلبوا منا إنه نطلع برّه، فتَّشونا، أخدوا كل إشي معانا، من ساعات، من مصاري، وما اكتفوش، شلعوا حلقات بنت أخوي من ذنيها. بتنا هديك الليلة بالجامع، صار الجيش الإسرائيلي الرسمي إسّا الموجود.
ثاني يوم بالنسبة لأهل البلد جمّعوهن، والزلام أخدوهن على المقتل، قلت: مش ممكن أظل مع الجيش، بِدّي أرجع لكفر عنان، ومنها آجي على وادي سلّامة، النتيجة من الصبح رجعت مشي، إجا أخوي “أبو زريق”، قال: مش ممكن أدَشّرك، رجع معي على كفر عنان، اللي بعدها مش طالعة، فُتنا على بيت، ما قعدناش هيك نص ساعة، وإلاّ مطوَّقة البلد مثل عيلبون، الكل يطلع على الساحة؛ طلعنا، إنت إنت، قال: بدهن يقتلوا عشرين واحد، وينسفوا عشر دور، أخدونا على جنب على الشجرة موجودة لليوم، على أساس يقتلونا، وأخدوا معنا ثلاثة مع الستنّات، وإحنا هناك بنستنى بدنا نشوف شو نساوي؛ وإللاّ إجا “صادق”، حكى مع الجنود اللي هنّه مكلفين بقتلنا؛ قالوا لنا: إنتوا يا أهل كفر عنان بتروحوا مع الناس، وإنتوا يا أهالي عيلبون بتروحوا على المغار من هون مشي، إحنا قريبين على الشارع الرئيسي، قلنا: منيح، على المغار.
وإحنا بطريقنا وإلاّ قوات المراقبين هيئة الأمم المتحدة مارقين جايين في الوقت اللي بدهن يقتلونا، رفعوا القتل عنا. مرقنا ظلينا جايين على المغار، ما وصلنا، وإلاّ محسوم موجود، حاجز، مسكونا وحطونا بسهلة ثانية، بالحاكورة عند المختار، قعدنا هناك نستنى مش عارفين شو بِدُّه يسير فينا! وإجا الخبر إنه اللي نقّوهن في عيلبون قتلوهن. عملوا منع تجوّل في المغار، بلَّشوا إطلاق نار، سكتت البلد، الكلب بطَّل ينبح. بِسألني واحد: طيب ما أجاش على بالك الموت؟ قلتله: إجا على بالي: كيف بدي أموت ومش منتصرين!
راح 45 واحد من عيلبون على المعتقل، ورجعنا 2 أيار سنة 49، أعطونا وراقنا وجينا على البلد. إسّا دخول البلد، بعد ست تشهر، ومش عارف، مرتي وولادي وين؟ 18 أخذوهن، ظل 13؛ وزّعوهن على الشوارع في البلد وقتلوهن، على أساس إنه كانوا يدافعوا هون، وظلوا لثاني يوم أو ثالث يوم، وجابوا ناس من المغار، ومن عيلبون، وحطوهن مع بعضهن، فيه منهم إسلام، وحطوهن في مقابر مسيحية كلياتهن، وبعدين قبرناهن بالمقابر المسيحية، قبر جماعي. من أكثر العائلات اللي انقتل من دار “زريق”، ثلاثة.
نضالنا في المعتقل كان كثير منيح، لإنه بين شعبنا، وعملنا معركة طويلة عريضة، وصيام وضرب وقتل، تَ حسّنوا شروط، طلعنا الشيوعيين، كنا 500، وننشد: يا شعوب الشرق، اتطلعت هالناس، والمعتقلين بالآلاف حوالينا. كانوا يعرضوا على المعتقلين إنه إسّا بتطلعوا وأهليكو برّه، وتفضَّلوا إطلعوا. وجودنا في المعتقل؛ منعنا الناس إنها تسافر وتطلع برّه البلد.
طلعنا بعد ما بلّغونا بالإفراج. وصلنا المسكوبية، لمّن وصلنا على الجبل اللي بِطِلّ على البلد؛ صرخت الناس اللي بالباص، إنه رجعوا عيلبون. وصلنا البلد، والاّ هالناس مجمَّعة كلياتهن، هونا هونا منظر السعادة، ضمّينا الفرح والحزن وتأثر من الناس اللي إنقتلت ولادهن ونسواهن، اللي كانوا في لبنان ورجعوا.
صعب هذا التاريخ كثير صعب! المهم تماسكنا ورُحنا على المقبرة، وكنت بعرف أقول: غفران، كنا نقول والناس ترد علينا، وصلنا على المقبرة كلنا بكينا، سنة ونص ممنوع فرح في البلد. وبلّشت عيلبون تنشط، وحكينا كلمات إنه إدفنوا أمواتكم وانهضوا، وفعلاً نهضنا”.
www.faihaab.com
التعليقات مغلقة.