بالصور .. أسواق في البلدة القديمة في القدس
وترتبط هذه الأسواق بشبكة كبيرة من الطرق والعقبات والأحواش.
لم تسلم أسواق مدينة القدس من الهجمات التهويدية الشرسة التي تطال كل جزء من مكوناتها؛ رغم أن لكل سوق منها مكانتها وحكايتها التاريخية؛ فقد حاول الاحتلال إلباسها ثوبًا لم يكن يومًا لها، من خلال تهويد بعض أسمائها، وتدمير البعض منها؛ وإغلاق ومصادرة العديد من محلاتها التجارية؛ إضافة إلى فرض الضرائب الثقيلة على كاهل أصحابها، لتضييق الخناق عليهم. ومن هذه الأسواق:
أنشأها الأمير سيف الدين تنكز الناصري (نائب الشام) في سنة (737هـ- 1336م)؛ وتعدُّ من أجمل أسواق مدينة القدس الواقعة داخل أسوارها.
وتشكل هذه السوق المدخل الأساسي لأسواق البلدة القديمة. وقد عرفت بهذا الاسم نسبة إلى الخان الأثري المسمى ‘خان الزيت’. وتمتد هذه السوق من أول درجات باب العمود إلى نهاية طريق كنيسة القيامة.
ولا تختلف هذه السوق معمارياً عن أسواق القدس الأخرى؛ فهي عبارة عن شارع طويل، يشتمل على عدد كبير من الدكاكين المتقابلة في صفين. تمتد هذه السوق بموازاة شارع الواد، ولها مدخلان، يفصل بينهما ممر مسقوف على شكل قبو نصف برميلي محمول على عقود مدببة تتخللها فتحات تسمح بالإضاءة والتهوية. وقد ذكرها مؤرخ القدس والخليل (مجير الدين العليمي) وحدد موقعها، وذكر زقاق أبي شامة المتفرع عنها إلى جهة الشرق.
وتعد ‘سوق باب خان الزيت’ سوقًا تجارية مليئة بمحلات الأحذية والملابس؛ بالإضافة إلى محلات البهارات والمخللات وغيرها. ويتهدد ‘سوق باب خان الزيت’ خطر الانهيار؛ بسبب الحفريات التي تقوم بها بلدية الاحتلال الإسرائيلية تحت البلدة القديمة؛ والتي أدت إلى انهيار أجزاء من الأرض قرب مدخل السوق؛ هذا عدا عن سرقة حجارة السوق القديمة واستبدالها بأخرى جديدة على أيدي بلدية الاحتلال، ضمن عملية نهب واسعة لآثار المدينة المقدسة خاصة في البلدة القديمة لمحو تاريخ المدينة وتزويره.
وتحفل سجلات محكمة القدس الشرعية ووثائق ‘مؤسسة إحياء التراث والبحوث الإسلامية’ بإشارات حول وقف هذه السوق على البيمارستان الصلاحي في القدس، وحول معاملات الأوقاف في إدارتها وتأمين أبوابها بالحراسة ليلاً. وتقدم هذه السجلات أدلة على أن نشاط هذه السوق هو استخراج الزيت وبيعه وبيع السلع التي يدخل في تجهيزها؛ فقد رصد فيه عدد لا بأس به من المعاصر والمصابن.
ومن أسماء باب خان الزيت أيضًا ‘شارع الكاردو’ أي ‘قلب المدينة’. وفي وسط السوق يوجد المرحلة السادسة لطريق الآلام عند النصارى، وكذلك كنيسة الأحباش؛ ويوجد أيضا مصلى سيدنا أبي بكر الصديق (رضي الله عنه).
تقع ‘سوق القطانيـن’ إلى الغرب من جدار الحرم الشريف؛ حيث تمتد بين بابي ‘المطهرة’ و’الحديد’؛ بوابتها مقابلة لقبة الصخرة المشرفة؛ وتنبع أهمية موقعها من قربها من الحرم الشريف، ولانفتاحها.
تنسب ‘سوق القطانيـن’ إلى منشئها (الأمير سيف الدين تنكز الناصري نائب الشام)، الذي أنشاها في سنة (737هـ- 1336م)، وهو أحد كبار الدولة المملوكية، وأشهر نوابها وأكثرهم عمرانًا، وخاصة في سلطنة الملك الناصر محمد بن قلاوون (741- 709هـ/ 1309-1340م). وتم ترميم هذه السوق عام 1929على يد المجلس الإسلامي الأعلى.
وسوق القطانيـن عبارة عن شارع طويل، له مدخلان: الأول، من طريق الواد من جهة الغرب؛ والثاني، من الحرم الشريف، من جهة الشرق. وكانت بوابتها الشرقية تعرف بـ’بوابة تجار القطن’، وتشتمل على عدد كبير من الدكاكين المتشابهة والمتقابلة في صفين يفصل بينهما ممر مسقوف على شكل قبو نصف برميلي محمول على ثلاثين عقدًا مدببة تتخللها فتحات تسمح بالإضاءة والتهوية.
ويلاحظ أن الممر الملاصق للباب المؤدي إلى الحرم الشريف مباشرة، مسقوف بطريقة الأقبية المتقاطعة؛ كما يلاحظ تزيين بعض فتحات سقف الممر بالحنيات المجوفة والمقببة التي تتدلى خلال تتابعها المتناسق فيما عرف معماريًا بـ’المقرنصات’؛ إضافة إلى تخصيص فتحة أو أكثر لكل دكان لتهويتها وإضائتها.
وتحفل سجلات محكمة القدس الشرعية ووثائق ‘مؤسسة إحياء التراث والبحوث الإسلامية’ بإشارات إلى هذه السوق ووقفها على قبة الصخرة المشرفة والمدرسة التنكزية، ومعاملات تلك الأوقاف. كما تحفل بإشارات حول ترميمها وإدارتها وتحديدها وتأمين أبوابها بالحراسة ليلاً؛ حيث برز أفراد من عائلات مقدسية مثل: النابلسي، وابن الدويك، والجندي؛ إضافة إلى الاشارة إلى نشاط هذه السوق واختصاصها بالبضائع القطنية والحريرية والاتجار بها داخلياً وخارجياً.
ولا تزال هذه السوق تؤدي وظيفتها رغم ما حل بها نتيجة التقلبات السياسية في عموم فلسطين؛ لكن حفريات الاحتلال الإسرائيلي تتهددها بالدمار منذ عام 1974م؛ كما إن الكساد التجاري أصبح غالباً عليها؛ بسبب سياسية المحتل في فرض ضرائب جائرة وتعسفية على محلاتهم، نتيجة مضاعفتها (الأرنونا)، وبسبب عزل القدس عن جوارها العربي الفلسطيني؛ حتى بات الفلسطيني الذي يعيش قريبًا منها، لا يستطيع التسوق منها، أو حتى أداء الصلاة في مسجدها الأقصى المبارك.
سوق العطارين
وهي السوق الوسطى من السوق الثلاثية (تقع بين ‘سوق اللحامين’ و’سوق الخواجات’)؛ تربط بين ‘سوق باب خان الزيت’ و’سوق الحصر’، بموازاة ‘سوق اللحامين’. تتميز بسقف مقوس يعود إلى الفترة المملوكية يغطي السوق كلها، وأقبيتها متقاطعة تتوسطها فتحات للتهوية والإضاءة، وقد اشتقت السوق اسمها من المحلات التجارية العديدة التي تبيع البهارات والأعشاب الطبية المصنوعة من مواد وألوان طبيعية.
ولم يستطع الاحتلال الاستيلاء على سوق العطارين حتى الآن؛ رغم كل الاغراءات المادية التي يعرضها الاحتلال على التجار لترك محلاتهم وبيعها. ويواجه حاليًا تجار هذه السوق مخططًا احتلاليًا جديدًا، وهو مسار سياحي يهدف إلى بناء متنزهات وخمارات ومطاعم في ‘سوق العطارين’ وأسواق أخرى؛ ما يهدد بالسيطرة على أكثر من 77 محلًا تجاريًا. كما يعاني أصحاب المحلات التجارية في هذه السوق من المداهمات الضريبية التي تقوم بها بلدية الاحتلال من وقت لآخر.
سوق الخواجات أو (الشرقي) أو (التجار) أو (الصاغة)
سوق الخواجات أو (الشرقي) أو (التجار) أو (الصاغة) هي إحدى الأسواق الواقعة داخل أسوار البلدة القديمة من مدينة القدس؛ تقع قرب تقاطع المحورين الرئيسيين في البلدة القديمة، وتُعدُّ جزءا من ‘السوق الثلاثي’ الذي يشمل كل من ‘سوق اللحامين’، ‘سوق العطارين’، و’سوق الخواجات’.
كانت هذه السوق تشتهر ببيع الذهب، لهذا اكتسبت اسمها (سوق الصاغة) و(سوق الخواجات)؛ لأن الصاغة كانوا من غير المسلمين؛ أما حاليًا وبعد انتقال الصاغة إلى ‘سوق الدباغة’ (أفتيموس) في مطلع القرن العشرين؛ فقد اقتصر نشاط محلاتها التجارية على تجارة الأقمشة؛ إذ تشتهر هذه السوق بالمحلات التي تحيك الملابس التراثية القديمة مثل: القمباز والعباءات.
أُصيب الجزء الشمالي من السوق بأضرار جسيمة نتيجة الزلزال الذي أصاب القدس عام 1927م؛ ما أدى إلى تهدم نصفها الشمالي، وبذلك تراجع طول السوق من 541 متراً، إلى نحو 57 متراً؛ حيث أغلق الجزء المتهدم، وتحول إلى خرابة، وظل دون ترميم حتى الآن.
التعليقات مغلقة.