فلسطين والمبادرة الفرنسية والشرعية الضائعة / ابراهيم ابو عتيلة
ابراهيم ابو عتيلة ( الأردن ) السبت 27/6/2015 م …
منذ مؤتمر القمة العربية الذي عقد في الرباط سنة 1974 ونحن نسمع معزوفة الممثل الشرعي والوحيد ، هذه المعزوفة التي اضحت على لسان المستفيدين والعاملين في ” منظمة التحرير الفلسطينية ” فلا تكاد تخلو مناسبة يتواجد بها أحد هؤلاء إلا ونسمع تلك الإسطوانة بحيث بدأت هذه الاسطوانة التي يتردد من خلالها هذا القول مشروخة ومكسورة أخفت من خلال ذلك كل ما ارتبط بالتفويض بالشرعية الذي أُقر من قبل القمة العربية كما أخفت معها المنطلق والهدف من تأسيس تلك المنظمة والقاضي بتحرير فلسطين كل فلسطين اي قبل عدوان ونكسة وهزيمة العرب عام 1967 ، إذ تناسى هؤلاء المرددون مدى ارتباط تلك الشرعية بتحقيق الهدف كشرط من شروط تفويض الشرعية لتلك المنظمة بعد أن أضاعوا الهدف الأسمى وقاموا بإلغاء الهدف ونسفه كاملاً حين ألغوا الميثاق الوطني الفلسطيني وحين قاموا بإلغاء حق العودة ورضوا بالقيام بدور الشرطي الذي يوظفه الاحتلال لقمع المقاومة وفق اتفاقية الذل في اوسلو التي اعتبروها مرجعية قسوى لنضالهم ، نظموا الإنتخابات تلتها إنتخابات شاركت بها كل التنظيمات المنضوية تحت مظلة المنظمة وتلك المنظمة التي تتزعم التنظيمات من خارج المنظمة ، وشُكلت الحكومات المتتالية وأُنتخب الرئيس وهم على حالهم يتشدقون بشرعية التمثيل في ظل سقف حده الأقصى ذل ” أوسلو” ، وافقوا على المبادرة تلو المبادرة ، الاحادية والقمية العربية والرباعية ، متناسين أن كل تلك المبادرات لا تحقق هدفاً ولا توصل لحل لأصل القضية ، أو تحقق الهدف الأساس من تأسيس تلك المنظمة والقاضي بتحرير فلسطين ، متناسين في ذلك أيضاً حتى حق العودة للاجئين الذين من المفترض أن يمثلونهم وفقاً لشرعيتهم التي ينادون بها حين جردوا اللاجئين من حقهم مكتفين بتزوير الجغرافيا والتاريخ بقولهم ان هدفهم يتمثل في إنشاء دولة فلسطين على حدود عام 1967 حيث اعتبروا حدود دولتهم التي يسمونها فلسطين هي حدود الأرضي التي احتلت عام 1967 والتي تبلغ نسبتها 22% من مساحة فلسطين التاريخية وياليتهم اطلقوا على دولتهم الممسوخة تلك دولة ” الضفة والقطاع ” الفللسطينية بدلاً من تسميتها بدولة فلسطين .
ولكن ، لماذا كل هذا الحديث عن الشرعية ، وما الذي جد في الموضوع للتذكير بكل ذلك ، وهنا أقول أن فابيوس / وزير خارجية فرنسا قام ويقوم وسيقوم بجولاته في المنطقة لاستقطاب الموافقة على المبادرة الفرنسية ، والمشروع الذي ستقدمه فرنسا إلى مجلس الأمن في الربع الأخير من هذا العام ، من أجل تصفية نهائية للقضية الفلسطينية مما يستدعي وجود طرف فلسطيني يوافق على تلك المبادرة مغلفاً بشرعية التمثيل المصطنعة ، حيث جاء في هذه المبادرة :-
– إقامة دولة فلسطينية منزوعة السلاح في حدود الرابع من يونيو/حزيران 1967 ، مع تبادل مناطق بمساحات متفق عليها، وتستجيب تلك الدولة الناشئة “للاحتياجات الأمنية “الإسرائيلية.
– إجراء مفاوضات لا تزيد مدتها عن 18 شهراً للوصول إلى حل الدولتين ، و في حال فشل المفاوضات فإن فرنسا ستعترف رسمياً بدولة فلسطين.
– حل عادل ومتوازن وواقعي لقضية اللاجئين الفلسطينيين ، بالاستناد على “آلية تعويض “.
– تطبيق مبدأ حل الدولتين لشعبين ، مع مطلب الاعتراف بالطابع اليهودي لإسرائيل.
-على الطرفين وضع معايير تضمن أمن إسرائيل وفلسطين ، وتحافظ بشكل ناجح وفعال على الحدود، وتصد الإرهاب وتدفق الوسائل القتالية، وتحترم سيادة دولة فلسطين المنزوعة السلاح ، والانسحاب الكامل للجيش الإسرائيلي على مراحل خلال فترة انتقالية يتم الاتفاق عليها.
– اعتبار هذه المبادرة بمثابة تسوية نهائية وليست اتفاقاً مؤقتاً.
ولعل القراءة المتأنية أو المتسرعة على حد سواء تؤدي إلى نتيجة مؤداها أن هذه المبادرة تلتقي بالقطع وتحقق بالكامل طموح الصهاينة وما يطرحه الكياني الصهيوني علاوة على ما يردده بعض المتنفذين في سلطة ” اوسلو” وما سمعناه عن تبادل للأراضي واسقاط حق العودة .. حيث تؤكد هذه المبادرة على ما هو مرفوض أصلاً بالاعتراف بيهودية ” الدولة الصهيونية ” كما تلغي هذه المبادرة بشكل قطعي حق العودة واستبدال ذلك بالتعويض مناقضةً في ذلك كافة قرارات الأمم المتحدة والشرعية الدولية السابقة ، على اعتبار ان هذه المبادرة هي التسوية النهائية وليست اتفاقاً مؤقتاً ،، علاوة ما تضمنته هذه المبادرة من مطبات خطيرة من حيث مبادلة الأراضي الأمر الذي يهدد مليون ونصف المليون من الشعب الفلسطيني المقيمين على أرضهم المحتلة عام 1948 ويجعلهم عرضة بشكل مباشر للتهجير القسري أما عن دولة ” فلسطين ” !!! منزوعة السلاح التي يجب ان تستجيب للاحتياجات الأمنية الإسرائيلية !!!!! فحدث ولا حرج ، كل ذلك لا أجد لها تفسيراً حتى لو كان غير مقنع ولو لطفل في العاشرة من عمره الأمر الذي سيوقع من يفاوض من رجالات اوسلو في مسرحية تفاوضية هزلية أخرى تنتهي بمبادرات ومشاريع تقدم للأمم المتحدة وبسقف أقل مما احتوته هذه المبادرة بالإضافة إلى نصها الذي يؤكد على منع المقاومة تحت ستار صد الإرهاب .
ومن حيث عِظم المخاطر المترتبة على هذه المبادرة على حقوق الشعب الفلسطيني المشروعة ، أتساءل ، من الذي سيدعي الشرعية من الفلسطينيين ليوافق عليها أو يرفضها، خاصة وأننا ولغاية الآن لم نسمع صوتاً من سلطة رام الله يرفض هذه المبادرة ، وهنا اتساءل هل يعني ذلك ان سلطة رام الله ستوافق على ما هو مطروح أم سترفضه ، وهل تتفق هذه المبادرة مع تلك المسودة التي قدمتها سلطة رام الله لمجلس الأمن في نهاية عام 2014 لإنهاء الاحتلال والاعتراف بدولة فلسطين على قاعدة حل الدولتين ، تلك المسودة التي لم تحظ حتى بالموافقة على مناقشتها في مجلس الأمن بالرغم من كونها مسودة كانت قابلة للتعديل والتغيير حسب ما يؤدي إليه الننقاش وربما كانت ستصل إلى نصوص تتطابق مع المبادرة الفرنسية .
ولعل المتتبع لما يدور من أحداث وما يتسرب من معلومات وأخبار يلاحظ بأن السلطة في رام الله والتي تحظى باعتراف كبير من الدول على قاعدة – الشرعية – تقوم بالتفاوض منذ نيف وعشرين عاماً ، ولم تتوصل لأي نتيجة ، بل وما زالت تمني النفس بالعودة لطاولة المفاوضات لولا تصلب الجانب الصهيوني ومن وراء ذلك كله سلطانة القرن الحالي أمريكا المعروفة بسياستها المتصهينة ، ومن جلانب آخر فإننا نلاحظ قيام ” حماس ” المقاومة !!! بالتفاوض على هدنة طويلة الأمد مع الصهاينة على قاعدة شرعية فوزها في انتخابات سابقة وحقها بالتمثيل الفلسطيني على الأقل للفلسطينيين المنهكين من سياساتها في قطاع غزة كتنظيم يدعي ويرفع راية الممقاومة .. وأكاد أجزم بأن لا أحد من الشعب الفلسطيني يعرف ما يدور في الغرف المغلقة ومن وراء الكواليس وكأن ليس من حق هذا الشعب أن يعرف ما سيؤول إليه مصيره ،،، فأين هي الشرعية التي يدعون ..
وبالعودة للشرعية اقول … أن ما مارسته المنظمة عبر سنوات عمرها وما قدمته من تنازلات كبيرة خلال تلك السنوات يجعل شرعيتها في مهب الريح إن لم تكن قد تطايرت بالكامل وهو الأمر الذي أكاد أجزم به مذكراً هنا بأهم تلك التنازلات :-
1. الاعتراف باسرائيل وحقها بالوجود على 78 % من أراضي فلسطين التاريخية وتخليها عن الهدف من تأسيسها بهدف تحرير فلسطين كل فلسطين .
2. إلغاء الميثاق الوطني الفلسطيني وما تضمنه من نصوص واضحة تحدد حدود فلسطين ووسائل تحقيق تحريرها، وذلك انسجاماً مع اتفاقية اوسلو سيئة الذكر والتي اشترطت ذلك كما اكدت على حفظ أمن اسرائيل على اعتباره في مقدمة الأولويات …
3. لقد حصر القائمون على السلطة مسؤوليتهم وهدفهم بإنشاء دولة على ما نسبتة ال 22 % من وطن الشعب الفلسطيني فأصبحت المنظمة التي يمثلون منظمة محدودة المسؤولية ولعلني أضيف هنا ومحدودة الشرعية أيضاً بحيث يمكن تسمية ” منظمة التحرير الفلسطينية ” ب “”” منظمة التحرير الفلسطينية – ذات الشرعية والمسؤولية المحدودة “”
4. إن شرعية تمثيل المنظمة للشعب الفلسطيني على اعتبار انها الممثل الشرعي والوحيد قد جاءت أصلاً من خلال مؤتمر القمة العربي الذي عقد في الرباط عام 1974 ، ولم تأت أصلاً من خلال اختيار حر من قبل الشعب الفلسطيني ، فالمنطق يقضي أن من يمثل شعباً لا بد وأن يكون قد أُفرز وأُنتخب من قبل ذلك الشعب … وقد يقول قائل هنا لقد جرت انتخابات في الضفة الغربية وقطاع غزة تم من خلالها انتخاب رئيس للسلطة الفلسطينية ومجلس تشريعي وهم القائمون على شؤون المنظمة ، وهنا اقول بأن تلك الانتخابات قد جاءت على قاعدة اتفاقية اوسلو تلك الاتفاقية التي تخلت بموجبها المنظمه عن حقها في الوجود ، كما وأن من تم انتخابهم قد يمثلون الفلسطينيين المقيمين في الضفة الغربية وقطاع غزة والذي لا تتجاوز نسبتهم 40 % من الشعب الفلسطيني على أبعد تقدير ناهيك عن وجود تنظيمات وتيارات ذات شعبية عالية ترفض اتفاقية اوسلو أوالمهادنة أو المصالحة مع العدو الصهيوني إضافة إلى وجود 2 مليون لاجئ على أراضي الضفة والقطاع اي ما نسبته 43 % من السكان التنازل وهم قطعا لن يوافقوا على عن حق العودة… فماذا تبقى من شرعية التمثيل لتلك المنظمة ومن تمثل المنظمة .. سؤال لا بد من الوقوف عنده بتمعن حتى نتعرف على الخطوة التالية وما هو المطلوب .
التعليقات مغلقة.