ما الذي يدفع إسرائيل للمطالبة بمرتفعات الجولان ؟

دام برس : دام برس | ما الذي يدفع إسرائيل للمطالبة بمرتفعات الجولان ؟
الخميس 8/11/2018 م …



الأردن العربي –
وسّعت “إسرائيل” في عام 1981 سلطة قانونها وإدارتها إلى مرتفعات الجولان، وهي منطقة استولت عليها في حرب الأيام الستة عام 1967. وترقى هذه الخطوة إلى مستوى الضم الأُحاديّ الجانب. منذ ستة أشهر والسكان العرب في المنطقة يحتجون بشكل كبير على هذه الخطوة. ولكن لم يثنِ كلٌّ من استنكارات المجتمع الدوليّ أو استياء الأمم المتحدة الاحتلال الإسرائيليّ عن بناء المستوطنات، كيبتزيم [مستوطنة إسرائيلية] ومصانع النبيذ، وحتى أنها قامت ببناء منتجع للتزلج في عمق المنطقة. بعد كل شيء، رغم صغر المنطقة، إلا أنها مهمة من الناحية الاستراتيجية: تقع مرتفعات الجولان على بعد 31 ميلاً غرب دمشق، وتطل هضبة الجولان على جنوب لبنان وشمال فلسطين المحتلة، وجزء كبير من جنوب سورية.
والآن، نظراً للاعتراف الأمريكيّ بالقدسِ عاصمةً للاحتلال الإسرائيليّ؛ ذلك في كانون الأول/ديسمبر 2017، وتزامناً مع انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الإيراني، رأت حكومة “إسرائيل” المتشددة أنَّ الفرصة موائمة ويجب استغلالها، ودَعت إدارةَ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للاعتراف رسمياً بمرتفعات الجولان كأرض “إسرائيلية”. في الواقع، تنظر “إسرائيل” إلى الاعتراف بالجولان على أنه امتدادٌ طبيعيٌّ لإعلان القدس [كعاصمة للاحتلال الإسرائيليّ]، كما يتّضح من جلسة اللجنة الفرعية التي عُقدت في تموز/يوليو صراحةً بعنوان “أفقٌ جديدٌ في العلاقات الأمريكية الإسرائيلية: من سفارة أمريكية في القدس إلى اعتراف محتمل بسيادة “إسرائيل” على مرتفعات الجولان”.
وإلى حدّ الآن، تضمنت ردود إدارة ترامب إشارات مختلطة. ففي أوائل أيلول/سبتمبر، قال السفير الأمريكيّ لدى “إسرائيل” ديفيد فريدمان: «لا أستطيع أن أتخيّل، بصراحة، ظرفاً لا تكون فيه مرتفعات الجولان جزءاً من “إسرائيل” إلى الأبد». ولكن قبل شهر من ذلك بقليل، قال مستشار الأمن القومي جون بولتون: «لم يكن هناك نقاش» حول موضوع الاعتراف.
كيف يمكن أن تحدّد واشنطن موقفها من هذه القضية، والذي سيكون له تداعيات بعيدة المدى. فرغم أنَّ اعتراف الولايات المتحدة بهضبة الجولان المحتلة لن يكون له أي شرعية دولية، إلا أنه سيهدد الاستقرار الإقليمي ويعزز قبضة “إسرائيل” في الأراضي المحتلة. ولكن حتى ما وراء الآثار الجيوسياسية ومسألة الأمن الإقليمي، لا تزال هناك قضية أكثر أهمية على المحك: وهي أن مرتفعات الجولان لديها وفرة من الموارد الطبيعية –ولا سيما المياه– وقد أصبح احتلالها أصولاً لا تقدّر بثمن بالنسبة للاحتلال الإسرائيليّ على مدى العقود الماضية. وفوق كل شيء، إن مخاوف “إسرائيل” بشأن أمن الموارد يدفعها لمطالبة الولايات المتحدة بالاعتراف بهضبة الجولان كجزء من أراضيها.
حرب المياه
تصدّرت الجولان في السنوات الأخيرة عناوين الصحف الدوليّة على نطاق كبير في سياق الحرب الدمويّة التي دامت سبع سنوات في سورية. وقد امتدت الحرب بشكل دوري إلى الجولان، حيث أسقطت قوات الاحتلال الإسرائيلي طائرة سورية في تموز/يوليو، وزعمت أنها أسقطت طائرة روسية كذلك في أيلول/سبتمبر. أولئك الذين يرغبون في رؤية الجولان في أيدي الإسرائيليين، مثل السفير فريدمان والسفير الأمريكي السابق في “إسرائيل” دانيال كيرتزر، يجادلون بحجة أن الأطراف المتحاربة، بما في ذلك حكومة الرئيس السوري بشار الأسد، والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وإيران، وحزب الله، و”الدولة الإسلامية” (أو “داعش”) تشكّل بطرق مختلفة تهديداً وجوديّاً لـ “إسرائيل” التي تحتاج لمرتفعات الجولان كمنطقة عازلة للدفاع عن نفسها. وكان مايكل دوران، عضو مجلس الأمن القومي أثناء إدارة جورج دبليو بوش، قد أعرب عن المخاوف نفسها، متسائلاً: «كيف سيكون شكل سورية التي يمكن أن تسهم بشكل أفضل في السلام والاستقرار الدوليين؟ يجب على أي شخصٍ معنيٍّ بهذه المسألة، أن يستنتج أنَّ مرتفعات الجولان يجب أن تبقى في أيدي الإسرائيليين».
يقوم فريدمان وكورتزر ودوران وغيرهم ممن يناصرون هذا الموقف، بتحديد أولويات الأمن الإسرائيليّ على حساب أمن بقية المنطقة، ويتراخون عند أخذ 130 ألف مواطن سوريّ في الحسبان كانوا قد رُحِّلوا قسراً أو نزحوا في بداية الاحتلال الإسرائيلي للجولان في عام 1967، أو في طريقة التعامل مع ما يُقدر بـ 26 ألفاً من السوريين الذين بقوا في أراضيهم، ومعظمهم من الطائفة الدرزية*.
الآن، يقوم الاحتلال الإسرائيلي باستغلال الاضطرابات في سورية كذريعة لتوطيد ادعاءاته بالسيادة على موارد الجولان المائية الثمينة. إذ توفّرُ مرتفعات الجولان إمكانية الوصول إلى نظامين مائيَيْن رئيسَيْن: حوض تصريف نهر الأردن وروافده إلى الغرب، وبحيرة طبريا ونهر اليرموك إلى الجنوب. كما يوجد في الجولان أكثر من 200 ينبوع وعشرات من الجداول، تقوم “إسرائيل” بتخزين الكثير منها في الخزانات لاستخدام المستوطنين الإسرائيليين. فمنذ عام 1984، حفرت “إسرائيل” أكثر من ثمانية آبار عميقة للوصول إلى طبقات المياه الجوفية السورية. وقد سحبت هذه الآبار مجتمعةً أكثر من 2.6 مليار غالون من المياه، يتم ضخها في الغالب إلى المستوطنات من أجل إمكانية وصول كميات غير مقيدة من المياه إلى سكانها.
أكثر من ثلث كميات المياه المستهلكة من قبل الاحتلال الإسرائيلي مصدرها مرتفعات الجولان.
تزوّدُ مرتفعات الجولان اليوم الاحتلالَ الإسرائيليَّ بأكثر من ثلث كميات المياه المستهلكة. وهي منطقة خصبة للغاية. فمنذ عام 1968، سنّت “إسرائيل” سلسلة من القوانين، بدءاً بالأمر العسكري رقم 120، الذي أعطاها حقّ الوصول الحصريّ إلى موارد الجولان المائيّة. وينصّ أحد هذه القوانين على أن امتلاك الأرض لا يستلزم امتلاك الماء الذي عليها أو تحتها. لقد كان تأثير هذه التشريعات مضرّاً بالمزارعين العرب المحليين على وجه التحديد، ممن يعتمدون على الزراعة في معيشتهم. فقد فقدوا إمكانية الوصول إلى المياه النابعة في أراضيهم الزراعية، واضطروا، بدلاً من ذلك، إلى شراء المياه من الشركات الإسرائيلية التي تفرض عليهم أسعاراً باهظةً، وستبيعهم كميات منخفضة جدّاً بالكاد تغطي حصتهم.
ليس الجولان هو المنطقة الوحيدة التي يمارس فيها الاحتلالُ الإسرائيليُّ مثل هذه السيطرة على المياه. في جميع أنحاء الأراضي الفلسطينية المحتلة، أدت الهيمنة الإسرائيلية على موارد المياه إلى نقص حادّ في كمية المياه التي يستطيع الفلسطينيون الوصول إليها. يتم تحويل ما يقرب من 90% من مخزون طبقات المياه الجوفية في الضفة الغربية إلى الإسرائيليين ما يترك للفلسطينيين إمكانية الوصول إلى أقل من 10% من مياههم. وعلاوة على ذلك، يستولي الاحتلال الإسرائيلي على موارد المياه الفلسطينية إلى الحدّ الذي يقوم 599.999 من المستوطنين الإسرائيليين باستخدام كمية مياه تعادل أكثر من ستة أضعاف ما يستهلكه مجموع السكان الفلسطينيين في الضفة الغربية –نحو 2.86 مليون. وفي الوقت نفسه، في غزة، أكثر من 97% من مياه غزة غير صالحة للاستهلاك البشري، ما يؤدي إلى ارتفاعٍ حادٍّ في نسبة انتشار الأمراض المنقولة عن طريق المياه، والأمراض المنقولة عن طريق الغذاء، مثل: التهاب المعدة والأمعاء، والإسهال الشديد، والسالمونيلا، وحمى التيفوئيد؛ بينما يستهلك الإسرائيليون كمية غير محدودة من المياه.
إنَّ “إسرائيل” هي الدولة رقم 19 الأكثر تعرضاً للاستنزاف المائي في العالم، ويُرجّح أن يتفاقم الوضع مع تأثير تغيُّر المُناخ. وقد ذكر رئيس الوزراء السابق إسحاق رابين في عام 1995، أن «الخطر الأعظم الذي يتعين على “إسرائيل” مواجهته في المفاوضات مع سورية هو إمكانية فقدان سيطرتها على موارد المياه في مرتفعات الجولان». إذ إنَّ الماء أصبح سلعة ذات قيمة متزايدة في السياسة والأسواق العالمية. لقد تم التنبؤ بحرب المياه في المنطقة، ويُعَدُّ واضحاً أن القضايا المتعلقة بالمياه ستكون محورية في أي مفاوضات مستقبلية بين “إسرائيل” وسورية.
تحرك خطير
تُعَدُّ وفرة المياه في الجولان جوهر ادعاءات “إسرائيل” بأنها تحتاج إلى مرتفعات الجولان من أجل أمنها، ويأتي التمسُّك بهذه المرتفعات نفسها في أساس مطالب “إسرائيل” للاعتراف بها. إن احتلال هذه الأراضي بشكل دائم يضمن توفير أمن موارد الاحتلال الإسرائيلي –وهي إمكانية مغرية في كوكب يزداد شُحّ الموارد فيه؛ بينما تزيد التقارير المتضاربة –حول كميات هائلة من النفط تتوضع في مرتفعات الجولان– الأمور تعقيداً، والتي يمكن أن تفرض “إسرائيل” كمزوّد منافس للطاقة إقليمياً، إذ وافقت “إسرائيل” على تنفيذ أعمال التنقيب الاستكشافي في عام 2014. إنَّ الحفر في منطقة تغطي نحو ثلث مرتفعات الجولان، يهدد وبشكل مباشر النظام البيئي الحساس والمتنوع في مرتفعات الجولان وجودة المياه الجوفية.
هذا، وبالنسبة للاحتلال الإسرائيليّ، إنَّ الاعتراف بسيادته على مرتفعات الجولان يعني أن الحكومة الإسرائيلية ستستمر في استغلال موارد الجولان المائية كما فعلت منذ عقود، على حساب 26.000 سوري يعيشون هناك وبدون أي انتقاد خارجي؛ بينما سيخسر السوريون في تلك الأثناء. لقد حوصر السوريون في حالة من التجاهل السياسي طيلة نصف قرن، وسيُضعف الاعتراف آمال لمِّ شمل الأسر والعودة إلى الجولان. تشكل سياسة “إسرائيل” الخاصة بالفصل الأسري المعمول بها منذ عام 1967، انتهاكاً لحقوق الإنسان والقانون الإنسانيّ الدوليّ. ومن شأن الاعتراف أيضاً أن يحوّل ميزان القوة بشكل ملحوظ في المنطقة، ما يقلل من فرص السلام بين “إسرائيل” وسورية.
منذ أكثر من ستة أشهر، تمارس جماعات اللوبي المؤيدة لـ “إسرائيل”، مثل: مورتون كلاين الرئيس الوطني للمنظمة الصهيونيّة الأمريكيّة الضغطَ على الولايات المتحدة للاعتراف “بملكيّة” “إسرائيل” لمرتفعات الجولان، كما يمارس هذا الضغط نفسه صانعو السياسة الإسرائيليون، مثل: يسرائيل كاتز.
لكن انضمام الولايات المتحدة إلى هذا الطلب ليس أمراً حتمياً بأي حال من الأحوال. بينما تزن واشنطن خياراتها، فمن الأفضل لصانعي السياسة أن يتذكروا أن وراء الحديث عن المصالح الأمنية تكمن رغبة أعمق في السيطرة على الموارد الطبيعية للأراضي التي تحتلها “إسرائيل”.
هم سوريو الجنسية أولاً وآخراً بغض النظر عن المذهب أو الدين [المترجمة].
الكاتب: زينة آغا (Zena Agha)

ترجمة: لينا جبور

المصدر: الفورن أفيرز (Foreign Affair)

مداد – مركز دمشق للابحاث والدراسات

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.