إعلاميـّــو الصُّدفــــة! / سليمان الطعاني

سليمان الطعاني ( الأردن ) الخميس 8/11/2018 م …



في ظل انتشار ظاهرة إعلاميي الصدفة المتفشية هذه الأيام في ظل الانتشار الهائل للمعلومات التي ينتحر معظمها على مذبح الكذب والمصالح الشخصية، ماذا نصدق؟ وأي من وجهات النظر نتَّبع؟ أي معلومة نأخذ حتى نعيش حياة أفضل ونتفاعل بشكل أكثر ايجابية تجاه أنفسنا ومجتمعنا والآخرين؟ متى ننضج وننمو بشكل أقل إحباطاً؟ تساؤلات كثيرة نضعها أمام اعلاميي الصدفة القائمين على بعض المواقع التي باتت مصداقيتها في مهب الريح، حين استبدلت الموضوعية بالتضليل والنقد والتجريح والتصيّد في الماء العكر.

التضليل الإعلامي بات مسألة احترافية يمارسه إعلاميو الصدفة كحرب نفسية تشنّ على المواطن لإحداث أكبر قدر من التأثير السلبي عنده، مسألة احترافية في قلب الحقائق وتغيير القناعات ونشر الأكاذيب والانتقائية المتحيزة للمعلومة، صناعة جديدة تستند الى تقنيات فن الإقناع والتأثير لتوجيه الناس الى الإيمان بفكرة معينة تخدم رعاة التضليل وسياساتهم وتغليب مصالح النخبة وتطويع المواطن وخلق مواطن سلبي غير قادر على الفعل والمبادرة.
حينما يتحول الأبيض إلى رمادي، ويتحول الرمادي إلى أسود، وحينما يتحول الحق إلى شك، ويتحول الشك إلى زور، ويتحول الزور إلى بهتان فتّش عن الإعلام… فستجد اعلاميي الصدفة يجعلون المذنب بريئاً والبريء مذنباً، يتمتعون بموهبة التهويل والتضخيم ولفت الأنظار وقلب الصور والإثارة والايهام والتدليس وهذه كلها قوى تتحكم في عقول متلقي الإعلام عن طريق ليَّ عنق المعلومة الصحفية أو الخبر الإعلامي، بما يتلاءم مع أهدافهم مما يعدّ عملاً سافراً ووجهاً قبيحاً للعمل الصحفي المقدس الذي من أولى أبجدياته المصداقية والمهنية والموضوعية في إطار المُثُل والقِيم السائدة في المجتمع والتي تعطي له وزناً وثباتاً.
يقول المفكّر الأمريكي نعوم تشومسكي: ” نحتاج إلى اتباع طريق الدفاع الفكري عن النفس لحماية أنفسنا من الخداع والسيطرة والسطوة المتمثلة بوسائل الاعلام. نحتاج إلى قدر كبير من التمحيص والذكاء في التعامل مع الطوفان الإعلامي و المعلوماتي الذي تغرقنا به وسائل الإعلام المتنوعة ليس فقط من أجل تمييز الصواب من الخطأ و الكذب من الصدق فيها و لكن لتجنّب حالة خطرة تستدرج إليها المجتمعات و الحكومات و المؤسسات و حتى الأفراد، حالة ذات دوافع سياسيّة أو احتلاليّة أو ترويجيّة فيتحوّل الإعلام معها إلى مصدر أساس للسياسات و اشتقاق البرامج و الخطط و تغيب حينها القضايا و الأوليّات الكبرى و المهمّة لأنها لا تملك الاهتمام الإعلامي أو لأنها تخضع لحرب من التجاهل و الصمت.
إعلاميو الصدفة، لعلهم درسوا الاعلام بالصدفة أيضاً، لا يتمتعون بأدنى قدر من النجومية والشهرة، لا شغف ولا هيام ولا تعلّق بالمهنة، كانوا كذلك بالصدفة، والمنطق لا يقبل الصدفة…
المطلوب الآن أكثر من أي وقت مضى التصدي لظاهرة إعلاميي الصدفة، الذين تم منحهم لقب إعلامي ربما تحت بند تشجيع المواهب الصاعدة أو غير ذلك، حصلوا على لقب إعلامي بالصدفة ودون دراسة أو خبرة عملية تؤهلهم لذلك،
‎أعتقد أن لدينا عدداً بسيطاً من الإعلاميين وعددا أكبر من منتسبي الإعلام وهم كثر يحملون منه الاسم فقط ولا يحملون المبادئ، نلاحظ فيهم انعدام الثقافة، وضعف الحجة، وركاكة الأسلوب، والعنصرية في الطرح، وعدم التثبت مما يتم نشره. وهم يتشبثون بهذا اللقب حفاظاً على البرستيج وحفاظاً على الدعوات التي تصلهم لحضور الندوات والمؤتمرات تارة، والولائم المخملية تارة أخرى!!

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.