من إدوارد سعيد الى طارق فاخوري – ابو زياد، وبينهما محمود درويش! ومن دونالد ترامب الى نانسي بيلوسي! / ديانا فاخوري
ديانا فاخوري ( الأردن ) السبت 10/11/2018 م …
كنت قد علقت على مقال ظهر في عدة صحف ومواقع منذ يومين بعنوان: “استعمار الذات .. الأصالة والحداثة في الخطاب السياسي العربي” للكاتب طارق فاخوري – ابو زياد. واجدني اليوم أعود لتعليقي هذا فابدأ به مقالي!
بصرف النظر عن اي الهندين صاحبة البيت المشهور: “نحن بنات طارق// نمشي على النمارق//” .. فلم يغادرني البيت وانا اقرأ المقال وقلت لا خوف على أمة “أبدعت” إدوارد سعيد ومحمود درويش وطارق فاخوري – ابو زياد .. ويولدون ويولدون ويولدون…
وقادني هذا لمراجعة سورة “الطارق” في القران الكريم لأقرأ معكم آياتها ١٧،١٦،١٥،١٤،١٣،٩ :
يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ ﴿٩﴾ إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ ﴿١٣﴾ وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ ﴿١٤﴾ إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا ﴿١٥﴾ وَأَكِيدُ كَيْدًا ﴿١٦﴾ فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا ﴿١٧
ومن وحي السورة الكريمة تساءلت، على سبيل التأكيد: هل تفرض المقاومة – بهمة طارق وجيله – علی “الأمم المتحدة” وريثة “عصبة الأمم” الاعتذار عن “صك الانتداب البريطاني” علی فلسطين وازالة اثاره؟! هل تفرض على بريطانياالاعتذار والعودة عن وعد بلفور وإزالة اثاره؟!
وكان طارق قد كتب ب”لُغَةٌ من حوار السماء مع القدس، فضيَّةُ النَبْرِ” عربية، فله، كادوارد سعيد، “لُغةٌ انكليزيّةٌ للكتابةِ طيِّعةُ المفردات”، حاملا بلاده أنى ذهب .. اعلم “إنَّ الهوية بنتُ الولادة لكنها في النهاية إبداعُ صاحبها”! ها هو “ابو زياد” يمزق خارطة الذل ويقتحم جدران الامبريالية مدافعا – كما اراد إدوارد سعيد ومحمود درويش – عن الناس والأرض والشجر الذي ترتديه الطيور في الصيف والشتاء وعن الفكرة التي كسرتها هشاشة وسذاجة أصحابها، وعن البلد الذي خطفته الأساطير الصهيونية! هذا جيل يدرك ان بانياس، واللاذقية وبيروت تربط المتوسط (اذكروا انه كان بحر اللاذقية) بالخليج العربي وان “سكة حديد السلام” ان هي الا سكة اخرى (شكلها كيفما تشاء) للتطبيع ووسيلة اخرى لوصول الصهاينة الى منابع النفط والغاز!
هذا جيل يدرك ان اغتصاب البيض لامريكا الشمالية يتماهى مع اغتصاب الصهاينة لفلسطين نفيا لانسانية الفلسطيني وتغريبا لهوية العربي تمهيدا لإلغائه وتفريغ فلسطين من الفلسطينيين و من كل اخر .. هذا جيل يرى أمريكا، زعيمة الدول المارقة (CRS) والعضو الدائم في مجلس الأمن الدولي لا تتورع عن فرض عقوبات على من يلتزم بقرارات مجلس الأمن الذي كان قد اقر التفاهم النووي مع ايران بالإجماع – اي رسالة مارقة هذه: يعاقب من ينفذ القرارات الأممية!! .. هذا جيل يرى كيف يتعلمون – في نيجيريا – من ترامب أصول القمع والذبح .. وفي فلسطين يحاكي الغاصبون النموذج الامريكي فيصادق الكنيست الصهيونيّ على “قانون القوميّة”، مثلا! وهنا لا بد من الإشارة الى ان الشروط الأميركية لرفع العقوبات عن ايران، وعددها 12، لا تهدف الا لحماية “اسرائيل” و”صيانة” النكبة الفلسطينية!
هذا جيل يلقي ب”صفقة القرن» وقرونها معا على قرن غزال شارد؛ فلا توقيع فلسطيني، ولا توقيع عربي خليجي على صك التنازل عن القدس باركت ذلك أميركا ام لم تبارك، انسحبت من التفاهم النووي مع إيران ام عادت اليه .. هذا جيل لن يسمح بتصفية القضية الفلسطينية أيا كان عنوان المواجهة، وأيا كانت وسيلتها: حلف الناتو العربي، حلف بغداد الجديد، مثلا حيث تشكل حرب اليمن خطه الأمامي وسوريا احدى ساحاته الساخنة .. وها هم يستميتون لإسقاط الساحل الغربي اليمني عند مدينة الحديدة، وذلك قبل بدء العمل بتسويات داخلية أميركية تعكس بالضرورة نتائج الانتخابات النصفية الأميركية وتسلم نانسي بيلوسي رئاسة مجلس النواب استعدادا لمواجهة ترامب في معركة الرئاسة بعد عامين.
هذا جيل لا ولن يغره ان الحزب الديمقراطي – بإعلامه وعلاقاته العامة المتميزة داخليا، وبصداقاته العالمية الواسعة – يمسك بالمجلس النيابي وقد يكبح جنوح وبعض جنون ترامب الداخلي والخارجي .. هذا جيل يقدر فوز سَيِّدتين مُسلِمَتين، وخمسة من أصول لبنانية، و112 سيدة (95 للديموقراطيين و17 الجمهوريين) .. هذا جيل يقدر الزيادة الملحوظة بعدد الفائزين من أصول لاتينية وشرق أوسطيية ومسلمين وسود في الانتخابات الأمريكيّة النِّصفيّة .. هذا جيل يدرك ذلك كله ويقدره دون ان يصرفه عَن رؤية الحقائق كاملة .. فترامب ما زالَ قَويًّا.. واحتمالات فَوزِه بفَترةٍ رئاسيّةٍ ثانِية مازالت واردة .. والمسرح ما زال مُهيَّئًا لصفقة القرن وتوسيع “بيكار” التَّطبيع الرَّسميّ مع إسرائيل!
هذا جيل يدرك التمركز الشديد للسلطة بكل أبعادها، محليا ودوليا، اقتصاديا وعسكريا، اجتماعيا وثقافيا .. هذا جيل غاضب لاختزال وتحويل نظم الإنتاج الوطنية والمعولمة إلى مجرد مقاولين من الباطن يعملون لصالح اتحادات احتكارية صنعتها بضع مئات من المؤسسات المالية وبضعة آلاف من الشركات العملاقة .. هذا جيل غاضب لتمكين الطغم المالية (الأوليغارشية) من انتزاع حصة أرباح متنامية من قوة العمل، ومن الشركات التي تحولت إلى إنتاج الريع حصرا لصالح الاحتكارات والطغم الحاكمة التي استطاعت تدجين الأحزاب اليمينية واليسارية الرئيسية والنقابات ومنظمات المجتمع المدني لتمارس سطوة سياسية مطلقة خاصة وأنها قامت بإخضاع وسائل الإعلام لبث التضليل الضروري منعا لتسييس الرأي العام، واطاحة بممارسة التعددية الحزبية نحو نظام هو أقرب للحزب الواحد الساقط في الحضن الرأسمالي!
وكنت قد تسائلت باكرا، في حمأة السباق الرئاسي بين دونالد ترامب وهيلاري كلينتون، ما الذي يختلف سواء امتطت هيلاري كلينتون او دونالد ترامب صهوة حصان جون واين الابيض! فالحصان هو هو، و الايديوليجية هي ذاتها، والمصالح الاستراتيجية هي هي .. ماكينة السيطرة و التحكم في العالم هي ذاتها .. كلاهما يريد الامساك باقتصاد العالم وتكنولوجيا العالم و”عسكر” العالم واعلامه .. “قوة الديبلوماسية” او “ديبلوماسية القوة” سيان، فالدولة العميقة هي هي في المجمّع الصناعي/العسكري، في البنك والصندوق الدوليين والبنك المركزي الأميركي، في اللوبي اليهودي الأميركي رأسمالا، صناعة، اقتصادا، ثقافة، إعلاما، وحتى تعدينا في افريقيا مثلا.
أما ترامب فهو الابن الشرعي للولايات المتحدة الامريكية.. هو رمز رأسماليتها و وجهها الحقيقي .. انه يمثل امريكا عارية مكشوفة العورات بواقعيتها .. بلا “ماكياج” ومن غير عمليات او مساحيق تجميل .. نعم ليس دفاعا عن دونالد ترامب … لكنه لم يصوت علی قتل اكثر من مليون عراقي، وتفريغ العراق من مسيحييه، وحل الجيش العراقي تسهيلا لاقامة داعش، وتمزيق العراق واقتطاع اجزاء منها لصالح السلطان العثماني! .. اما هيلاري كلينتون فقد فعلت ذلك كله حين صوتت لصالح الحرب علی العراق … وشرور البلية يحملها الاعلام الامريكي اذ يعتبر التمييز والانحياز والظلم وعدم الاعتراف بالاخر ايا كان لونه او لبوسه من اختراعات دونالد ترامب متجاهلا ان الولايات المتحدة الامريكية انما قامت علی ما غرسه البيوريتانز(الطهرانيون) الانجليز – وقد تمثلوا التوراة، في اللاوعي الامريكي من ثقافة الغاء الاخر علی طريقة داعش وابن تيمية .. فأين ذهب أصحاب الارض الأصليون، وكانوا يعرفون بالهنود الحمر، بعد ان تم طردهم من الاقتصاد والتاريخ!؟
نعم هذا جيل يدرك تلاقي الجمهوريين والديمقراطيين في تطلعاتهم الخارجية وان اختلفت الأدوات وأساليب التطبيق .. هذا جيل يدرك اجماع الحزبين على ضرورة هيمنة الولايات المتحدة الأميركية، وبالتالي مصارعة كل من الصين وروسيا وإيران للسيطرة على المنطقة والتحكم بدولها باعتبارها “مزرعة أميركية”.. هذا جيل لن تخدعه البراغماتية الديموقراطية!
هذا جيل إدوارد سعيد ومحمود درويش و طارق فاخوري (ابو زياد) يقارع ترامب ونانسي بيلوسي وكل المتمترسين في محور الشر الصهيواعروبيكي، وهم بذلك يتكئون على صناع العز – قوى الخير والمقاومة ورجال الله في الميدان!
ديانا فاخوري
كاتبة عربية اردنية
التعليقات مغلقة.