الزامل وبرع ودقة زار!! / احمد الشاوش
احمد الشاوش ( اليمن ) السبت 10/11/2018 م …
ظل الزامل في اليمن المحرك والقوة النفاذة لأحاسيس القبيلة والتراث الشعبي اليمني بكلماته الحماسية التي امتزجت فيها روح الاصالة والمعاصرة ، وكان ومازال ايقاع له سحره الخاص في حالات السلم والحرب والافراح والأحزان.
كما عبر الزامل عن فخر و بطولة الشعب اليمني عاكساً ثقافة راسخة وكلمات رائعة وفن أصيل ونغم دافئ يتدفق من مشاعر وقلوب أبناء السعيدة فأطرب الجميع ، وما العمل العظيم لأوبريت ” خيلت براقاً لمع” من كلمات الشاعر عباس الديلمي والحان التراث واخراج بن عودل ، إلا انعكاساً لتلك الجواهر الفريدة والقوالب الفنية الرائعة بعد ان تم نفض الغبار عنها وتطويرها ببراعة اكتمل بها العمل الفني الرائع صوتاً وصورة واداء وزياً شعبياً سلب السمع والانظار والعقول.
لكن الزامل بعد ان خرج عن سياقه وفنه وأصالته وتم استهلاكه وتحويله الى برنامج سياسي واستنساخه على غرار النعجة دولي في كافة انحاء اليمني ، أصبح نغماً بلاطعم ولون بلا إحساس.
وبفعل عجلة التطور والمتغيرات والواقع العجيب الناتج عن التلاقح الثقافي ، تأثر بعض اليمنيين برقصات جديدة وحركات غريبة مسخت رقصة البرع بعد ان كانت تأصل لكل مدينة وقرية بصمتها الخاصة من خلال الدق على الطبول والرقص في الاعراس والمناسبات الوطنية والاجتماعية والدينية والثقافية وكان ومازال لذلك التراث الزاخر حلاوة وايقاع ووقع خاص في القلوب ، ولكل قبيلة وقرية ومدينة دقة خاصة تتناغم بين
السرعة والبطء والقلبة ، كالسنحانية والمطرية والحاشدية والحيمية والهمدانية والتعزية والبيضانية ،،،.
ذلك التنوع الفني الفريد والتناغم العجيب والرقص المنظم والاحساس الفني الرائع والحركات المثيرة ،عكست عشق الجمهور اليمني والعربي والدولي لتلك الفنون الشعبية الجميلة التي أسعدت الكثير والهبت مشاعر اليمنيين وساهمت في تطور الحضارة العالمية .
ورغم تراثنا الزاخر الذي سوقته الفرق الفنية التابعة لوزارة الاعلام والثقافة فيما مضى في امريكا وبريطانيا وفرنسا والمانيا وتونس وليبيا ومصر والسعودية والامارات وسلطنة عمان والمغرب ،،، وبصماته المشرقة والمشرفة التي نالت اعجاب الاخرين ووثقت معالم الفن اليمني في الثمانينات والتسعينات وحتى سنت الالفين ، إلا ان ذلك الزخم غاب عن الساحة المحلية والإقليمية والدولية ، بينما كان السوريون والعراقيون واللبنانيون أكثر حضوراً رغم الحروب الطاحنة ، كما ان الكثير من مراهقي الشباب اليمني في الفترة الاخيرة تفاعلوا مع فنون أشبه بدقة ” الزار ” وأقرب الى الجنان والمياعة ، متأثرين برقصات واغاني وايقاعات شاكيرا ومادونا ورقصات السامبا وكلمات وقصائد ونغمات تتعدى درجة حرارتها الخمسين مؤية ، و أبعد ما تكون
عن الفن الاصيل والذوق العربي الرفيع والأخلاق السامية والكلمات النبيلة ، نتيجة لتبني الكثير من الفضائيات العربية والخليجية التي تحمل أكثر من علامة تعجب واستفهام للكثير من الدخلاء على الساحة الفنية واستقطاب فنانين بلاهوية ، ما سبب نكسه في مصر والوطن العربي ، نظراً لغياب وتغييب المدارس الفنية المتمثلة في أم كلثوم وعبدالحليم حافظ وفريد الأطرش واحمد فتحي وابوبكر وغيرهم من كبار الفنانين العرب ،،.
وبما ان شر البلية ما يضحك ، فقد تسللت الى الساحة الفنية العربية موجه من الفنون المثيرة للجدل وشركات التوزيع المشبوهة التي لايهمها إلا الربح وتدمير الاخلاق والعمل تحت اجندات مشبوهة ، نتيجة للفن الرديء الذي صدم المستمع والمشاهد العربي بتسويق عدد من الأغاني الساقطة بدءاً بالبرتقالة ذات اللحن الشعبي الجميل والاصيل واستنساخها بكلمات هابطة ونساء ساقطات وملابس شفافة ، لتكون الاشارة الاولى لتغيير سلوك المنطقة بالتزامن مع غزو العراق والتبشير بجيل عروبي مستنسخ على الطريقة الأمريكية تبع ذلك موجه كبيرة من الاغاني والحفلات الشاذة يتقدمها نجوم أشبه بالمنخنقة والمتردية والنطيحة ، ومستمعين مراهقين ومشاهدين اقرب الى الطرشان تحت عنوان ” الحداثة والفن الصارخ والتفاعل مع ثقافة الاخرين ، كما ان لطش وتشوية الكثير من الالحان أدى الى كارثة فنية تكاد ان تقضي على هويتنا العربية وتراثنا الفني وثقافتنا العريقة .
فهل نحافظ على تراثنا اليمني والعربي الأصيل من التشوية والتغريب الذي تقوم به بعض شركات الإنتاج والتسويق وهل يترك السياسيون للزامل والبرع والرقص الشعبي وكل الفنون الاصيلة أداء رسالتها الإنسانية والتعبير عن هوية الامة.. أملنا كبير.
التعليقات مغلقة.