الأُردنيّون يُحَوِّلون مَعبَر “ جابر / نصيب ” على الحُدود مع سورية إلى مِهرجانٍ للفَرح والتَّآخِي العَربيّ.. لماذا تتسارَع وَشائِج التَّلاحُم الشَّعبيّ.. وتتباطَأ خُطوات التَّطبيع الرَّسميّة؟ ومَتى يَعودُ السُّفَراء.. ويَتزاوَر الوُزَراء؟




 الأحد 11/11/2018 م …

الأردن العربي – رأي اليوم – 

لخَّصَت سيّدة تَقِف أمام قِسم الجَوازات في مَعبرِ نصيب الحُدوديّ انتِظارًا لخَتمِ جَوازِها لتنطلق مع أُسرَتِها نحو دِمَشق حالةَ الفَرحَة التي تَعُم العابِرين بقَولِها لوكالة الأنباء الفِرنسيّة الدوليّة “دِمَشق بَرَكِة.. ولهذا يَوَد الجَميع زِيارَتها بَعدَ طُولِ انقِطاعٍ”.

آلافُ الأُردنيين يتَدفَّقَون يَوميًّا إلى المَعبر هَذهِ الأيّام لزِيارَة سورية سواء مِن أجلِ السِّياحة أو الالتِقاء بالأقارِب، أو حتّى التَّسوُّق، فأسعارُ البَضائِع السوريّة مِن خُضارٍ وفاكِهة ولُحوم ووقود للسَّيّارات تُمَثِّل نِصف أسعار نَظيراتِها في الأُردن.

مِنطَقة الحُدود على جانِبيّ المَعبر تتحوَّل إلى حالةٍ احتفاليّةٍ، أعادَت الحياة للحَركةِ التجاريّة بعد مَوَات استمرَّ أكثَر مِن سَبعِ سَنواتٍ، حتّى أنّ الكَثير مِن المُقاتِلين الذين كانوا يَحمِلون السِّلاح تحوّلوا إلى باعَةٍ، أو انخَرطوا في الأعمال التجاريّة، وكانَ لافِتًا طِلاء عَلَم “الثَّورة” الذي كان مَرسومًا على المَعبَرِ بالعَلم السوريّ، كدَليلٍ واضِحٍ على تَغَيُّر الأوضاعِ على الأرض، مُنذُ استعادة الجيش العربيّ السوريّ للمَناطِق الجنوبيّة بدعم مِن نَظيرِه الروسيّ، وكان آخِر إنجازات هذا الجيش “تحرير” أكثَر مِن 15 رهينةً سوريّةً مِن بنات السُّويداء مِن أيدي خاطِفيهم، مِن أنصارِ “الدولة الإسلاميّة” (داعش).

الأُردنيّون، مِثل جميع العَرب الآخَرين، في المَشرِق والمَغرب، يشعرون بحَنينٍ خاصٍّ تُجاه سورية، ليسَ لأنّهم يعتبرونها الدولة الأُم لَهُم قبل تَقسيمِها على أرضيّة اتِّفاقات “سايكس بيكو”، وإنّما أيضًا لأنُها ما زالَت القَلعة الصَّامِدة التي تُجَسِّد العُروبة والصُّمود في مُواجَهة المَشاريع الأمريكيّة الإسرائيليّة لتَفتيتِ المِنطَقة وتصفِيَة القضيّة الفِلسطينيّة وعَمليّات التَّطبيع الشَّرِسَة والمُتصاعِدة هَذهِ الأيّام مع دَولة الاحتلال، فسورية هِي الوحيدة مِن دُوَل المُواجَهة التي لم تُوَقِّع مُعاهَدات سلام، ولم تُطَبِّع مع الإسرائيليين، وتَقِف بشَمَمٍ وصلابَةٍ في قَلبِ مِحوَر المُقاوَمة.

العَلاقات السياسيُة بين الحُكومَتين السوريّة والأُردنيّة ما زالَت تتَّسِم بالبُرود، وسَفارتيّ البَلدين في كُل مِن دِمشق وعمّان ما زالَتا تنتَظِران مَقْدَمَ السَّفيرين، لكن العِلاقات بين الشَّعبَين الشَّقيقَين في أفضَلِ أحوالِها، وهذا التَّدَفُّق عبر الحُدود في الاتِّجاهين رُغمَ الإجراءات الروتينيّة والاحتياجات الأمنيّة المُعيقَة يَعكِس هَذهِ الحَقيقة.

أن تكون البَضائع السوريّة هِي الأرخَص والأجوَد رُغمَ حِصارٍ خانِقٍ، وحَربٍ تَشُنّها أكثَر مِن 60 دولة وبأموالٍ عربيّةٍ وسِلاحٍ أمريكيٍّ أوروبيٍّ، فهذا يَعنِي أنّ سورية دَولةٌ مُنتِجةٌ، وشَعبها مُبْدِعٌ وخَلّاق، وإدارَتها لشُؤونِها الداخليّة لم تتأثَّر كَثيرًا في الحَرب، فما زالت الجامِعات تُخَرِّج الأطبّاء والمُهندسين، والأساتِذَة والفَنّيين، وتُحافِظ على مُستَواها العِلميّ المُتَميِّز، وما زالَت المُستَشفيات السوريّة تُقدِّم الخَدَمات الرَّاقِية جِدًّا لقاصِدينها حتّى مِن الدُّوَل العَربيّة المُجاوِرَة مَجّانًا، مِثلَما أكَّد لهَذهِ الصَّحيفة طبيبٌ عِراقيٌّ كَبيرٌ زارَ لندن قبل أُسبوعٍ، ويَترَدَّد على العاصِمة السوريّة بشَكلٍ مُنتَظِمٍ لزِيارَة أهل زوجته الدِّمشقيّة.

فَرحَة الأُردنيين بالعَودةِ إلى سورية بعد سَنواتٍ عِجاف تُؤكِّد روابِط العُروبة والمَحبّة وحُسن الجِوار، ومِن المُؤكَّد أنّ الخُطوة التَّالية ستَكون عودة أكثر مِن مِليون لاجِئ فَتَحَ لَهُم الأُردن أبوابه واحتَضنهم كأشِقَّاءٍ أعِزَّاء في حُدود إمكانيّاته المُتواضِعة، فليسَ هُناك أغلَى مِن العَودة إلى حُضنِ الوَطن، الآمِن المُستَقرّ المُتسامِح والمُتعايِش.

سورية تَظَل بخير، وعُنوانٌ رَئيسيٌّ لقِيَم الضِّيافَة والأُخُوَّة العربيّة، وستَظَل دائِمًا كذلِك، هذا ما قاله لنا مُواطِن أُردني بسيط عادَ قبل أُسبوعَين مِن زيارةٍ لأقارِبِه في سورية، ولا نَجِد ما يُمْكِن أن نَختِم بِه هذه الافتتاحيّة بأفْضَلِ مِن كَلماتِه هَذهِ.

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.