الأحد 11/11/2018 م …
الأردن العربي – كل من التقى فيه وجد عنده الود والحب والاحترام، ورغم أنه من عظماء الفن إلا أنه كان قمة في التواضع والأخلاق، ولم يسئ لأحد طيلة مسيرته الفنية.
هو إنسان مبدع فنياً وأخلاقياً وإنساناً، وكان محباً لوطنه وفنه، وقدم الأعمال الكثيرة التي أثرت الفن العربي عامة والسوري خاصة، ويعد من جيل المؤسسين الذين صدرّوا الدراما السورية إلى أصقاع الدنيا، ويعتبره كثيرون أجمل من أدى دور كبير الحارة أو المختار أو الزعيم في المسلسلات الشامية بحسب موقع فن .
إنه الممثل السوري الراحل رفيق سبيعي ، الذي فارق الحياة في 5 كانون الثاني/يناير عام 2017 عن عمر 87 عاماً، قضى معظمها في عالم الفن.
من الخياطة إلى الفن
ولد رفيق سبيعي في 1 شباط/فبراير عام 1930 في حي البزورية بدمشق القديمة، وهو ممثل ومطرب ومونولوجست منذ بداية خمسينيات القرن الماضي.
في عمر ثماني سنوات، بدأ رفيق سبيعي يحضر الموالد النبوية برفقة أخيه، وكثيراً ما كان ينسل راكضاً باتجاه المنشدين، مغنياً معهم التواشيح والأناشيد الدينية.
في المنزل كان لا يحلو له مذاكرة دروسه إلا على صوت أسطوانات أم كلثوم ومحمد عبد الوهاب، وكثيراً ما كانت تستدعيه والدته ليغني لنساء الجيران، حين يجتمعن في الدار مستمتعين بجمال صوته.
في أعراس حي البزورية الذي ولد وتربى به، كان حضوره لافتاً بمثل هذه المناسبات وهو يغني لكارم محمود وعبدالعزيز محمود وعبد الغني السيد، ومنولوجات شكوكو وإسماعيل ياسين، لكنه بدأ يصطدم بعد ذلك بالمنظومة الفكرية التقليدية السائدة آنذاك التي تنبذ الفنان وتعتبر الغناء شيئاً معيباً، فكان جزاؤه الطرد خارج المنزل والاختباء داخل الخان أو النوم عند الفران.
لم يكمل دراسته بعد الانتهاء من المرحلة الابتدائية وبدأ يعمل خياطاً ليساعد والده في تحمل أعباء ومصاريف المنزل، وعمل فيها لثلاث سنوات لكنه فشل في مهنة الخياطة، فبدأ يشارك في نوادي الكشافة وظهرت مواهبه في الغناء والعزف والتمثيل.
في المسرح
جسد مختلف الشخصيات في أعماله وترك بصمات متميزة في الحركة المسرحية، ولاحقاً في السينما والدراما السورية ليستحق وبكل جدارة لقب “فنان الشعب”.
شبّ على حلم الفن، متحدياً إرادة الأب، وظنون المحيط، فلم يكن الأمر سهلاً في الشام بعد الاستقلال، حيث كان يطلق على الممثلين لقب “المشخصاتي” وكان يعتبر التمثيل عيباً اجتماعياً ما اضطره إلى البدء باسم فني هو “رفيق سليمان”.
بدأ مسيرته أواخر الأربعينيات بتقديم مقاطع كوميدية مرتجلة على مسارح دمشق ونواديها الأهلية، ثم انتقل إلى الغناء والتمثيل في فرق فنية عدة كفرقة “علي العريس″ و”سعد الدين بقدونس″ و”عبد اللطيف فتحي” و”البيروتي” و”محمد علي عبدو”، كما أسهم في تأسيس عدد من الفرق المسرحية الناشئة بعد الاستقلال عام 1946، حيث صنع شخصية “أبو صياح” أو قبضاي الحارة الشامية بزيه الدمشقي الفلكلوري الأصيل، الشخصية الأشهر له.
بعد سنوات قليلة على بداية عمله المسرحي أواخر الأربعينيات وتقديمه عدد من الأدوار المرتجلة، كانت النقلة الفنية في عام 1956 مع تأسيس المسرح الحر الذي عمل فيه معظم رواد الحركة المسرحية السورية، حيث بدأ بتقديم مسرحيات كاملة إلى جانب فقرات غنائية اعتادت الفرق المسرحية على تقديمها في ذلك الزمان، ومن المسرحيات الأولى التي شارك فيها: “بالمقلوب”، و”مرتي قمر صناعي”، و”طاسة الرعبة”، وشارك في مسرحية نالت شهرة ملحوظة في أواخر الخمسينيات هي مسرحية “صابر أفندي” 1958م من تأليف الراحل حكمت محسن.
كما كان سبيعي من بين الفنانين السوريين المؤسسين للمسرح القومي في العام 1960، ومن أهم المسرحيات التي شارك فيها مع المسرح القومي “أبطال بلدنا” 1960، و”البورجوازي النبيل” 1962، و”الأشباح” 1962، “مدرسة الفضائح” 1963، و”الأخوة كارامازوف”، و”الاستثناء والقاعدة” 1964.
وبعد غياب لسنوات عاد سبيعي إلى المسرح عام 1996 ليشارك في مسرحية “مات ثلاث مرات” بتوقيع المخرج حاتم علي، ثم في عام 2001 شارك في مسرحية “شو هالحكي” من إعداد وإخراج كل من سيف الدين السبيعي ونضال سيجري وجلال شموط عن نص لزكريا تامر.
في التلفزيون
كانت بداية ظهور رفيق سبيعي في التلفزيون في مسلسل “مطعم السعادة” عام 1960 مع عدة فنانين منهم دريد لحام ونهاد قلعي وتوالت أعماله بعدها، ثم في “مقالب غوار” و”حمام الهنا”، وكانت شخصية “أبو صياح” أيضاً صاحب الحمام الذي يعمل فيه غوار وتدور فيه القصص والحكايات، وهو مسلسل تلفزيوني سوري بسيط أنتج في العام 1968 عن رواية بعنوان “الكراسي الاثنا عشر” للكاتبين الروسيين ايلف وبتروف.
وبما يملكه من كاريزما “الزكرت الشامي” كان دور “الزعيم” في مسلسل “أيام شامية” عام 1992، فاتحة لتصدر أدوار الزعامة في معظم المسلسلات التي تنتمي إلى هذا النوع من الأعمال.
تواصلت أعمال رفيق سبيعي فتألق في مسلسلات حفرت عميقاً في الذاكر، منها “الخشخاش” 1991، و”دمشق يا بسمة الحزن” 1993، و”العبابيد” 1996، و”مبروك” 2001، و”صقر قريش” 2002″، و”مرزوق على جميع الجبهات” 2004، و”ليالي الصالحية” 2004، و”الحصرم الشامي” 2007″، و”أهل الراية” 2008.
واستمرت مسيرة رفيق سبيعي مع الدراما التلفزيونية، لسنوات طويلة، قدم خلالها عشرات الأدوار، كان آخرها مشاركته بمسلسل “حرائر” عام 2015.
ولطالما حاول رفيق سبيعي تقديم أدوارٍ يؤكد فيها حضوره كممثل بعيداً عن صورة “أبو صياح”، وتمكن من ذلك بنجاح عبر تقديمه لشخصية “طوطح” اليهودي في مسلسل “طالع الفضة” عام 2011، من إخراج نجله سيف الدين سبيعي، الذي اعتبر أن والده أعاد اكتشاف نفسه من خلالها على مشارف الثمانين عاماً، وبدا الأب متفقاً مع ابنه في وجهة نظره، حينما قال: “طوطح” أبرز طاقة بداخلي ربما لم تكن مرئية بالنسبة للجمهور، وأثبت للمشاهدين بأن لدي قدرات كممثل تفوق ما شاهدوه في أدائي من قبل، ولطالما كان هذا هدفي طوال حياتي.
الفن السابع
وفي السينما، قدم رفيق سبيعي ما يزيد على الخمسين فيلماً، أحدثها “سوريون” في عام 2015، ومن أبرز مشاركاته السينمائية، دوريه في فيلمي السيدة فيروز الشهيرين “سفربلك” و”بنت الحارس″، كما شارك في أفلام سورية أهمها “أحلام المدينة” و”الليل” للمخرج محمد ملص بدور شكري القوتلي، وفيلم “الشمس في يوم غائم” للمخرج محمد شاهين، و”الليل الطويل” لمخرجه حاتم علي، وفيلم “صندوق الدنيا” للمخرج أسامة محمد، إلى جانب الأدوار التي أداها في موجة الأفلام التجارية خلال سبعينيات القرن العشرين منها “عملية الساعة السادسة (1966)، عنتر يغزو الصحراء (1969)، أيام في لندن (1976)، ذكرى ليلة حب (1973)، فتاة شرقية (1985)، زواج على الطريقة المحلية، غرام في إسطنبول”.
المونولوج والغناء
كما اشتهر رفيق سبيعي في فن المونولوج على مستوى العالم العربي، حيث كان فناً حديثا قياساً لتلك الفترة لم يبرع فيه الكثيرون كبراعة السبيعي.
في عام 1962 ظهر سبيعي في برنامج “نهوند” التمثيلي بشخصية شعبية “سعدو حنّي كفك”، وقدم أغنية بعنوان “حبك بقلبي دوم ساكن مطرحو”، كما شارك عبر أثير إذاعة دمشق في برنامج للأغاني الضاحكة بشخصية “أبو صياح” ليقدم أغنية “داعيكم أبو صياح معدل ع التمام”.
في عام 1963 قدّم أغنيته الشهيرة “يا ولد لفلك شال” في برنامج “7×7″ ثم توالت الأغنيات التي نالت حظها من الشهرة مثل ” تمام تمام هدا الكلام”، و”شروال أبو صياح”، و”لا تدور ع المال”، و”حبوباتي التلموذات”، و”شيش بيش”، و”قعود تحبك”، و”الحب تلت لوان”، و”الخنافس″ وغيرها.
ولم يتخل سبيعي طيلة الوقت عن فن المونولوج الذي واكب من خلاله تطورات حياة الناس، ودخول الأزياء والموضات إلى يوميات الشبان والشابات، وكانت الكلمات الساخرة هي المفتاح كما في أغنية “شرم برم كعب الفنجان” التي تناول فيها الشباب.
أما في الغناء فقد أدى خلال مسيرته أغنياتٍ أعدت خصيصاً للسينما كـ”زحليقة وتلج”، “ليش هيك صار معنا”، و”الأوتو ستوب”.
وفي منتصف عام 2016 أطلق أغنية جديدة بعنوان “لا تزعلي يا شام”، من كلمات وألحان سهيل عرفة.
حكواتي الفن
إذاعياً، بدأ الراحل عمله الإذاعي في خمسينيات القرن الماضي، وقدم خلال مسيرته الطويلة كممثل ومخرج مئات البرامج والمسلسلات الإذاعية، وكان أحد أبرز الأصوات الحاضرة في مسلسلات إذاعة دمشق، وبرامجها.
وسيبقى في الذاكرة طويلاً برنامجه الشهير “حكواتي الفن”، الذي روى فيه لأكثر من 12 عاماً بعضاً من أسرار الفن السوري والعربي وكواليسه وذكرياته.. وجملته الشهيرة فيه “أحبابي ونور عيوني” كان يرددها كل حلقة في مخاطبته لجمهوره.
وهو أول من قدم كتاب “حوادث دمشق اليومية” لـ”البديري الحلاق” الذي يؤرخ لأواخر فترة الاحتلال العثماني لبلاد الشام، ولفت أنظار الدراميين له فاستوحوا منه فيما بعد قصص العديد مما عرف لاحقاً بأعمال البيئة الشامية.
بدأت قصة رفيق سبيعي مع “أبو صياح” كما يروي في إحدى مقابلاته: “أول مرة قدمتها عن طريق المصادفة، حين أراد الفنان أنور المرابط أن يتغيب عن أداء فصل كوميدي يلعب فيه دور العتال في إحدى مسرحيات الراحل عبد اللطيف فتحي، كنتُ أعمل وقتها ملقماً في مسرحه، لم أنم ليلتها من الفرحة، واعتبرت هذا الدور نوعاً من الامتحان يمهد لي الطريق كممثل، استعرت الشروال وباقي الاكسسورات، ففوجئ بي فتحي عندما رآني على المسرح، وجسدت الشخصية على طبيعتها كما تبدو في الحياة. وقتها، شاهد أدائي المرحوم حكمت محسن، وتنبأ لي بالنجومية منذ ذلك الحين”.
كان ذلك أواخر خمسينيات القرن الماضي، في عمل مسرحي مقتبس عن مسرحية مصرية للكاتب أبو السعود الإبياري نقلها عبد اللطيف فتحي إلى الشامية، قدمت على أحد مسارح دمشق، وحضرها وقتها أول مدير للتلفزيون السوري صباح قباني والد الشاعر نزار قباني، وبقيت في باله. وعندما تأسس التلفزيون عرفه إلى الراحل نهاد قلعي، ودريد لحام، وبدأت مسيرة رفيق سبيعي التلفزيونية مع “غوار الطوشة” و”حسني البورظان” التي أثمرت عن “مقالب غوار” و”حمام الهنا”.
عائلة فنية
ربما لا يعرف كثيرون أن أربعة من أبناء رفيق سبيعي دخلوا الفن، أولهم الراحل عامر سبيعي الذي توفي قبل ثلاثة أعوام وشارك فيما يقارب خمسين مسلسلاً، منها “بنات العيلة” و”زمن البرغوت” و”أهل الراية” و”الحصرم الشامي”.
أما الابن الآخر سيف الدين سبيعي فهو ممثل ومخرج فشارك ممثلاً فيما يقارب خمسين مسلسلاً منها “مرايا” و”العبابيد” و”حمام القيشاني” و”الأميمي” و”صدر الباز″، بينما وأخرج أكثر من 25 مسلسلاً منها “قناديل العشاق” و”تعب المشوار” و”طالع الفضة” و”أولاد القيمرية” و”الحصرم الشامي.
أما هبة فخاضت تجربة التمثيل مرة واحدة في فيلم “سوريون” للمخرج باسل الخطيب، بينما ظهرت شقيقتها صبا في مسلسل “حرائر” مع المخرج نفسه.
لم يكن لـ رفيق سبيعي سوى وصية واحدة، حيث أوصى السوريين ببلدهم الموجوع، وقال في أحد تصريحاته: “وصلتُ إلى سن أعرف أنني قد أرحل في أي لحظة.. لذا دعوني أوصيكم بسوريا خيراً”.
وشدد رفيق سبيعي “على أن سوريا تتعرض اليوم للوحشية والغدر من قبل الذين قدمت لهم الكثير، وتدفع ثمناً فظيعاً لتبنيها فكرة العروبة، مبدياً استغرابه من قيام معظم العرب بالمشاركة في المخطط التآمري الذي يضاعف من أوجاع سوريا، التي كانت دائماً تحمل هموم العرب جميعاً وتشاركهم الوجع وتقف معهم”.
وبنبرة صوت عبّرت عن وجعه، قال: “أعدكم أن أقوم بكل ما يطلب من أجل سوريا وقضيتها، وأوصي الأجيال الشابة بإبقاء عينها على سوريا وتقديم كل ما يلزم، لإنقاذها والدفاع عنها”
تكريمات وجوائز
منحه الرئيس السوري بشار الأسد في عام 2008، وسام الاستحقاق من الدرجة الممتازة.
وسام “نوط الفداء” منحته إياه منظمة التحرير الفلسطينية في عام 1964.
حصل على جائزة “أدونيا” عن مجمل أعماله عام 2008.
منحه الحزب السوري القومي الاجتماعي وسام الصداقة في شهر أيلول/سبتمبر من عام 2014.
فاز بجائزة أورنينا الذهبية في مهرجان الأغنية السورية السنوي.
معلومات قد لا تعرفها عن رفيق سبيعي
أطلق الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد على رفيق سبيعي لقب “فنان الشعب”، في ثمانينيات القرن الماضي.
يعد من الجيل المؤسس لنقابة الفنانين، وقد أصبح عضواً فيها عام 1968.
تعلم العزف على العود وأصبح عازفاً محترفاً.
خضع لدورة مخرجٍ إذاعي في معهد التدريب الإذاعي في القاهرة، ودورة ثانية في معهد التدريب الإذاعي في دمشق.
طبع مذكراته في كتاب مؤلف من جزئين.
التعليقات مغلقة.