الاكراميات والفساد الصغير / مجدي الخلايلة

مجدي الخلايلة* ( الأردن ) الإثنين 12/11/2018 م …



الإكراميات؛ أو بذرة الفساد الأولى؛ منها يبدأ الفساد الصغير؛ تربتها الخصبة النفوس الضعيفة؛ وثمرتها موظف أفسد نفسه بيده؛ فالإكرامية كمصطلح مرفوضه إستناداً لموروث شعبي مضمونه ‘لا يكرم أحد علينا’ ولكنها للأسف كسلوك مقبوله لدى ضعاف النفوس؛ وذات أثر عميق على متلقيها خاصة إن كانت من مانح أمين؛ ثقة؛ كتوم. وللقارئ تخيل نوع وجنس هذه الإكرامية؛ وببدء قبولها تتزايد الرغبه بها؛ فتصبح بنظر متلقيها جزء من الخدمة؛ ويصبح المتلقي باحث ماهر عن المعاملات التي تنتهي بها. وتولد لديه المهارات اللآزمة لدفع متلقي الخدمة على التفكير بتقديمها.
وكلما إتسعت دائرة قابليها كلما زاد نفوذ مانحي الإكراميات؛ فهم أصحاب مصلحة إستراتيجية في زيادة حجم الموظفين المسقطين بها وإستمرارهم بالوظيفة. فالإكرامية لديهم تقدير لجهد؛ هدية؛ تكريم؛ جزء من جميل يصعب رده.
فيعيش الموظف أو الموظفة المتلقي لها أو الباحث عنها في حقل ألغام وظيفي؛ قلق؛ غير واثق من الأرضية التي يقف عليها. مما يدفعه لمزيد من الفساد المقنن النائم؛ ففي ظل حاجته المستمرة لتقاضي الراتب كساتر شرعي لإدامة تلقي الإكرامية سيتفاعل أكثر مع طلبات دافعي الإكراميات. فضعف شخصيته وخوفه من الفضيحه وحبه للمال هي السبب الرئيس لإنتشار هذه الظاهرة، فالشريحه المستهدفة من الموظفين والموظفات إن لم تستجب للمال إستجابت لغيره وهكذا؛؛؛ والخطورة الأكبر هي أن يتم توثيق هذه الإكراميات بحق الموظف بالصوت و/أو الصورة فيصبح فريسة سهلة لتمرير أسطول من المعاملات مهما كان موقعة الوظيفي.
فما حقيقة هذه الإكرامية؛ إنها رشوة؛ شراء للذمم؛ بيع للضمير؛ مساس بالشرف الوظيفي؛ سلوك بمنتهي الخسة من طرفيها؛ لا خير فيها بالمطلق؛ ومن يؤديها أو من يقبلها أو كان قد قبلها سابقاً عليه أن يتوقف فوراً. وليتذكر أنه قد أساء لتربيته ومعتقداته ووطنيته؛ وأن بشاشة مقدمي هذه الإكراميات ماهي إلا قناع زائف يخفي خلفة سلوك إجرامي قبيح يعاقب عليه القانون.
ولأن مقدمي الإكراميات ينفذون خطة إستراتيجة بكل معنى الكلمة هدفها زرع بذور الفساد وإنتظار ثمارة المدمرة ‘على الوطن والمواطن والإدارة العامة الأردنية؛ فثمارها موظف ضعيف الإرادة سواء قصدوا ذلك أم لا’ كان لآبد من مواجهة هذه الإستراتيجية بإستراتيجية وطنية لمكافحتها وغيرها من السلوكيات الخطرة المهينة؛ والتي جسدتها الإستراتيجية الوطنية للنزاهة ومكافحة الفساد للسنوات 2017- 2025. من خلال نبذ هذه الظاهرة ورفضها والتوعية بمخاطرها بالعديد من المشاريع الوطنية التي أخذت على عاتقها نبذ هذا السلوك ومحاصرته.
وليكن شعارنا ‘إدارة تقدم الخدمة بكرامة’ لا ‘بإكرامية’ فهي لا تليق بنا؛ وشكرنا هو رضا متلقي الخدمة؛ ومهما كانت أهمية وخطورة وقيمة الخدمة التي نقدمها؛ فيكفينا فخراً أنها لا تقدم إلا من خلالنا؛ وعقيدتنا أن لا شكر على واجب؛ فلآبد من إجتثاث هذه الظاهرة بنبذها أخلاقياً قبل إجرائياً لما من شأن ذلك أن ينعكس خيراً على الإدارة العامة والمواطن الكريم؛ الذي لا زال ينظر إلى الإدارة العامة الأردنية بذات نظرة الإحترام والثقة والتقدير التي ورثها عن الأباء والأجداد؛ فالإدارة العامة الإردنية من حيث الأصل كانت ولا تزال وستبقى مثالاً يحتذى وقيمة من قيم المسيرة الوطنية العامرة بقصص النجاح وتتجه في طريقها الصحيح نحو الحفاظ على نمط عيش المواطن الكريم وتأمين مصالحة العليا التي تتيج له المجال واسعاً للعيش الكريم والإلتفات لمصالحة الخاصة.

*مجدي الخلايلة / رئيس قسم الرصد بهيئة النزاهة ومكافحة الفساد

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.