المنتدى العربي … فرسان العروبة .. / د. نضال القطامين

د. نضال القطامين ( الأردن ) الإثنين 12/11/2018 م …
* أُلقيت هذه الكلمة في حفل تكريم المنتدى العربي لعدد من الشخصيات القومية …




أعرفُ ما الذي جَمعَ الأحبةَ اليومْ. الإحتفاءُ بالبُناةْ، بالمُفكّرين، بأولئكَ الذينَ كانتْ قلوبُهمْ معلّقةً بالنصرْ وأرواحُهُمْ رخيصةً دونَ المبادىءْ.
حينَ نستذكرُ المناضلَ الراحلْ أبا نضال، فمحتومٌ علينا أنْ نستذْكرَ المناضلينَ الذينَ يَحْتَفيْ بِهِم المنتدىْ اليومْ، المفكرَ القوميْ فيلسوفَ القوميةِ العربيةْ المرحومْ الأستاذْ ساطعْ الحُصري، والمفكرَ القومي وزيرَ الخارجية في حكومةِ النابلسي المرحومَ الأستاذْ عبدالله الريماوي، والمناضلَ القومي شيخِ المناضلين الفلسطينيين، المرحوم بهجت أبو غربية، وابنَ السلطِ ورجلَ الدولةِ والإقتصادْ معالي الدكتورْ رجائي المعشر، أحد الشخصيات الوطنية المعتزُ بالثقافةِ القوميةِ العربيةْ، صاحبِ العطاءِ المميّزِ في العملِ الإقتصاديْ الوطنيْ، والمناضلَ المرحومْ الأستاذْ حاكمِ الفايزْ، الذي عاش ومات على حلمِ الأمةِ العربية الواحدةْ ذاتِ الرسالةِ الخالدةْ، والمرحومِ الدكتورْ راضي الوقفي، ابنُ الحُصُنْ لؤلؤةِ الشمالْ القامةَ التربويةَ والعروبيةَ الباسقةْ، والمرحومْ الأستاذ سفيانِ السرطاوي، مؤسسَ البنكِ الأردنيِّ الكويتيْ ورئيسَ مجلسِ إدارته سنواتٍ طويلةْ، الإقتصاديْ الكبيرِ الذي قدّمَ للبلدِ مشاريعَ واستثماراتٍ ناجحةْ، ومعالي المرحومْ الأستاذْ سليم الزعبي، الناصريْ العروبيْ ونموذجِ الإخلاصِ للرايةِ القوميةِ العربيةْ، والمرحومةَ السيدةْ غيداء درويش، عضوَ المنتدىَ العربيْ وصاحبةَ “الضفيرة”.
أطال الله عمر معالي الدكتور رجائي ورحم الله أرواح الطيبين، أعضاء المنتدى وبُناتُه، أصحابَ المبادىء وأصحابَ الفكرِ والمروءة.
لمْ يكنِ العملُ القوميْ في يومٍ من الأيّامِ أيُّها الأحبةْ، تَرَفاً زائداً ولا عملاً إضافياً ولا هوايةً تمارِسُها النُخَبْ، كانَ خبزَ البناةِ وماؤُهم، كانَ أولويةً تتقدّمُ على العيشِ وعلى العملْ، وحينَ نقرأُ البداياتْ، نُدركُ تماماً كمْ كانَ أولئكَ الرجالِ عِظاماً وفرساناً وقادةْ.
كنتُ قدْ أنهيتُ الدراسةَ العُليا في لندنْ يومَ كانَ بيتُنا يَعِجُّ بالأفكارِ القوميّةْ وبالجلْساتِ الثُنائيةْ والجماعيةْ، لمْ أكنْ أعرفُ أنَّ إحدىْ تلكَ المساءاتِ الجميلةْ، قدْ شَهِدتْ ولادةَ الفكرةْ، فكانَ المنتدىَ العربيْ مشروعَ النهضةِ المتقدّمْ، وموطنَ العملِ العُروبيْ الخالصِ مِنَ الشوائبْ، وحِضْنَ المبدأِ الدافىءْ، وها هوَ اليومْ، في طليعةِ المُنافِحينَ عنِ الفكرةْ، وعنْ قضايا الأمةِ ومَآلاتِهَا.
لم يكنْ المفكّرُ العربيْ الراحلْ مرضي بنْ عبد الله القطامين طارئاً على العملِ القوميْ. كانَ استثنائياً في الأَنَفَةْ والحرصِ على التَعَلُّمْ، واستثنائياً في الثورةِ على قيودِ المجتمعْ والتخلّصِ من مُعيقاتِ التَنْويرْ ومُوجِباتِ العودةْ، مثلَ كلِّ جيلهْ، نحوَ الأرضِ والفِلاحَةْ.
وإنْ كانتِ القاهرةْ قدْ فتّحتْ عيْنيه على العملِ الحِزبيْ، وأسّست لانتمائِهِ لحزبِ البعثْ فيما بعدْ، فإنَّ عمّانَ والجفرْ والمحطةْ والقدسْ وجرشْ والكويتْ ودمشقْ، كانتْ أمثلةً كافيةْ على انحيازِهِ الكاملْ للوطنْ دونَ الخبزْ، وللهُتافِ في الشارعْ دونَ المكتبِ الوَثيرْ، ولم يَكُنِ المنفى ولا الإقامةِ الجبريةْ سوى أثمانٍ باخِسَةْ في حساباتِه للمبدأِ وللفكرةِ وللعقيدةْ.
رأى في القاهرةْ إنْصِرافَ الشبابِ عن القوميةِ العربيةْ، فآلمَهُ أنْ تكونَ سياسةُ دان لوب، وهوَ مسؤولُ التعليمْ أيامَ الوجودِ البريطانيْ في مصْر، ناجعةً في إنشاءِ جيلٍ يُفاخِرُ بالإقليميةْ، وحينَ كانتْ القِوىْ القوميةْ هدفاً للهجومْ، كلَّفهُ الحزبُ بالذهابِ مع حسانْ الوظائفي إلى أحمدْ سعيدْ ليشرحَ لهُ حقيقةَ ثورةِ البعثْ على الشِيشْكِليْ، وحملَ رسالةَ القوميةِ على مقاعدِ الدرسْ، ثمَّ حملَ رايتَها في الميادينِ والشوارعِ وقاعاتِ المحاضراتْ.
عاشَ مُناضِلاً عنيدا، مثلما يكونُ كلُّ المناضِلينْ، في الكركْ كانَ حاضراً معْ إبراهيم الحباشنة، وإبراهيم الطراونة، وصالح الحوراني، ومحسن الحباشنة، ونسيب المدانات، وفي أولِّ انتخاباتٍ لقيادةِ شُعبةِ الكركْ، انْتُخِبْ أميناً لسرِّ الشُعبةْ .
شَهِدَ انتخاباتْ عامْ ستٍ وخمسينْ وقدْ انتجتْ برلماناً قوياً عمودُهُ الفقري الحزبُ الوطنيْ الإشتراكيْ، كانَ ذاكَ زمنُ سليمانْ النابلسيْ، وشفيق ارشيدات وعبد الحليم الحمود وصالح المعشر وعبد الله الريماوي وعبد الله نعواس وكمال ناصر ويعقوب الزيادين وفائق ورّاد.
كانتْ الفكرةُ التي آمنَ بها تماماً أنَّ منْ لا يملكُ كرامةً شخصيةْ لا يملكُ كرامةً وطنيةْ، ومنْ لا يملكُ كرامةً وطنيةْ لا كرامةَ قوميةَ لهُ . كانَ يؤكّدَ لنا على الدوامْ أنّهُ لمْ يقفزْ إلى محبةِ الأمّةْ إلاّ منْ خلالِ حُبّهِ للأردنْ، ويومَ انقسمَ حزبُ البعثِ العربيْ الإشتراكيْ، كانَ مُوقِناً أنَّ حزبَ البعثِ في القُطْرِ الأردنيْ قدْ ارتكبَ خطيئةَ الإنحيازِ إلى التقسيمْ، لقدْ رأى بعينِ الحكيمْ أنَّ على الحزبِ أنْ يبقىْ مُتّحداً.
كانَ وفيّاً للأصدقاءْ. رَغِبَ كثيراً أنْ يكونَ مستشاراً ثقافياً في القاهرة، ولمّا عرفَ أنّ رفيقَ حياتِهِ خالدْ الساكتْ من المرشّحينَ لذاكَ المنصبْ، فقدْ رفضَ عرضَ المرحومْ ذوقان الهنداوي.
في الجفر والمحطةْ سهرَ مع الرفاقِ وتعبْ، سالم صقر وأمين شقير ومنيف الرزاز ومحمود المعايطة وشوكت السبول ورزق البطاينة، ومحمد باجس المجالي، وفي المحطةْ لمحتهُ عينا المرحومْ الشريفْ عبد الحميدْ شرفْ واحتفظَ بإسمهِ في ذاكِرَتِهْ؛ ليختارَهُ ممثلاً للطفيلةْ في المجلسِ الوطنيْ الإستشاريْ في نهايةِ السبعيناتْ.كانَ عُضْواً في”اللجنةِ الشعبيةِ لنُصْرَةِ الشعبِ العراقيْ” وقد كانَ رئيسُ هذهِ اللجنةْ المرحومْ “ذوقان الهنداوي” وضَمّتْ عدداً من القوميين العرب منهم “أمين شقير” والدكتور “على محافظة” و”زهير العجلوني” و آخرين.
لم يكنْ أبو نضال منْ أنصارِ الحربِ العراقيةِ الإيرانيةْ، ولكنّهُ أيقنَ أنَّ الواجبَ القوميْ يُحتّمَ عليهِمْ أنْ يكونوا مع الأمةْ عندما تتعرّضُ لعدوانٍ خارجي. لقد جَرَّ عليه هذا الواجبْ غضبَ الرفاقْ، فأضطر أنْ ينتظرْ في مطار دمشق سبْعّ ساعاتٍ مطلوباً للتحقيق، قبلَ أنْ تُعتقلْ شقيقتي طالبة الصيدلةْ في السنةِ النهائيةِ لها.
كانَ يبتسمْ وهو يقرأُ علينا ذكرياتِ قيادةِ المظاهراتِ في الكركْ، وذكرياتِ السجونِ في الجفرِ والمحطةْ. لكنّهُ لمْ يكنْ يعتقدُ يوماً أنَّ مصيرَ الأمةِ سينتهي إلى كلِّ هذا البؤسْ.
سافرَ مع فايز الشخاترة ووهدان عويس الذي فقدناه مناضلاً كبيراً قبلَ أيّام، ومع غيداء درويش ونعيم المدني، إلى البحرين أعضاءً في وفدِ المؤتمرِ القوميِ العربيْ، وقرأوا مع نحوِ مئتي شخصيةٍ عربيةْ، الحروفَ الأولىْ للوَحْدَةْ، والنشيدَ الأوّلْ للقوميةْ.
حتى إذا رأتْ عيناهُ وسمعتْ أذُنَاهْ الإنحدارَ الكبيرْ للمبادىءِ والتخاذلَ عنِ النشيدِ وعنِ الهُتافْ، ورأىْ في أعوامِهِ الأخيرةْ ما أحْدَثَهُ ربيعُ العربِ الأصفرْ، آثَرَ أنْ يرحلْ مُغْمِضَاً عينيهْ عَمَّا يجري في دمشقْ والقاهرةْ وبغدادْ، وتركَ لنا أيها السادة، مهمّةَ المتابعةْ، والبناءَ على التأسيسْ، وإيقادَ الشعلةِ القوميةِ في هذا الزمنِ الذي إنْحَدَرَتْ فيهِ الفكرةْ، وانْكَمَشَتْ في مشهدِهِ المبادىءْ، وصِرْنَا نَتذكّرُ أيامَنا الجميلةْ كَمَنْ يتذكَّرُ واحةً في قلبِ صحراءْ.
وأودُّ أنْ أُنْهيْ هذهِ المُداخلةْ بالتقدمِ بمزيدٍ من الإمتنانْ للأخِ الكبيرْ الأستاذْ فايز الشخاترة، وأعضاءَ الهيئةِ الأداريةْ والعامةْ للمُنتدىَ العربيْ، على وفائِهِمْ الإستثنائيْ، في الحرصِ على تذكّر الراحلين الطيبين، والحرصِ على استمرارِ ارتفاعِ رايةِ القوميةِ العربيةْ، وفَّقنا اللهُ جميعاً لخدمةِ أمّتِنا ووطَنِنا .

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.