رسالة الملك عبد الله إلى جلوب باشا (2) / د.حسين عمر توقه

 

 

د.حسين عمر توقه* ( الأردن ) الخميس 8/1/2015 م

 * باحث في الدراسات الإستراتيجية والأمن القومي

عزيزي جلوب باشا:

إن أهمية القدس في أعين العرب  ، مسلمين ومسيحيين معروفة جيدا ، وأي كارثة تحل بعرب القدس على يد اليهود – سواء بالقتال أو الطرد من منازلهم – سيكون لها آثار سلبية بالغة علينا ، إن الحالة لا تدعو لليأس ولذلك فكل شيء  بين أيدينا اليوم يجب أن نحافظ عليه – القدس القديمة والطريق إلى أريحا –  ويمكن إنجاز ذلك  بإستخدام الإحتياط المتواجد في منطقة رام الله أو بإرسال قوة من الإحتياط العام أطلب منك تنفيذ هذا الأمر بالسرعة الممكنة

18 أيار 1948                                                       التوقيع عبد الله

 

تاريخ نشأة وتطوير المنظمات اليهودية المسلحة في فلسطين حتى تاريخ 15 أيار 1948:

هاشومير :

وتعني بالعربية ( الحارس )  وهي من أوائل المنظمات الصهيونية المتخصصة  بأعمال الدفاع وحراسة المستعمرات بأعمال الدفاع وحراسة المستعمرات  . أسستها في عام 1909 مجموعة من المهاجرين اليهود    من أعضاء الجمعية اليهودية السرية التي أوجدها  اسحق بن زفي  وإسرائيل شوحط . ولقد عنيت  هاشومير  بأعمال الحراسة  ثم تحولت إلى قوة محاربة منظمة  تتولى  الدفاع  عن المستعمرات الصهيونية في الجليل  ومن ثم الدفاع وحراسة كل المستوطنات اليهودية  في مختلف أنحاء فلسطين  كما أنها قامت ببناء بعض المستعمرات اليهودية وكانت مرحابيا أول مستعمرة  تقيمها هاشومير  في غور بيسان وأتبعتها بمستعمرة ” تل حدشيم ” ومستعمرة ” كفار جلعاجي “  وواصلت هاشومير  حراسة المستوطنات اليهودية ضد  العرب والبريطانيين   وشاركت في صد هجمات العرب على المستعمرات الصهيونية في القدس وتل حاي في الجليل .

وفي بداية العشرينات  أصبحت الحاجة ملحة  إلى تأسيس قوة صهيونية محاربة  كبيرة وموحدة  وتم الإعلان عن تأسيس ( الهاغاناه ) وقررت هاشومير حل نفسها لمنح أعضائها فرصة الإنضمام إلى الهاغاناه  إلا أن عددا قليلا  من أعضائها المتطرفين   رفضوا الإنضمام إلى الهاغاناه  وأسسوا مجموعة     ” كتائب العمل “  حتى أحداث عام 1929 الدامية  فاضطروا إلى الإنضمام إلى الهاغاناه .

الفيلق اليهودي :

هو عبارة عن تشكيلات عسكرية من المتطوعين اليهود الذين انضموا إلى القوات البريطانية وقوات الحلفاء  تنفيذا لرغبة  قيادات الحركة الصهيونية  ومخططاتها  في مساعدة القوات البريطانية  من أجل الحصول على دعم بريطانيا في تأسيس وطن قومي  لليهود في فلسطين وتمكين المتطوعين اليهود من إكتساب المهارات القتالية والحربية .

ولقد تزعم  فلاديمير جابوتنسكي المطالبة  بإنشاء قوة  عسكرية يهودية من أجل الإستيلاء على فلسطين  وتحريرها من الإحتلال التركي ولقد أثار هذا الطلب في بداية الأمر غضب زعماء آخرين أمثال وايزمان وبن غوريون الذين كانوا يفضلون العمل بصمت وفي الخفاء وفق مخططات وتوجيهات المنظمة الصهيونية العالمية . ولقد استجابت القيادة البريطانية في  مصر  لهذه المطالب وعملت على تشكيل كتيبة يهودية   لنقل المعدات والتجهيزات  الحربية بواسطة البغال  والمشاركة في حملة غاليبولي ” وهي الحملة المشتركة بين بريطانيا  وفرنسا وأوستراليا ونيوزيلندا  من أجل إحتلال إسطنبول ومن ثم الدخول إلى الجزء الشمالي الشرقي  من تركيا لمساندة روسيا ضد القوات الألمانية بعد أن تكبدت القوات الروسية خسائر كبيرة  أمام الجيش الألماني. ولقد باءت هذه المعركة بالفشل ومنيت بريطانيا وفرنسا  بهزيمة كبيرة أمام القوات التركية بقيادة مصطفى كمال أتاتورك ” .  وتم تشكيل  كتيبة النقل بالبغال اليهودية عام 1915 في منطقة برج العرب في مصر  من 8000 آلاف  يهودي من فلسطين   وتم حل هذه الكتيبة عام 1916 وبعد عودة  حملة غاليبولي منهزمة  تم إختيار 120  فردا من هذه الكتيبة  لإرسالهم إلى  لندن ليكونوا نواة تشكيل كتيبة يهودية هي الكتيبة   ” 38″  والتي أطلق عليها  حملة البنادق الملكية وتولى قيادتها الضابط البريطاني  جون باترسون  وقد تلقت تدريباتها في بريطانيا ومصر   ثم توجهت إلى فلسطين .

وحين دخلت الولايات المتحدة  الحرب  وافقت على تشكيل كتيبة من اليهود الأمريكيين ومن اليهود المتطوعين من الأرجنتين وكندا  بإسم الكتيبة “39 “  وتم نقل قسم منها عام 1918 م إلى مصر وشرق الأردن  حيث شنت هجوما  على مدينة السلط في ذلك الوقت  ولكن القسم الأكبر تم نقله إلى فلسطين  بعد أن وصلت الحرب العالمية الأولى  إلى نهايتها

وفي عام 1918 تم تشكيل  الكتيبة 40 بناء على إقتراح قائد الفرقة الأسكتلندية في فلسطين الذي دعا إلى  تجنيد اليهود في المناطق التي احتلتها  القوات البريطانية  ولقد تلقت هذه الكتيبة تدريباتها  في التل الكبير ولم تشارك في الهجوم على شمال فلسطين  .

ومع نهاية الحرب العالمية الأولى  كانت تتمركز  على أرض فلسطين ثلاث كتائب يهودية . وبعد أن ترسخت دعائم الإحتلال البريطاني  في فلسطين بدأت الحكومة البريطانية بتسريح  الكتيبتين 38 و39 . وفي عام 1921 تم حل هاتين الكتيبتين نهائيا  وانضم كثير من مجنديها إلى الهاغاناه . كما انضم  بعض اليهود الأمريكيين  إلى الكتيبة 40 لرغبتهم في البقاء في فلسطين حيث وُضعت الكتيبة تحت قيادة العقيد اليهودي مرجولين  ورفعت علم درع داوود الأبيض والأزرق  واتخذت طابعا يهوديا بحتا وأُطلق عليها الجيش الأول ليهودا . ولقد اعترض العرب على بقاء الكتيبة  40 في فلسطين نتيجة أعمالها الإستفزازية  ضد العرب ووقعت بعض الإشتباكات  العنيفة مع العرب مما اضطر إلى نقلها من حيفا إلى رفح  وفي عام 1930 صدر أمر بتسريح هذه الكتيبة

الهاغاناه :

وهي تعني بالعربية ( الدفاع )  ولقد تأسست في عام  1921 في مدينة القدس  وهي عبارة عن تكتل عسكري يهدف إلى  الدفاع عن أرواح وممتلكات المستوطنات اليهودية في فلسطين  خارج نطاق الإنتداب البريطاني . وهي تمثل الذراع العسكرية للمنظمة الصهيونية العالمية  ولقد بقيت  في السنوات التسع الأولى  منظمة شبه مدنية بقيادة يسرائيل جليلي . وما أن اندلعت الثورة العربية عام 1929  والتي خلفت 133 قتيلا يهوديا برز دور الهاغاناه وانضم إليها آلاف الشبان اليهود  وقامت بإستيراد السلاح الأجنبي  وإنشاء ورش التدريب  لتصنيع القنابل اليدوية  والمعدات العسكرية الخفيفة  وتحولت إلى ما يشبه الجيش النظامي كما حظيت بمساعدة بريطانية مباشرة في تدريب قواتها من ضباط بريطانيين في سلطة الإنتداب مثل ” أورد  وينجت “  الذي كان يسمى من قبل الهاغاناه  بالصديق  ولقد ساهم في تدريبهم على  نصب الكمائن المتنقلة ضد نشاط الثوار العرب كما ساهم في حماية أنبوب النفط القادم من العراق إلى حيفا ونصب كمائن للثوار الذين كانوا يستهدفون أنبوب النفط وتم تأسيس  وحدات ليلية خاصة  . وبحلول عام 1936 أصبح تعداد الهاغاناه  10 آلاف مقاتل و40 ألف من الإحتياط  وخلال ثورة 1936 -1939  تولت الهاغاناه مهمة حماية المصالح البريطانية واليهودية  في فلسطين ومقاومة الثوار الفلسطينيين  وبالرغم من عدم إعتراف الحكومة البريطانية بالهاغاناه إلا أن القوات البريطانية كانت تتعاون وبشكل كبير معها .

في عام 1937 قام اليمين المتطرف  في منظمة الهاغاناه  بالإنشقاق عن الهاجاناه وتأسيس  ” منظمة الأرغون ” . 

وبين عام 1936 وعام 1939 قامت الحكومة البريطانية  بتقييد الهجرة اليهودية الى فلسطين مما دفع الهاغاناه  إلى تنظيم هجرات يهودية سرية  غير مشروعة إلى فلسطين وتنظيم مظاهرات مناهضة للحكومة البريطانية

في عام  1939 أعلن رئيس مجلس إدارة  ” الوكالة اليهودية ” ديفيد بن غوريون  دعمه التام للحكومة البريطانية  وعزمه القتال ضد أدولف هتلر  وتم تحقيق التعاون بين منظمة الهاغاناه والقوات البريطانية      

وبعد إنتهاء الحرب العالمية الثانية  قامت الهاغاناه بشن  حملات معادية للقوات البريطانية في فلسطين فقامت  بتحرير المهاجرين  اليهود الذين احتجزتهم القوات البريطانية في معسكر”عتليت” وقامت بنسف السكك الحديدية بالمتفجرات  ونفذت هجمات ضد مواقع الرادار ومراكز الشرطة في فلسطين  والإستمرار في تنظيم عمليات الهجرة  اليهودية الغير مشروعة إلى فلسطين

وفي هذه المرحلة  أعيد تنظيم  الهاغاناه  لتلائم توسيع مهامها وإتساع نطاق عملياتها العسكرية وتم تقسيمها إلى قسمين رئيسيين  الأول هو قوات الميدان ويتكون من الرجال من فوق سن 25 سنة  كما سمح بإنضمام  عناصر نسائية للتمريض . وكان واجب قوات الميدان إحتلال المواقع الدفاعية في المستعمرات  والدفاع عنها . أما القسم الثاني فهو قوات الدفاع ويتكون من الرجال من سن 18 إلى سن 25  كانت مهمتهم تنفيذ  العمليات التعرضية  ضمن المناطق

وبتاريخ28/5/1948 أعلنت الحكومة الإسرائيلية المؤقتة إنشاء ( جيش الدفاع الإسرائيلي )  الذي خلف الهاغاناه  في الحفاظ والدفاع عن إسرائيل . وأعلنت الحكومة الإسرائيلية عن منع أي من التشكيلات القتالية اليهودية وعدم قانونيتها بإستثناء جيش الدفاع الإسرائيلي  إلا أن منظمة الأرغون  لم تعبأ  بقرار الحكومة المؤقتة مما أدى إلى وقوع مناوشات  وقاومت الهاغاناه  لفترة وجيزة وفي النهاية تخلت الأرغون عن أسلحتها وأعلن رئيسها مناحيم بيغن  تشكيل حزب سياسي هو حزب حيروت بدلا من الأرغون .

الأرغون :

وتعني باللغة العبرية ( المنظمة العسكرية القومية )  وهي تكتل عسكري  وصف بالإرهاب  من قبل السلطات الإنجليزية   في الفترة السابقة  لإعلان دولة إسرائيل  . وكان شعارها يتكون من خريطة فلسطين والأردن وعليها صورة بندقية كتب عليها ( هكذا وحسب )

ولقد  انشقت منظمة الأرغون  عن الجناح العسكري  لمنظمة الهاغاناه  على يد ” أبراهام  تيهومي “  احتجاجا على القيود البريطانية المفروضة  على الهاغاناه في تعاملها مع الثوار الفلسطينيين وكانت تريد تصعيد هجماتها على الفلسطينيين . ولقد تلقت الأرغون دعما من بولندا  إبتداء من عام 1936  حيث كانت بولندا تشجع  الهجرة اليهودية البولندية  لأن اليهود في بولندا كانوا من أفقر طبقات المجتمع  وكان من مصلحة بولندا  تهجير اليهود إلى فلسطين ولقد قامت بولندا  بتقديم العتاد والأسلحة وتدريب الأرغون على العمليات العسكرية 

ولقد شنت منظمة الأرغون اعتبارا من آذار 1937 أكثر من 41 هجمة إرهابية ضد الفلسطينيين من بينها  تفجير فندق الملك داوود في القدس بتاريخ 22/7/1946 وكان أكثرهذه الهجمات دموية مشاركتها مع  منظمة شتيرن بتاريخ 9/4/1948 بإرتكاب مذبحة دير ياسين والتي أسفرت عن قتل 360 شهيد فلسطيني .

 وفي عام 1943  تولى مناحيم بيغن  قيادة منظمة الأرغون حتى قامت الحكومة بحل كل المنظمات المسلحة والعمل على  تشكيل جيش الدفاع الإسرائيلي  وفي البداية وقعت بعض الإشتباكات بين الأرغون  وبين الهاغاناه التي تحولت إلى نواة جيش الدفاع الإسرائيلي وبعدها  أعلن مناحيم بيغن تشكيل حزب حيروت السياسي وحل منظمة الأرغون . ولقد تولى مناحيم بيغن رئاسة الحكومة الإسرائيلية وكان رئيس المفاوضات الإسرائيلي يقابله الرئيس محمد أنور السادات في الجانب المصري

شتيرن (ليحي ) :

ويعني اسمها بالعبرية  ” المقاتلون من أجل حرية إسرائيل ” وهي منظمة  إرهابية صهيونية أسسها البولندي أبراهام شتيرن وهي تعد من أشرس الميليشيات الصهيونية  وأكثرها تطرفا . ولقد انشقت منظمة شتيرن عن الأرغون بعد موت  السياسي اليهودي فلاديمير جابوتنسكي عام 1940  وقام إبراهام شتيرن  بتأسيس مجموعة من المنشقين أطلق عليها ( المحاربون من أجل حرية إسرائيل )  من أجل تحقيق العمل المستقل خارج نطاق وتوجيهات المنظمة الصهيونية العالمية   بل وبعيدا عن منظمة الهاغاناه  الذراع العسكري  للمنظمة الصهيونية العالمية.

وكانت منظمة شتيرن تنادي  بمحاربة قوات الإنتداب البريطاني على فلسطين بالإضافة إلى  الإستيلاء على الأرض الفلسطينية بالقوة العسكرية وتحقيق حلم إنشاء دولة إسرائيل بالتخلص من جميع الفلسطينيين  وهي التي أطلقت شعار الحدود الجغرافية  الإسرائيلية وأنها تمتد من الفرات شرقا إلى نهر النيل غربا. ودعت إلى وجوب إنشاء جيش يهودي  يقوم على تحقيق  هذا الحلم ولا يتم تحقيق مثل هذا الحلم إلا بجلاء  قوات الإنتداب البريطاني  عن أرض فلسطين  وحل مشكلة السكان الغرباء ( أي السكان العرب  في فلسطين ) عن طريق تبادل السكان .

ولقد لقي أبراهام شتيرن  مصرعه عام 1942 على يد قوات الإنتداب  البريطانية   وقام أنصاره بالإنتقام لمصرعه  عن طريق إغتيال اللورد  موين الوزير البريطاني لشؤون الشرق الأوسط  في القاهرة بتاريخ  6/11/1944 كما قامت بنسف  المعسكرات العربية والبريطانية  من بينها سرايا يافا  في نوفمبر 1947 وقامت بالمشاركة مع منظمة الأرغون بإرتكاب مذبحة دير ياسين عام 1948 .  وبالرغم من انضمام  مقاتلي شتيرن إلى جيش الدفاع  الإسرائيلي في مايو 1948 إلا أن تمردا قد حصل  في صفوف الجيش في القدس  من مقاتلي شتيرن وأطلقوا على أنفسهم  اسم ” جبهة الوطن “  حيث قام المتمردون بإغتيال  الكونت فولك برنادوت بتاريخ 17/9/1948 وهو من العائلة الملكية السويدية وكان أول وسيط دولي في تاريخ منظمة الأمم المتحدة  حيث تم اختياره بتاريخ 20/5/1948  ليكون وسيطا بين العرب واليهود بعد اندلاع المواجهات في فلسطين نتيجة قرار تقسيم فلسطين  حيث استطاع أن يحقق الهدنة الأولى  في فلسطين بتاريخ 11/6/1948  وتمكن بعد مساع لدى الجانبين العربي والإسرائيلي من الحصول على موافقة الأطراف في إجراء مفاوضات رودس التي جرت نهاية عام 1948 ولقد تقدم الكونت برنادوت  بعدة  اقتراحات من أجل عملية السلام للأمم المتحدة بتاريخ  27/6/1948 كان أحد بنودها  ينص على بقاء القدس بأكملها  تحت السيادة العربية مع منح الطائفة اليهودية  في القدس استقلالا ذاتيا في إدارة  شؤونها الدينية  وعارض ضم بعض الأراضي  الفلسطينية للدولة اليهودية  المقترحة في قرار التقسيم  كما اقترح وضع حد للهجرة اليهودية    وتم إلقاء القبض على منفذي العملية  وسجنهم ومن ثم تم إطلاق سراحهم بعفو خاص .

ولقد صرفت الحكومة الإسرائيلية  رواتب تقاعدية   لمنتسبي منظمة شتيرن  ومنحت بعض أفرادها أوسمة ” محاربين الدولة “   ومن الجدير بالذكر أن قائد عملياتها في أواخر الأربعينات  اسحق شامير قد أصبح فيما بعد رئيسا للحكومة الإسرائيلية .

البلماخ :

وتعني سرايا الصاعقة وهي تمثل القوة المتحركة الضاربة التابعة للهاغاناه التي تمثل الجيش غير الرسمي  للمستوطنات اليهودية  أثناء الإنتداب البريطاني  على فلسطين . و نظرا لتطور أحداث الحرب العالمية الثانية  لا سيما وأن القوات الألمانية كانت قد بدأت  تشق طريقها من الغرب في صحاري شمال أفريقيا وقد اقتربت من الإسكندرية في مصر  وأدركت الصهيونية العالمية  أن هذا التهديد يمكن أن يطول الأراضي الفلسطينية فعمدوا إلى استغلال  أنباء لقاء الحاج أمين الحسيني  مع الزعيم الألماني أدولف هتلر عام 1941 واقتراحه بتشكيل  جيش عربي إسلامي من المتطوعين  لمقاتلة اليهود والحلفاء في فلسطين وشمال أفريقيا . فقد  طالب اليهود وعلى رأسهم إسحق ساديه  بضرورة إنشاء قوة  نظامية  مسلحة دائمة بعيدة عن فكر الهاغاناه الراكد والإنتقال إلى فكر عسكري ديناميكي مبتكر  تمكن اليهود من بناء جيش مستديم في المستقبل  . وبرزت فكرة إنشاء قوة عسكرية ضاربة  للهاغاناه  أطلق عليها إسم البلماخ و بتاريخ  15/5/1941  صادقت المنظمة الصهيونية على إنشائها  وتم تحديد مهامها  بالعمل ضد قوات العدو  غير النظامية  ( السكان العرب في فلسطين )  وإحتلال مناطق دفاعية  وكسب الوقت  لتعبئة قوات الميليشيا التابعة للهاغاناه  بالإضافة إلى  التعاون مع القوات البريطانية  ضد القوات الألمانية  التي كانت تهدد مصر في ذلك الوقت  كما تم تكليفها بواجب المحافظة  على أرواح أكبر عدد ممكن  من اليهود في فلسطين . ولقد  تبنت بريطانيا فكرة إنشاء هذه القوة  لا سيما وأنها التزمت بالقانون الدولي حيث امتنع الجيش البريطاني  تنفيذ أي عمليات خاصة ضد قوات فيشي  الفرنسية  في سوريا ولبنان لا سيما بعد أن احتلت ألمانيا فرنسا في مايو 1940 كما أن استيلاء  رشيد الكيلاني على الحكم في العراق والذي كان مناصرا  للألمان  ولقد خشيت بريطانيا أن يتمكن الجيش الألماني من الوصول إلى المنطقة العربية  وإلى فلسطين لا سيما وأن ارفين رومل  مستمرا في حملته العسكرية في شمال إفريقيا متوجها إلى مصر .

في ظل هذه الأوضاع فلقد قام الجيش البريطاني بالموافقة على تدريب وتسليح قوة البلماخ وكلفتها بمهام عسكرية  خلف خطوط العدو من استطلاع  وعمليات تخريب  وقطع خطوط المواصلات  وشارك بعض العناصر في الحملة البريطانية  ضد قوات فيشي الفرنسية في سوريا ولبنان وتم تكليفهم بتنفيذ عمليات خاصة مستقلة .  ولقد تم  تدريب قادة البلماخ على أساليب الفكر العسكري الإستراتيجي كما قامت  بعقد دورات تدريبية عن الجيش الألماني  تضمنت استراتيجياته وتكتيكاته  بحيث أصبحت البلماخ  قوة نظامية  مدربة ومهيأة لخوض الحروب  وبعد الهزيمة التي تعرض لها رومل في معركة العلمين الثانية التي تبعد  90 كيلو مترا عن  الإسكندرية  والتي امتدت من 23 أكتوبر  لغاية 4 نوفمبر 1942 وكانت القوات  الألمانية في بداية المعركة بقيادة  غيورغ فون شاتوميه قائد قوات المحور ولكنه توفي في اليوم التالي بتاريخ  24 أكتوبر نتيجة أزمة قلبية وتولى القيادة بعده إرفين رومل وكانت القوات البريطانية بقيادة  برنارد مونتغمري  وتعتبر هذه المعركة من أهم معارك الدبابات  على مدار التاريخ وبعد انتصار  القوات الألمانية في معارك الصحراء  برزت لديهم  مشكلة النقص الكبير في الوقود بسبب قيام البريطانيين بإغراق حاملة النفط الإيطالية  مما شل حركة تقدم الدبابات  الألمانية وبالتالي استطاعت بريطانيا طردهم إلى ليبيا ومن كل إفريقيا وصولا إلى مالطة . وتبعت هذه الهزيمة هزيمة كبيرة  للقوات الألمانية  أمام القوات الروسية  في ستالنجراد وفي عام 1943 توالت الهزائم للجيش الألماني في أوروبا الشرقية وقامت قوات  الحلفاء بغزو إيطاليا  وتمكنت القوات الأمريكية من تحقيق  عدة إنتصارات في المحيط الهادىء بعد أن قامت اليابان  بشن هجومها   على القاعدة الأمريكية  في ميناء بيرل هاربر  مما اضطر الولايات المتحدة إلى إعلان الحرب على اليابان  والدخول بجانب الحلفاء في الحرب العالمية الثانية  وفي عام 1944 وصلت قوات الحلفاء إلى فرنسا وتمكن الإتحاد السوفياتي من استعادة كافة الأراضي التي استولى عليها الألمان  واستمرت قواته في تقدمها حتى تمكنت من دخول برلين .  وانتهت الحرب في أوروبا بإستسلام الألمان غير المشروط  للحلفاء بتاريخ 8/5/1945 وتم عقد  مؤتمر بوتسدام بتاريخ 26/6/1946 حيث تم استسلام ألمانيا رسميا إلى قوات الحلفاء .

وبتاريخ 6/8/1945 قامت الولايات المتحدة بإلقاء القنبلة النووية الأولى على هيروشيما وأتبعتها بتاريخ 9/8/1945 بإلقاء قنبلتها النووية الثانية على  ناغازاكي  وبعدها بستة أيام  بتاريخ 15/8/1945 أعلنت اليابان عن استسلامها .

وبعد زوال الخطر الألماني في المنطقة العربية أراد البريطانيون تسريح العديد من قوات البلماخ وانتهجوا سياسة جديدة من أجل منع المهاجرين اليهود من الهجرة إلى فلسطين   ولقد جوبهت هذه السياسة بتوحيد كل الحركات اليهودية   تحت اسم حركة المقاومة العبرية   وجاء في تعليمات بن جوريون  إلى موشى سانا في أكتوبر 1945 ما يلي : ( علينا أن نتخذ إجراءات  تخريبية وانتقامية  ليس كإرهاب شخصي . ولكنه ضروري كإنتقام لكل من تم قتله على يد سلطات الكتاب الأبيض ( أي السلطات البريطانية ) ويجب أن تكون كل عملية تخريبية  ذات ثقل  وتأثير عميق . وعلينا أن نأخذ حذرنا  بقدر الإمكان  لمنع وقوع ضحايا بشرية )  وتم استبدال اسحق ساديه ب إيجال آلون كقائد للبلماخ وتم تكليف البلماخ  بالعمل على مساعدة لاجئي يهود أوروبا حال وصولهم إلى شواطىء فلسطين بسفن غير شرعية  ونقلهم إلى المستعمرات اليهودية  

وبتاريخ 1/10/1947 تم إلقاء مسؤولية تأمين منطقة الجنوب بأكملها على البلماخ  ونقل الإمدادات إلى النقب والجليل  وتأمين خط المياه في النقب وإقامة قنوات إتصال مع المستوطنات المعزولة  ومصاحبة قوافل الإمدادات إلى القدس . ولقد نمت البلماخ لتصبح عام 1948 مكونة من ثلاثة ألوية  قتالية  ووحدات جوية وبحرية واستخبارية    ولقد تم قتل 1169 من البلماخ بين عام 1941 وعام 1949 ومن أشهر رجالاتها  إيغال آلون وموشيه دايان  وأسحق رابين الذي أصبح أحد رؤساء الحكومة الإسرائيلية قبيل إغتياله  والذي تم التوقيع في زمن حكومته على معاهدة السلام الأردنية الإسرائيلية .

إن ما يهمنا هنا من هذا الإستعراض السريع للمنظمات اليهودية العسكرية  أن مجموع هذه القوات التي شكلت أثناء الحرب العالمية الثانية  50 ألف فرد بالإضافة إلى المتطوعين اليهود  في الجيش البريطاني  والذي بلغ تعدادهم 23 ألف فرد ليصل عدد اليهود المدربين وذوي الخبرة العسكرية  إلى 73 ألف فرد  منهم حوالي  20 ألف فرد من قوات الميدان وحوالي 17 ألف من قوات الدفاع  وحوالي 2500 فرد من البلماخ  وحوالي 6000 من الشرطة اليهودية  وحوالي 5000 من اللواء اليهودي تم تسليحهم وتدريبهم من قبل البريطانيين وبالتعاون مع المنظمة الصهيونية العالمية .

 

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.