عن الشهيد زيد وحربه لسيل خطف زهراته الخمس بلا رحمة / د. فارس بريزات

د. فارس بريزات عن الشهيد زيد وحربه لسيل خطف زهراته الخمس بلا رحمة

د. فارس بريزات ( الأردن ) الأحد 18/11/2018 م …




بصمت يشابه الخشوع، مضت شمس لب ومليح يوم 12 تشرين الثاني 2018. إلى مخدعها، حيث عُثر على الشهيدة بشرى زيد حرب الحديثات ذات الخمس سنوات ووري جثمانها الطاهر الثرى بجانب أبيها واخواتها معلنين إسدال الستار على فاجعة أجبرت شموسنا جميعاً على الغروب؛ احتراما لأرواحهم الطاهرة.

جميعهم قضوا نحبهم وغربت شمسهم وهم يسعون في مناكبها؛ لسد رمق العيش بشرف وكرامة وعز وجهد وعرق جبين ينز من جبهة الصغيرة الغضة منهن كما من تلك الجبهة السمراء لفقيدنا جميعا والدها المكافح “زيد حرب” زميل الدراسة في مدرسة لب الثانوية للبنين، التي تركها في سن السادسة عشرة طفلاً في عمره، رجلاً بالغاً مقداماً في شجاعته وملقاه؛ لتزداد سمرته تحت شمس الوطن جندياً مخلصاً وفياً نقياً طاهراً عفيفاً يحمل روحه على كفه، حارساً للوطن، مدافعا عن حدوده وأهله ومصالحم في حواضر الوطن.

“تقاعد” رسمياً وبقي يحرس أمن الأردنيين ومؤسساتهم بكفاف الدخل وصبر أيوب وخيبات أمل بحياة أفضل واحدة تتلو أخرى.

كل ذلك لم يجعل من “زيد حرب” إلا عصامياً مثابراً عنيداً في مواجهة الحياة التي تزداد قسوةً عليه وعلى بناته وكل من يشبههم في الشكل والمضمون.

شكل “زيد حرب” ومضمونه مجبولان بتربة جبل بني حميدة ولب والغدير والمخرعة ووادي الفطر والشومر والغيصلان والشيح والدحنون (الديدحان كما كنا نسميه).

زيد يعرف وسيبقى يعرف أماكن بصيلات السوسنة السوداء في عراقيب ذيبان وسهولها، كمان كان يعرف أين ينبت فطر البرية حول وادي الصرابيط. “زيد حرب” كان ينشر، أي يجوب الأرض، يعثر هنا على درهيمة وهناك على جلبانة، وفي مكان آخر يسير إلى الطريق الروماني (الملوكي) ويصفن كيف أن الرصفة الرومانية ما زالت متماسكة منذ الالاف السنين وشواهدها في الطريق من لب إلى الصرابيط الى الواله تثير فضول الباحثين عن الدفائن؟.

هل فكر زيد عندما سقطت سيارته في مكان عبارة جرفها السيل أنها بُنيب قبل سنوات قليلة وأن الدفائن ستكون أرواحا بريئة؟ .

القريتان الوادعتان لب ومليح توشحتا السواد عز النهار ، وتحت سطوة شمس تشرين الخجولة النافذة بين غيوم تذرف ماء كدمع يهطل حزناً على أرواح بريئة.

الشهيد زيد يرتل علينا جميعاً اليوم من مرقده الخالد، كما رتلها من قبل وسيبقى يرتلها من بعد، قصة معركة البقاء مع شح الموارد والفرص في قرية مهمشة تحاول أن تكظم غيظها وتستمر بالمسير.

النضوب المنتظم والمتزايد للأمل بمستقبل اقتصادي أفضل يلازمه نضوب موارد المنطقة المائية التي كانت تفي بحاجات أجداد زيد وكل من يشبه سحنته ويمتاز بمهاراته في العيش الكريم وبلا ثمن مرهق، لأن الناس شركاء في الكلأ والماء. كم من زيد في لب ومليح، وعيرا ويرقا، وصبحا وصبحية، وعيمة وعين البيضا، وعبين وعبلين، وكفر جايز وكفرسوم، وعي وفقوع، وقريقرة والمريغة وبير خداد، وسوف والكتة، يفيقون مبكراً ليتصفحوا أي أولوية يضحون بها اليوم وكيف سيرفع وجهه وينظر بعين ابنته مكسروة الخاطر التي لم تكتس بالعيد ولم تدفع رسوم المدرسة الحكومية، ولم تستطع شراء علبة هندسة ولا دفتر طبيعة ولا مريول ازرق ولا شبرة زرقاء أو خضراء.

إنه الفقر وقد غرقتنا بسيوله المجنونة حين فشلت سياساتنا الاقتصادية، على مدى سنوات، في إحداث تنمية حقيقية ومستدامة في قرانا ومحافظاتنا وبوادينا ومخيماتن

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.