نحن أبناء ذوقان الهنداوي / د. عائشة الخواجا الرازم

في عسرة البحث والتنقيب عن رجال صادقين أقوياء أوفياء ، وخاصة في خدمة الوطن ونذور العطاء ، يحضرني ذوقان الهنداوي الشامخ الحي في ذاكرة وقلوب الأجيال ووطن ينوء بالدمع والسؤال !! يحضرني ويمثل بقامته الأنيقة ، ونفسه الواثقة النزيهة الرافضة لقلب الأوراق والعارفة بمجريات تغيير القضية وانقلاب الحقيقة .
يحضرني وأنا أنقب بين ميادين التربية وعلم الحال بين الأجيال ، يحضرني ودمعي ينوء بجفن وطني : هل فرغت حقا جعبة الوطن من إنجاب الكثير مثلك لتعلمنا مرة أخرى كيف تعلو هامات الجيل وراء الجيل من الروضة حتى زهرة الحياة ؟ وكيف يعود المعلمون الكبار إلينا يلقون بعصا الترحال من غيوم الرحيل ويحضرون بعد الممات ؟
وأين وكيف يا صديقي نلتقي بأصحاب اليقظة والهمة الذين ربيتهم وأنشأت في صدورهم عشق الأرض والعرض في كتاب يمينك وقدتهم بيسر وأبوة والتزام نحو فلسطين والمقدس بيتهم !؟؟
أين يكمن السر الخفي في مدارات وخيارات ومسارات نفي كتابك اليقين بقضية حبيبتك فلسطين ؟
كيف يسقط الحبل المتين من أيدي المترعرعين على أمانة العلم والوطن والمقدس ؟
الذين وطأت بخطواتك الحكيمة المتزنة الفياضة بالبذل وعزة النفس ميادينهم ؟
وقد تعلموا معنى الهيبة في مدرسة الوعي والسعي والضبط والربط المحكم الأمين ‘؟
تعلموا ما ليس يتوافر في ميدان يرؤسه طابور من المتخاذلين؟
علمتهم وعلمتنا في مدرسة المعنى النهوض بمصداقية العمل وتعظبم الحق بالصدق وتصاعد الأمل ؟
ذوقان الهنداوي … أيها الحاضر في سطور نماذج الرجال الأنظف من فراشة ياسمينة بيضاء تسر ذكرى الذاكرين …طوبى لآمالك العراض بأن في وطنك أجيالا تقوم ولا تقعد، مؤمنة بما خلفت تربيتك لعقولها وحناجرها وبأن صفحات وعيك لوطنك وبوطنك وأنت فتى غض الإهاب حتى لحظة وداعك لا بد راسخة في الصدور .
وبأن طمس القضايا ونفي الحق لن يطفيء’ ذلك النور من كتابك والسطور . فالأرض لا بد مزهرة لأجيال ترفرف حول ذكراك وتنعم أرض الشمال النعيم بموروثك في كل جيل وقد حفظ الطريق والجميل .
أجيال … هم نحن … وهم توارثوا ما خلفته لنا من أصول نشأة مهما تزعزع الحال وتسنم المسؤولية وأمانة العمل كثير من سارقي الحق وتجار الدم والمال ….
ذوقان الهنداوي … كلنا اليوم نقف سوية مع أبنائك وأحبابك وجيل الإيمان بأنموذج نصاعة دربك ، ونزاهة قلبك …وأنت تقف معنا نحتفي بخضرة ذكراك، محاطة بحديقة زهر وخضرة نور ومرح جيل جديد سيذكرك ويترنم بحضورك من جنوب قضيتك الوارفة حتى الشمال !
ذوقان الهنداوي … سيقول الكثيرون من خمسة أجيال أبصرت جبينك المعلم ليت للبراق عينا فترى …! وتعرف … كما عرفنا وكما عرفك جيدا جيلنا في وطن الصابرين والقابضين على جمر الدهشة كل فجر عند فتح صفحة كتاب ، لتلتلف عند حضورك الدائم حولي أسئلة مشروعة وسط بحر لجوج بالبحث عن أوفياء نزهاء حملوا على أكتافهم خارطة العزة ومجد وصدق رسالة وطن عزيز .
فيأتي جواب واحد لها على شكل وصيغة سؤال أيضا :
كم ذوقان نحتاج في هذه المراحل العصيبة ؟ ومن هم أبناء ذوقان الهنداوي ؟؟ الذين تمكنوا من سبق التعلم على فكره وشموخ شخصيته الهذبة الحنونة الصدوقة الطيبة ؟ أين هم ؟؟؟
أين فلذات كبد الوطن ، الذين كلما سمعوا باسم ذوقان تسمروا ، واستعادوا شريط الفخر وصور المسؤول المربي العابق بعاطفة الدفق تجاه كل من عمل لأجله !
يحضرني ويحضر غيري من الأجيال التي ترعرعت على طريق النزاهة في مسؤولية العطاء … ولا يغيب كلما مر وميض دمع الوطن مسحضرا شخصية ذوقان ( أبو محمد)
دون مواربة … فكم ردد وقال : لوطني وقدس قضيتي … بلا مطمع ولا مال او احتساب منال او تشويه وجه بنهب وكسب … وكم ردد وقال : ( لعلي أرضي وطني وأهلي وقلبي … ولعلي أنال رضا ربي )
نحن أبناؤه جيل وراء جيل .. عبر طبقات عمره الثري وعلى كتاب عينه ودمعه سهروا وكبروا .
وعلى فكره وأبوته وانتشار نبض قلبه الإنسان الحنون اللين القوي تحرروا .
اليوم … اجتمع كل الوطن في بستان يحمل رمز الحياة والشرف لكل من يعرف ذوقان الهنداوي ولكل من عرف … يسمى البستان ( حديقة ذوقان الهنداوي ) في النعيمة الجميلة الغناء …
من أجمل المواقف في وطن الطيبين أن يظل الجيل وراء الجيل يعاود قراءة التاريخ المضيء لرجال حملوا مشعل التنوير والانتماء للحق في وطنهم والضمير !
هي الحقيقة التي لا تغطى بغربال ..فالذاكرة تشهد بأن قامات حفظت كرامة وعزة وطنها وأهلها ، تحفظ عن ظهر قلب راسخة لا تمحوها ريح ولا ينقص من مكانتها المتأصلة قول شحيح !
وطن بأهله يقف في وهج ذاكرة ذوقان … يستعيدون عمله مسطورا على مر الزمن مذكرين الأرض وأهلها بقامات بنائيها . ويبقى على طول المدى قلب وطن يخفق بنبض محبيه المخلصين الصادقين مع ضمائرهم كما هي مع الله ، ويتبع قلب الوطن صدور وفية ينبع منها الوفاء لأصحاب الفضل النزهاء ، فيعيدوا قراءة صفحات حياتهم على الملأ ويرفعوا أصواتهم عاليا مذكرين بنماذج الصلاح !
وتلك لعمري أمانة في أعناق من شهد وترعرع على مساحات مضيئة واسعة عبدها رموز ندرة في مدماك الوطن والأجيال والإنسان والبنيان … ومنهم مرتفع القامة رجل اسمه ذوقان !
هو في مسؤولية العلم والتعليم وتربية وتوليد كرامة الأجيال ومرآة العزة في ظلام الأحوال…يتجول غاضبا محزونا حول صفوف أصحاب النهب والسلب وتشويه سمعة الوطن … المنافسين لغفلة المرحلة والواقفين لهبش الحصص وتحطيم الأسس …
ذوقان الهنداوي … ونتذكر صباحاته وعينيه الساهرتين بدمعة مهابة ومقارنة ومعاتبة للمتقاعسين …
إنه لا يغيب … وكما يحضر الناس وتحضر الأجيال التي نمت على تأثيره وأثر حضوره وحتى لو كانت قليلة … فمنذ خشونة أظفاره حضر ويحضر معهم … رجل اسمه ذوقان تولى عنق السباق على ظهر حصان متمرد في مراحل عصيبة الفقدان …
يدرك مضمون ومعنى رسائل المسؤولية ، تلك المسؤولية الثقيلة وقد رأى بأم عينه ولمس ببواطن كفه أعمال الرجال وسلوك الرجال وارتفاع هامات الرجال !
ويحذر من خطورة الحال ؛ يحتج وينادي بأعلى ما أوتيت الرئتين من بكاء ورجاء للبناء’.
وكذلك تعذب الشاهد والرائي والواقف على تاريخ الأقوياء النبلاء في المراحل العصيبة .
وكان التربوي والسياسي وممثل الناس ، وكان هو من هؤلاء الذين لم تتوسخ وتتلوث جباههم بالهباء والرياء وسرقة الأمانات والاستهتار بالجيل واسترخاص الابناء..
فيترعرع وهج الطفولة مع وهج الفتوة موصلا نهج الاعتراف برفعة الوعي ، ورابطا ارتقاء التربية ومعنى نشأة العزة الوطنية في أهل القضية !
ذوقان كما خبرته وعرفته من أصحاب الصدق مع النفس من كل لون … وأهمها تشييد معمار منهج العلم والتعليم ..بابتسامة كاظم الحزن الحكيم …
وياتيني الجواب على انهمار اسئلتي :
ما زال في الوطن مبدأ من أرقى مناخات الاعتراف بالرجال الأقوياء بالحق والعلم ونزاهة المسيرة ؛ وخاصة حينما تتأكد بأن أصحاب الطريق الطويل والذي عبدوه بأكفهم النظيفة في وطنهم دون كلل أو ملل ، وأبقوا على نهج الشرف ونصاعة النفس في العمل والأمل والمال والعيال . فإنه ورغم أنف الزلازل المجلجلة والناتجة عن تخبط الحال ، نتنفس الصعداء بأن الأوفياء الكبار وبأن رموز الوطن والدار … نحفظ لهم المسار …وان أصحاب النفوس العزيزة والقلوب القوية اليقظة الأمينة ، لا يمكن أن يغادروا رغم حملنا لمراثيهم ووداعهم في سيرة الرحيل .
فلا يمكن لنا أبدا أن نمحو بتواتر الأجيال خطواتهم الثابتة التي رصوها مستقيمة جاذبة للبصر والبصيرة لكل مارق ومشرق ومقبل على هذا الطريق !
وأي طريق ؟
وأي قامة تلك التي كانت وما زالت تتصدر ذاكرة رجال الوطن بكامل مراحله وأجياله بلا منازع ؟ وأي خطوات سارت للأمة بقضيتها الفضلى والعليا على درب هذ ه التناقضات والنوازع؟
إنه طريق يسمى مسار الكبار … حين حملوا على أكتافهم هموم وإعلاء شأن الديار .
فكم تعرجت وتتعرج المسافات بطرق معوجة تنحى السراديب خفية وخشية استقامة مشهودة تخلف على سائرها بخسائرها!
من هنا ومن محطات الطريق المتلاطم ذاكرة لا تمحي ولا يعلوها غبار النكران أبدا ، يبزغ كل فجرمرنما لهؤلاء الرموز والأفذاذ بالوقوف الشامخ والناهض بمساحات وطن عزيز .
ويحملوا متاع الدنيا وفاء ولا تنساه لهم جنة الآخرة .
رجال ندرة تربوا على منهج النزاهة يقف وسطهم أبو محمد ما زالوا يقومون بيننا كل طالع فجر وننهض معهم بذاكرة وصفحات منقوشة على حجارة كل الوطن .. رغم قلة العدد وفقدان السند … وصرخة تند عن حنجرة جريحة في البلد …لكنها صفحات من نور مهما عم الظلام …تربينا عليها … إنها لا شك قريبة المنال … وللناطرين التعلم والتفكر بالوسيلة …لينهج كتابها الوطن وكرماء الرجال …كل يعلو سبيله … فالقضية ليست مستحيلة …!!!

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.