اسرائيل فى مهب الصواريخ / مصطفى السعيد
مصطفى السعيد ( مصر ) الإثنين 19/11/2018 م …
القادم أسوأ، وإسرائيل تواجه أشد خطر على وجودها منذ نشأتها.. هذا ما قاله قادة عسكريون وسياسيون إسرائيليون عقب معركة غزة، والتى سقط فيها 400 صاروخ على عسقلان وسديروت وعدد من المستوطنات القريبة من غزة، وقال نيتانياهو رئيس الوزراء الإسرائيلى إن الصواريخ الفلسطينية كانت ستمتد إلى بئر سبع وتل أبيب إذا لم يتوصل إلى اتفاق على وقف إطلاق النار مع الفصائل الفلسطينية، فى سعيه إلى إقناع قادة الأحزاب المتحالفة معه بأن قراره كان صائبا، أما فى حالة اجتياح غزة بريا فقد توقع القادة العسكريون أن تتجاوز خسائر إسرائيل 500 ضابط وجندى على الأقل.
الصورة التى يرسمها الإعلام الإسرائيلى قاتمة، والتشاؤم هو السائد فى تصريحات الجميع، عدا عتاة اليمين المتطرف للغاية من المستوطنين، والمطالبين بشن حرب واسعة على غزة، والمشهد يوحى بأن حالة من الذعر تسيطر على جميع الأحزاب، ليس بسبب غزة وحدها، إنما لأن غزة المحاصرة برا وبحرا وجوا هى أضعف النقاط المعادية لإسرائيل، وما بحوزتها من صواريخ وأسلحة وكفاءة قتالية لا يساوى شيئا بالقياس بما لدى حزب الله اللبناني، الذى يمتلك مئات آلاف الصواريخ الأكثر دقة وقوة تدميرية، والتى يصل مداها من أقصى الشمال وحتى ميناء إيلات على خليج العقبة. وتزداد الصورة قتامة عند إضافة سوريا إلى قائمة التهديدات، والتى أعلنت أنها وحزب الله يشكلان جبهة واحدة، وسوريا المنتشية بانتصارها على أكبر موجة إرهابية فى العالم، تواصل تحديث جيشها الكبير الذى يبلغ نصف مليون مقاتل، مع قوات رديفة من المتطوعين، تدربت على الحروب غير التقليدية، وتكمل إنشاء مصانع صواريخ متعددة الأغراض، منها صواريخ أرض بحر، وصواريخ أكبر مدى وقوة تفجيرية وعددا مما لدى حزب الله، ومصانع للصواريخ والطائرات المسيرة تنتشر على مسافات متباعدة، بالإضافة إلى حصولها على منظومة إس 300 الروسية والتدريب عليها ونشرها. لا تتوقف المخاطر التى تعبر عنها صحف وفضائيات إسرائيل عند هذا الحد، بل هناك الخطر الإيرانى الذى تؤكد أنه أصبح على مقربة من مرتفعات الجولان، وتمتلك إيران آلاف الصواريخ الباليستية الثقيلة، والقادرة على تدمير مناطق شاسعة وبدقة كبيرة، وهى من تمد الفصائل الفلسطينية وحزب الله اللبنانى بالأسلحة، كما هددت إسرائيل بأنها ستوجه ضربات إلى قوات الحشد الشعبى العراقية التى تؤازر الجيش السورى وتبنى لها إيران مصانع أسلحة فى العراق، وتدربها على استخدام كل أنواع الأسلحة، وعدد مقاتلى الحشد الشعبى يتجاوز المائة ألف مقاتل، ولم يخسروا أى معركة ضد داعش، وأثبتوا كفاءة قتالية لا يستهان بها. هذه التحديات غير المسبوقة التى تواجه إسرائيل هى الشغل الشاغل لكل من الولايات المتحدة وقادة إسرائيل. كان نيتانياهو هو من ألح على الرئيس الأمريكى ترامب لإلغاء الإتفاق النووى مع إيران، وفرض أقسى العقوبات الاقتصادية، والإبقاء على القوات الأمريكية فى شرق الفرات السورى، وأن تساوم أمريكا إيران على اتفاق للخروج المتبادل من سوريا. إن أمن إسرائيل هو سبب إلغاء الإتفاق النووى والوجود العسكرى الأمريكى فى سوريا والسعى إلى التطبيع العربى، لكن يظل السؤال هل ستنجح تلك الضغوط فى استعادة إسرائيل الإحساس بالتفوق والأمن؟. لا يمكن الثقة فى قدرة هذه الضغوط على تغيير المعادلات الجديدة فى المنطقة، فلا العقوبات الأمريكية المنفردة حققت أو ستحقق الكثير؛ لأن أوروبا وروسيا والصين تساند إيران فى تحدى العقوبات، ولا الوجود العسكرى الأمريكى فى شرق الفرات يمكنه تغيير الأوضاع، بل إن وزير الدفاع الأمريكى جيمس ماتيس يعارض بقاء هذه القوات، ويراها شبه محاصرة، وأنها ستكون ضحية أى صدام مباشر أو غير مباشر مع إيران؛ لأنها قليلة العدد والتسليح ولا خطوط إمداد لها إلا عن طريق الجو الملبد بصواريخ إس 300 السورية.
كشفت معركة غزة نقاط الضعف الكثيرة فى الدولة اليهودية، والتى لا تملك أى عمق إستراتيجي، بينما اتسع العمق الإستراتيجى لسوريا وحزب الله ليشمل العراق وإيران، وإذا ما حدثت مواجهة واسعة فإن آلاف الصواريخ سوف تسقط يوميا على قلب الكيان الضيق للغاية، والقبة الحديدية لم تفلح إلا فى إسقاط مائة صاروخ من غزة من بين أربعمائة. ستندم إسرائيل على عدم قبول المبادرة العربية للسلام، وقبلها اتفاق أوسلو الذى ماطلت فى تنفيذه، أما المقترحات التى تسميها صفقة القرن فهى غير قابلة للتداول، وليس لدى الولايات المتحدة وإسرائيل مقومات فرضها، فقد فات أوان التفوق العسكرى المطلق لإسرائيل، وزمن الحروب الخاطفة، وليس أمامها إلا الإذعان لشروط أشد قسوة مما رفضته فى السابق، أو أن تقامر بحرب ستضعها فى مهب مئات آلاف الصواريخ.
التعليقات مغلقة.