عبدالباري عطوان: المسدس كاتم الصوت سبب تهديد إسرائيل باغتيال يحيى السنوار
الخميس 22/11/2018 م …
الأردن العربي – كتب عبد الباري عطوان –
بات اسم يحيى السنوار، قائد حركة المقاومة الإسلامية “حماس” يشكل كابوساً بالنسبة إلى الإسرائيليين قيادة وشعباً، لعدة أسباب أبرزها قدراته التنظيمية العالية، وتكريسه قطاع غزة إلى “جنوب لبنان” مقاوم آخر، وقيادته حملة شرسة ضد هجمة التطبيع العربية مع إسرائيل، ومخاطبته حكام منطقة الخليج المطبعين بلهجة لم يسمعوا مثلها منذ ثلاثين عاماً عندما قال في مهرجان خطابي احتفالاً بهزيمة العدوان الإسرائيلي الأخير “إفتحوا لهم قصوركم.. أما نحن في غزة فلن يروا منا غير الموت.. مراهنتكم على الاحتلال لتثبيت عروشكم ستبوء بالفشل.. فمن أراد تثبيت عرشه فعليه أن يلتف حول شعبه في نصرة قضية الأمة”.
السنوار أهان القيادة الإسرائيلية بشقيها العسكري والسياسي، وأصابها في مقتل عندما لوح في المهرجان نفسه بمسدس مزود بكاتم صوت يعود للمقدم الإسرائيلي الذي كان يقود وحدة قوات خاصة تسللت إلى شرق مدينة خان يونس، وقتل في اشتباك مع عناصر حركة “حماس” الذين تصدوا برجولة وشجاعة لهذه الوحدة التي كانت تريد نصب أجهزة تنصت، ومحاولة اغتيال السيد السنوار نفسه، مثلما تقول بعض الروايات.
خطورة هذا الرجل تكمن في كونه يختلف عن معظم القادة الفلسطينيين الآخرين، سواء داخل حركة “حماس” أو في الفصائل الأخرى، فالذين يعرفونه عن قرب يقولون أنه يعيش حياة في قمة التقشف، وصفع أحد القطط السمان الحمساوية الذي كان يعيش حياة الأمراء، ويغرق في الفساد، وقال له أمام الجميع “من أين لك هذا”، كيف يكون مطبخ بيتك مساحته أكثر من 80 متراً مربعاً بينما لا يجد معظم أبناء القطاع عشاء لأطفالهم، والأهم من ذلك أنه وضع البذرة الأولى لجناح القسام العسكري قبل اعتقاله، وقضائه 23 عاماً في السجن لم يتم الإفراج عنه إلا في عملية تبادل أسرى مع الاحتلال، قبل عدة سنوات.
***
وزيران إسرائيليان هددا السيد السنوار بالقتل اليوم، مثلما هددا قطاع غزة بعدوان وشيك، الأول يؤاف غالنت، وزير البناء والإسكان الذي أكد في مؤتمر صحافي “أن أيام السنوار باتت معدودة”، والثاني جلعاد إردان، وزير الشؤون الاستراتيجية الذي حذر من أن إسرائيل باتت قريبة من أي وقت مضى من إعادة السيطرة على قطاع غزة، كليا أو جزئيا.
هناك إجماع في أوساط المحللين الإسرائيليين على أن الجيش الإسرائيلي خسر الجولة الأخيرة في قطاع غزة، وقوبل بإرادة غير مسبوقة في المواجهة من قبل فصائل المقاومة، وإطلاق أكثر من 450 صاروخاً وقذيفة أسقطت أسطورة القبب الحديدية التي لم تستطع إلا التصدي لمئة منها فقط، بينما أصابت الباقية أهدافها، وكان من الممكن أن تكون الخسارة الإسرائيلية أكبر بكثير، مثلما أكد لي قائد حمساوي كبير التقيته في أحد العواصم العربية قبل أسبوع.
صاروخ الكورنيت الذي أصاب الحافلة الإسرائيلية من صنع سوري، وهربه وعشرات غيره، مقاتلو “حزب الله” إلى حركة “حماس” عبر طرق سرية وبطريقة أذهلت الإسرائيليين، وأكدت لنا مصادر موثوقة أنها لم تصل القطاع عبر سيناء ولا عبر البحر، ولكنها تكتمت عن كشف هذه الكيفية باعتبارها سراً استراتيجيا.
هذا الصاروخ هو الذي حطم أسطورة دبابة “الميركافا”، وهو الذي حطم كل المعادلات العسكرية السابقة، وأعطى المقاومة القدرة على ضرب أهداف إسرائيلية أكثر دقة في مدن تتجاوز غلاف قطاع غزة، مثل أسدود وعسقلان واللد وحتى تل أبيب.
المحللون الإسرائيليون يقولون إن السنوار أسقط حكومة نتنياهو، مثلما أطاح بإفيغدور ليبرمان، وزير الحرب فيها، الذي هدد بأنه يستطيع اغتيال المجاهد إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس” في 48 ساعة، مثلما هدد بقصف صواريخ “إس 300” الروسية في سوريا وتدميرها بالكامل، وها هو يغادر الحكومة مهاناً دون أن ينفذ أي من تهديداته.
نعود إلى النقطة المحورية في هذا المقال وهي عما إذا كانت وحدات القتل الإسرائيلية الخاصة قادرة على اغتيال السيد السنوار فعلاً، وتملك الشجاعة لاستعادة السيطرة على قطاع غزة؟
جميع قادة فصائل المقاومة في قطاع غزة والضفة الغربية وجنوب لبنان وعناصرها هم طلاب شهادة ولا يخشون الاغتيال، ولكن الزمن الذي كانت فيه فرق الاغتيال تنفذ عملياتها بكل سهولة قد ولى إلى غير رجعة، بسبب الأجهزة الأمنية المتقدمة جدا تدريباً وتسليحاً، بدليل أن معظم محاولات الاغتيال الأخيرة، إن لم يكن كلها، باءت بالفشل، والدليل الأبرز أن كل أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية عجزت، ولما يقرب من الخمس سنوات في العثور على مكان الجندي الأسير جلعاد شاليط، ويعود ذلك إلى نجاح أمن المقاومة في القضاء على العملاء، وتنظيف القطاع من النسبة الأكبر منهم، وبناء جزر كاملة تحت الأرض، تتواصل لشبكة من الأنفاق لا يعرفها إلا قادة جناح القسام، حيث المصانع التي تنتج أحدث الصواريخ والقذائف والذخائر.
إسحق رابين كان يجاهر بحلمه وتمنياته بأن يصحو يوماً ويجد غزة قد غرقت في البحر، وقاسمه الحلم نفسه إرييل شارون، القائد الإسرائيلي المتغطرس الذي قضى عدة سنوات بموت سريري إثر هزيمته في قطاع غزة وانسحابه مهزوماً منه، ولا نستبعد أن يواجه نتنياهو مصيراً مماثلاً، إذا لم ينته خلف القضبان مثل سلفه إيهود أولمرت، فلعنة غزة ستظل تطارده في يقظته ومنامه لأن فيها قوماً جبارين.
***
المجاهد محمد ضيف، قائد كتائب القسام، قال في رسالة لحفل تأبين شهداء المواجهة الأخيرة مع الإسرائيليين “لو زاد الاحتلال لزدنا.. وصواريخنا أكثر عدداً.. وأكثر دقة.. وأقوى تدميراً”، وأضاف إليها السيد السنوار عبارة قد تدخل التاريخ “نحن لا نبيع الدم بالسولار والدولار”.
نختم هذه المقالة بالقول إن وقف إطلاق النار الذي استجداه نتنياهو من القيادة المصرية، وبعد أقل من 48 ساعة من بدء المواجهة الأخيرة في القطاع، جاء الأسرع منذ بدء الصراع العربي الإسرائيلي قبل 70 عاماً، وهذا يشي بالكثير، ويعد بمستقبل قاتم للإسرائيليين، ويوجه لهم رسالة تحذير واضحة، إياكم أن تكرروا العدوان، أو ترسلوا وحدات خاصة للتسلل إلى القطاع مثلما فعلتم قبل أسبوعين، لأن الرد سيكون مختلفاً، وربما أكثر إيلاماً في المرة القادمة.
التعليقات مغلقة.