تآكل نظرية الردع الإسرائيلية / د. فايز رشيد

د. فايز رشيد ( الخميس ) 22/11/2018 م …




ثبت بالملموس أن شعبنا الفلسطيني ومن ورائه أمتنا العربية لن ينسى حقوقه بالتقادم, فرغم مرور قرن زمني على نضاله, فقد أثبت أنه ما زال يقاوم، وسيظلّ يناضل حتى تحرير كامل أرضه المغتصبة ونيل كافة حقوقه.

إن فشل العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة، بل العكس، إنجاز المقاومة الفلسطينية الباسلة في إفشال أهداف العدوان, وإمطار مستعمرات غلاف قطاع غزة بـ 400 صاروخ، لم تستطع القبة الحديدية التصدي لـ100 صاروخ فقط (أي 25% منها فقط), واضطرار مليون مستوطن للنزول إلى الملاجئ لثلاثة أيام بالتمام والكمال، قد ضرب إلى غير رجعة, إحدى أسس نظرية الأمن التي قامت عليها إسرائيل. وفي هذا الصدد، كتب الصحفي الإسرائيلي إيزي ليبلر مقالة حول التآكل التدريجي لردع دولته, معتبرا أن نتنياهو لا يجد حلا أفضل من قصف مبانٍ فارغة, كجواب على وابل الصواريخ والبالونات الحارقة التي تنطلق من غزة، مشيرا إلى رئيس وزرائه بشن هجوم واسع على القطاع, باعتبار ذلك سيعيد لنظرية الردع “الإسرائيلية” قوتها السابقة. مقالة الكاتب تطرح سؤالا مهما, حول المتغيرات في هذه النظرية التي حكمت دولة الكيان منذ إنشائها القسري وحتى اللحظة؟ بالطبع المقصود باستراتيجية الرّدع وفقا للمبادئ العسكرية، كما يحددها المحللون العسكريون: أن فكرة إدارة الصراع مع العدو تنبع من مبادئ أساسية, أهمها التفوق العسكري الدائم على الخصم. وفي الحالة الإسرائيلية تم اعتماد مبدأ شنّ الحرب الاستباقية، ونقل المعركة إلى أرض العدو, وضرب أية أسلحة لديه تهدد أو قد تهدد إسرائيل لدى الآخر. بالمعنى الفعلي طبّقت دولة الكيان هذه الأسس طيلة سنوات وجودها في كل الحروب العدوانية التي خاضتها ضد أمتنا العربية, وضد قطاع غزة فيما بعد.
بالمقابل, فإن مواجهة العدو الإسرائيلي من قبل شعبنا ومقاومته، اصطدمت ولا تزال باستحالة التفوق عليه عسكريا, لذلك اعتمدت ما أثبتته تجارب كل حركات التحرر الوطني في آسيا وإفريقيا وأميركا اللاتينية، من حرب طويلة الأمد ضد الأعداء، تكون قادرة على التأثير عليهم من خلال الخسائر الديموغرافية والاقتصادية التي تسببها للعدو بشكل دائم. وفي حالة الدولة العربية, فبعد هزيمة يونيو ـ حزيران عام 1967 اعتمدت مصر بقيادة الرئيس الخالد جمال عبدالناصر ما سمّيت بـ”حرب الاستنزاف”, التي أثّرت كثيرا على العدو الإسرائيلي. استفادت حركات المقاومة الفلسطينية والعربية من تجربة مصر وتجارب حركات التحرر الوطني والتجارب العالمية, بمحاولة الوصول مع العدو إلى حالة من توازن الردع, التي تجبر العدو على التفكير مرارا قبل قيامه بهجوم واسع على هذه المنطقة أو تلك. في الحالة الفلسطينية, استطاعت فصائل المقاومة تحسين نوعية أسلحتها (والتي لن تكون موازية لأسلحة العدو), لكنها قادرة على التأثير على بعض مناطقه وشلّ الحركة فيها, وهو ما يضرب استراتيجية الردع لديه, كما نظريته الأمنية.
بالطبع، فإن إسرائيل تمتلك قنابل نووية، لكنها لا تستطيع استعمالها ضد الجوار العربي الملاصق لفلسطين المحتلة, لأن تأثيرات القنبلة فيما لو ضربت, سيمتد تأثيرها على كل المستوطنين اليهود الغرباء على كامل أرضنا المحتلة. لهذا لم تستعملها أميركا مثلا ضد جبهة التحرير الفيتنامية خوفا من تأثيرها على تجمعات جنودها وأسلحتها في سايجون وفي كافة مناطق فيتنام الجنوبية آنذاك. بالمقابل فإن الجبهة الوطنية الفيتنامية العريضة استطاعت بوسائلها البسيطة تشكيل حرب استنزاف طويلة لأميركا في فيتنام. الأمر الذي حدا بقيام مظاهرات شبه يومية في الولايات المتحدة ضد الحرب الأميركية على فيتنام. تكرر ذات المظهر أثناء الاحتلال الأميركي للعراق, فالمقاومة العراقية أجبرت أميركا على سحب معظم قواتها من الأرض العراقية.
ندرك أن صراعنا مع العدو الإسرائيل هو فريد من نوعه من النواحي التالية: نوعية العدو, فهو عدو احتلالي اقتلاعي وسوبر عنصري، وأن اغتصابه لأرضنا قام على تهجير ما يقل قليلا عن المليون من أهلنا, بمعنى آخر إنه لم يأخذ شكل الاستعمار العادي, هذا أولا. ثانيا: إن تضاريس فلسطين ليست كتضاريس فيتنام أو العراق, لكن المقاومة قادرة على ابتكار أساليب المقاومة الموائمة لتضاريس بلدها، خذوا الطائرات الورقية وتأثيرها على العدو مثلا. ثالثا: إن معركتنا مع العدو الإسرائيلي ليست فلسطينية الوجه فقط, بل هي بالتلاحم مع عمقها القومي العربي، فخطر إسرائيل لا ولن يقتصر على الفلسطينيين فحسب, وإنما على الأمة العربية بأكملها. رابعا: إن حقيقة المغتصبين لأرضنا، ورغم مضي سبعين عاما على إنشاء دولتهم, لم يشعروا بالأمن فيها في يوم من الأيام, ولذلك فإن معدلات الهجرة العكسية منها أكبر من معدلات الهجرة إليها. خامسا: إن دولة الاحتلال الإسرائيلي ستظل محكومة بالتناقضات الإثنية فيها، التي تولّد بالضرورة تناقضات جديدة أخرى, لم تكن في الحسبان. فالمشكلة الديموغرافية تتفاقم في دولة الكيان. سادسا: إن مصير الأنظمة الفاشية والعنصرية كان وعلى مدار التاريخين القديم والحديث إلى زوال, وإسرائيل لن تكون استثناء من هذه القاعدة الحتمية. سابعا: الظروف متغيرة، ولا يبقى على ما هو عليه إلا الله جلّ جلاله. لن يبقى الوضع الفلسطيني ولا العربي كما هما عليه من ضعف, وصراعات بينية. ثامنا: ثبت بالملموس أن شعبنا الفلسطيني ومن ورائه أمتنا العربية لن ينسى حقوقه بالتقادم, فرغم مرور قرن زمني على نضاله, فقد أثبت أنه ما زال يقاوم، وسيظلّ يناضل حتى تحرير كامل أرضه المغتصبة ونيل كافة حقوقه. لكل هذه الأسباب, فإن قوة الردع “الإسرائيلي” تتآكل.

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.