الذكرى 53 لمؤامرة حل الحزب الشيوعي السوداني وتداعياتها / تاج السر عثمان
تاج السر عثمان ( السودان ) الخميس 22/11/2018 م …
أولا : كيف تمّ قرار حل الحزب الشيوعي وطرد نوابه من البرلمان؟.
بعد ثورة أكتوبر 1964م ونجاح الإضراب السياسي والعصيان المدني، ضاقت القوي اليمينية ” الإخوان المسلمين، الأمة الاتحادي” بتنامي نفوذ الحزب الشيوعي، حيث فاز 11 نائب من الحزب الشيوعي في انتخابات الخريجين من 16 دائرة، كما فازت فاطمة أحمد إبراهيم من الحزب الشيوعي في البرلمان كأول امرأة تدخل البرلمان، ونافس عبد الخالق محجوب إسماعيل الأزهري في دائرة أم درمان الجنوبية.الخ.
نفذ الإخوان المسلمون بقيادة د. الترابي مؤامرة طالب معهد المعلمين العالي شوقي محمد علي الذي تحدث في ندوة معهد المعلمين العالي، وأساء فيها إلي الدين الإسلامي ، وأعلن أنه شيوعي، وهو ليس عضوا في الحزب الشيوعي، وإنما كانت مؤامرة وراءها الإخوان المسلمون.
ثم بعد ذلك هاجمت مجموعات مسلحة من الإخوان المسلمين والأنصار دور الحزب الشيوعي والتي قاومها الشيوعيون ببسالة، وتمت هزيمة تلك المجموعات.
بعد ذلك تم اتخاذ قرار في الجمعية التأسيسية في جلستها بتاريخ 25/11/1965م، بحل الحزب الشيوعي. وتعديل الدستور لطرد نوابه من البرلمان ، والنواب الذين تم طردهم هم:
حسن الطاهر زروق، عزالدين علي عامر، محمد إبراهيم نقد، عمر مصطفى المكي، الرشيد نايل، الطاهر عبدالباسط،، عبد الرحمن عبد الرحيم الوسيلة، أحمد سليمان المحامي، جوزيف قرنق المحامي.
بعد ذلك كما هو معلوم رفع الحزب الشيوعي ثلاث قضايا دستورية:
1: ضد تعديل الدستور.
2: ضد حل الحزب الشيوعي.
3: ضد طرد النواب الشيوعيين.
وبعد سنة كاملة تقريبا، ومع نهاية سنة 1966، أعلن مولانا صلاح حسن قاضي المحكمة العليا، أن الحريات في المادة الخامسة في الدستور لا يجوز تعديلها. وأن كل ما حدث كأن لم يحدث.
لكن عارض قادة الأحزاب الثلاثة، الأمة والاتحادي والإخوان المسلمين، قرار المحكمة العليا.
وقال الصادق المهدى رئيس الوزراء ورئيس حزب الأمة ” أن الحكم “تقريري.”
كان من نتائج ذلك استقالة رئيس القضاء بابكر عوض الله الذي كتب في خطاب استقالته إلى الرئيس الازهري: “عملت مافي وسعي لصيانة استقلال القضاء منذ أن كان لي شرف تضمين ذلك المبدأ في ميثاق أكتوبر. ولا أريد لنفسي أن أبقي علي رأس الجهاز القضائي لأشهد عملية تصفيته، وتقطيع أوصاله، وكتابة الفصل المحزن الأخير من فصول تأريخه …”.
ويحفظ التاريخ أن من قادة الأحزاب الذين رفضوا حل الحزب الشيوعي وتعديل الدستور وأيدوا قرار المحكمة العليا، الأستاذ محمود محمد طه.
ثانيا : تداعيات حل الحزب : مشروع الحزب الاشتراكي 1966م
كان من نتائج الهجوم علي الشيوعيين والعنف البدني واستغلال الدين ضدهم أن ساد اليأس وسط بعض الكادر القيادي، وبدأت تطل برأسها العقلية الانقلابية التي عبر عنها أحمد سليمان في مقال بصحيفة الأيام، وبرز اقتراح بحل الحزب الشيوعي ودمجه مع قوي اشتراكية وديمقراطية أخري تحت اسم ” الحزب الاشتراكي”.
وجاءت فكرة الحزب الاشتراكي بعد حل الحزب الشيوعي في نوفمبر 1965م، في مؤتمر الجريف التداولى عام 1966 الذي لم يكن له صلاحية دستورية بحل الحزب الشيوعي، وقرر المؤتمر التداولي تشكيل الحزب الاشتراكي باندماج الحزب الشيوعي مع قوى اشتراكية سودانية اخرى، ولكن تراجعت اللجنة المركزية للحزب الشيوعي في دورتها التي عقدت في العام نفسه عن الفكرة ، بأغلبية أعضائها ، عدا عضوين فقط هما د. فاروق محمد ابراهيم و الأمين محمد الأمين.ونشرت مداولات اجتماع اللجنة المركزية على الأعضاء في مجلة الشيوعي ، العدد ( 127) ، نوفمبر 1966م.
كثيرون فسروا أسباب هذا التراجع عن القرار بعوامل خارجية مثل: اقتناع عبد الخالق محجوب برأي السوفيت الذين كانوا معارضين لحل الحزب الشيوعي ودمجه مع قوى اشتراكية اخرى ، ولكن ذلك التفسير أحادي الجانب ويتجاهل عامل داخلي حاسم: يتمثل في ضغط فروع وقواعد الحزب الشيوعي التى كانت رافضة لقرار حل الحزب الشيوعي ودمجه مع قوى اشتراكية أخرى ، وفي ذهنها التجربة السلبية لحل الحزب الشيوعي المصري عام 1966م الذي ذاب في تنظيم السلطة ( الاتحاد الاشتراكي العربي)، ويتجاهل أيضا قرار أغلبية اللجنة المركزية التى عبرت عن رأي قواعد الحزب برفض حل الحزب الشيوعي ، واذا كان الأمر كذلك ( الخضوع لرأي السوفيت)، لماذا لم تتمسك اللجنة المركزية والمؤتمر التداولي لكادر الحزب الشيوعي الذي انعقد في أغسطس 1970م، برأي السوفيت حول انقلاب 25 مايو/1969 م ، بدعمه لأنه نظام ديمقراطي ثورى ؟، كما كان يرى السوفيت، بل تمسكت أغلبية اللجنة المركزية وأغلبية المؤتمر التداولي للكادر باستقلال الحزب الشيوعي ورفض حله ودمجه في النظام وحزب السلطة المقترح ( الاتحاد الاشتراكي)، رغم دعم السوفيت للنظام في تلك الفترة الذين كانوا يرون أن ما حدث ثورة.
واذا كان الأمر كذلك ” القبول برأي السوفيت”، فكيف نفسر رفض فكرة الحزب الاشتراكي بعد انهيار الاتحاد السوفيتي وبلدان شرق أوربا، في المؤتمر الخامس والسادس ، وكانت القرارات الإبقاء علي اسم الحزب الشيوعي والتمسك بالمنهج الماركسي وطبيعته الطبقية المنحازة للطبقة العاملة والكادحين؟.
إضافة إلى أن الموضوع ليست بهذه البساطة ، فمجرد إعلان الحزب الاشتراكي الواسع وتغيير اسم الحزب الشيوعي سوف يتحول تلقائيا إلى قوة اجتماعية كبرى ، وأن الناس سوف يندفعون زرافات ووحدانا للانضمام اليه، ولن تلاحقه تهمة الالحاد والزندقة في الصراع السياسي، علما بأنها تهمة لحقت حتى بمفكرين إسلاميين غير شيوعيين مثل الأستاذ محمود محمد طه.
ولكن الحزب الشيوعي يتحول إلى قوة اجتماعية كبرى بدراسة واقع المجتمع السوداني وفهمه واستيعابه والعمل على التأثير فيه نتيجة لتلك الدراسة كما اشار المؤتمر الرابع للحزب الشيوعي، كما يتحول إلى قوة اجتماعية كبرى بالارتباط بالجماهير والدفاع عن مصالحها في القطاعين الحديث والتقليدي ( المناطق المهمشة)، والارتباط بالتنظيمات الجماهيرية الديمقراطية والنقابية والإصلاحية والتواجد حيث تتواجد الجماهير والنضال معها وليس بالنيابة عنها في الارتقاء بمستواها المعيشي والسياسي والثقافي ، وهى عملية شاقة.
وبعد ذلك واصل الحزب الشيوعي في التحضير للمؤتمر الرابع، حتي تم انعقاده في أكتوبر 1967م، والذي أكد علي استمرار الحزب الشيوعي، وأنجز وثائقه الأساسية مثل : التقرير السياسي والبرنامج والدستور، والتي نشرت علي الأعضاء والجماهير ، التقرير السياسي نشر بإسم “الماركسية وقضايا الثورة السودانية”، والبرنامج والدستور نشرا في كتاب بعنوان” دستور الحزب الشيوعي السوداني”.
ثالثا : أفكار قديمة في قناني جديدة : فكرة الحزب الاشتراكي الواسع تطل من جديد:
بعد هجوم د. صديق الزيلعي في ملاحظاته “حول قضية تجديد الحزب الشيوعي” علي الحزب الشيوعي بذكر عدم استقلاليتة، وعدد مظاهر الجمود والسلفية الشيوعية ، ونقد اسم الحزب الشيوعي، وأثر الحركة الشيوعية المصرية عليه، واللينينية والجمود، والارتباط بالشيوعية الدولية، والهجوم علي مبدأ المركزية الديمقراطية والماركسية اللينينية، ومحدودية المناقشة العامة ، والخلط بين مواقف الحزب المستقلة النابعة من واقع وخصائص السودان وتضامنه الأممي مع الأحزاب الشيوعية والعمالية الذي ما زال مستمرا. الخ ، خلص الكاتب إلي القول:-
“نريد حزبا اشتراكيا سودانيا يواصل التقاليد المجيدة للحزب الشيوعي ويتخطى سلبياته وعثراته ويطور ايجابياته واسهاماته المتميزة ، حزب يقبل بوجود تيارات داخله تتصارع فكريا لتطوير برنامجه وتعمل بجماعية ووحدة في تنفيذ أهدافه ، حزب يوجد بداخله تيارات تتبني الماركسية اللينينية وأخرى الماركسية وثالثة الاشتراكية واليسار العريض وقوى الديمقراطيين، وتطبق عمليا الشعار العظيم الوحدة في التنوع”.
أنظر صديق الزيلعي : هل يمكن تجديد الحزب الشيوعي السوداني، مركز آفاق جديدة بريطانيا، الطبعة الثانية 2016 ، ص 13 – 26 .
اذن صديق الزيلعي لم يكن هدفه البحث العلمي الموضوعي في تاريخ الحزب ، بل كانت له نظرة مسبقة تهدف لتصفية الحزب الشيوعي ، و لم يقدم لنا جديدا غير تكرار كل الأفكار التي هدفت إلي إلغاء الوجود المستقل للحزب، ومنهجه الماركسي وطبيعتة الطبقية المنحازة للطبقة العاملة والكادحين، وتقويض نظامه الداخلي ومبدأ المركزية الديمقراطية، أي باختصار تجديد الحزب الشيوعي يعني بها تصفية الحزب الشيوعي، وأفكار صديق ليست جديدة، بل كانت موجودة منذ أول صراع فكري دار عام 1947، وما قدمه عوض عبد الرازق في وثيقته عام 1952 ، ومشروع الحزب الاشتراكي 1966 ، ووثيقة معاوية إبراهيم ” انقسام 1970 “، وما قدمه الخاتم عدلان في وثيقته المنشورة في مجلة الشيوعي 157 “انقسام الخاتم 1994″.
لكن، يطرح صديق الزيلعي فكرة تكوين حزب اشتراكي عريض في ظروف يشتد فيها الهجوم العنيف علي الحزب الشيوعي ، سواء من قبل السلطة التي تهدد بحله في حالة عدم قبوله للحوار باعتباره مارق عن الاجماع الوطني ، أوالضغوط من أجل تكوين حزب يساري واسع مرن يقبل بالحوار مع النظام ويشارك في انتخابات 2020 التي تعيد إنتاج النظام وتطيل عمره بالهبوط الناعم، فهي انتخابات نتيجتها معروفة سلفا في ظل القوانين المقيدة للحريات ومصادرة حرية الصحافة ” صدور الميثاق الصحفي” ، وعدم استقلال القضاء ، ومنع الأحزاب من قيام ندواتها في الساحات العامة واحتكار المؤتمر الوطني للإعلام والسلطة والمال ، ومفوضية انتخابات غير مستقلة ، وقانون انتخابات مفصل لصالح فوز مرشحي المؤتمر الوطني.
هذا فضلا عن أن من حق د. صديق الزيلعي تكوين حزبه الاشتراكي الواسع ، ولكن لماذا علي حساب حل الحزب الشيوعي وتغيير اسمه وتشويه تاريخه وتقويض نظامه الداخلي؟ ،ولماذا لا يكون حزبه بعيدا عن الحزب الشيوعي وفي ظل وجوده المستقل؟ ، فالساحة السياسية السودانية تسع الجميع، ولكل حزبه والوطن للجميع.
هوامش ومراجع :
1- وثيقة عوض عبد الرازق 1952، صدرت بخط اليد ، نشر وعرض منها أكثر من نسخة بها اختلافات في التفاصيل مثل : التي عرضها بابكر فيصل ” الرأي العام 18 مايو 2007″، والتي نشرها د. فاروق محمد إبراهيم في سودانيز اون لاينز في 2008 ،لا أذكر اليوم والشهر”، و التي نشرها مهدي إسماعيل في سودانايل 9 يناير 2012 . الخ.
2- مداولات دورة اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوداني التي ناقشت مشروع الحزب الاشتراكي ، منشورة في مجلة ” الشيوعي” العدد ( 127 ) ، نوفمبر 1966 .
3- وثيقة معاوية إبراهيم ، منشورة في كتاب فؤاد مطر : الحزب الشيوعي نحروه أم انتحر؟.
4- وثيقة الخاتم عدلان صدرت منها طبعتان بها اختلافات في التفاصيل، الأولي طبعة الداخل بعنوان ” لقد حانت لحظة التغير” باسم أحمد الهادي، والثانية بعنوان ” آن أوان التغيير ” باسم مصطفي.
5- مقال صديق الزيلعي بعنوان ” ملاحظات حول قضية تجديد الحزب الشيوعي السوداني”، ضمن كتاب من تحرير صديق الزيلعي بعنوان ” هل يمكن تجديد الحزب الشيوعي السوداني ، مركز آفاق جديدة للدراسات ، بريطانيا، الطبعة الثانية 2016 ، ص 13 – 26 .
التعليقات مغلقة.