المدرسة! / سليمان الطعاني

سليمان الطعاني ( الأردن ) الجمعة 23/11/2018 م …



المدرسة عالم معنوي مهيب مليء بالدلالات، عالم رمزي مفعم بالرموز والمعاني، فكل ما فيها يحمل معنى ويرمز إلى دلاله ويحكي قصة، إنها نسق متكامل من الدلالات والمدلولات هكذا ينبغي لها أن تكون،
والمعلم بكل ما يرفل فيه من مزايا وما يعرف عنه من حركات وإشارات، والتلاميذ بكل إيماءاتهم وحركاتهم وكلماتهم، والمناهج ما ظهر منها وما بطن، والمضامين بكل ما تشتمل عليه من علوم ومعارف، كل ذلك حتى طرائق التدريس والكلام وعمليات التواصل في المدرسة كلها عمليات وفعاليات وممارسات مشبعة بالدلالات وتتمحور جميعها حول دلالة رسالة المدرسة ووظيفتها.
يقول بورديو: إن وظيفة المدرسة الأساسية المُفترضة -هي خلق القدرة على السؤال والبحث عند الطالب للدخول الى عالم الحياة، معتبراً أن للمدرسة وظيفة صراعية تطبيعيه تعني بإعادة ادماج الطالب داخل المجتمع وتكييفه وجعله قادراً على الدخول في أحضان المجتمع.
إن التحدي الذي يجد المعلم نفسَه أمامه هو إفهام الطفل أن وجوده في المدرسة “يستحق العناء” لتحريك “رغبة التعلم” عنده وأن يتذوّق في المحصلة لذةَ الفهم فيشعر بالفرحة العارمة أن أصبح فطِنًا. وأن نقل المعارف بالنسبة له أصبح مرحلةٌ أساسية في بناء شخصيته.
في اليونان القديمة، كان المربِّي هو العبد الذي يقود الطفل من منزل الأسرة إلى مدرسة ذهاباً وإياباً الى المدينة، هذه الخطوة “التهذيبية” وذاك السَّـفَر “التربوي” الذي يقود الطفل خارج أسرته لإيصاله إلى المدرسة يُعبِّر جيدًا عن أن غاية التربية عند اليونانيين كانت نقل القيم الأخلاقية والسلوكية الى التلميذ لتجعل منه مواطنًا صالحًا يسعى لبناء انسانيته وتساعده على تحقيق طموحه بأن يصبح رجلاً، باعتبار أن المدرسة حَيِّـزٌ وسيط ومكان انتقالي بين حلقة الأُسْرة وبين العالم الرحب. والتي من إحدى مهماتها جعل الطفل يكتشف مجتمع الآخرين وإتاحة الفرصة له لكي يعيش عيشًا مشتركًا” معهم. وهكذا، تكون المدرسة المكانَ الأمثل للتطبيع الاجتماعي socialisation.
ليست المدْرسة هي العالم، ولكنْ ينبغي على التربية في المدرسة أن تهيِّئ الطفلَ للعيش في العالم. ينبغي على التربية في المدرسة أن يكون طموحها الرئيسي إعداد الأطفال ليصبحوا فلاسفةً ومواطنين. وسيكون لديهم فيما بعد الوقت الكافي جداً لتحصيل المعرفة المهنية التي تتيح لهم أن يصبحوا عاملين في الحياة.
تقول الفلسفة اليونانية القديمة: “إذا كان التعليم يعلِّم “فنَّ الصنع”، فإن التربية تعلّم “فنَّ العيش”. وإذا كانت “المعرفة” مهمة من أجل “المهارة”، فإن “آداب السلوك” متطلب أساسي للعيش” وأن المدرسة هي المكان الذي ينبغي فيه على الأطفال أن يتدربوا على الفرائض الفلسفية لفن “العيش المشترك الصحيح”، وأن الخطابات الأولى فيها ينبغي أن تغذي ادراكات الطفل التي تؤكد على تنظم أخلاقَه وحسَّه وأن تعلمه أن يتعرف إلى نفسه ويعرف كيف يموت كما ينبغي، ويحيا كما ينبغي!
وبعد، فمن يعيد للمدرسة دورها وعالمها المعنوي بإثارة التحدي عند الطالب، واعداده للحياة وفن العيش المشترك في عالم مليء بالتناقضات أصبح فيه كل شيء في متناول أيدينا بفعل هذه التكنولوجيا الحديثة والاعلام السريع؟ من يعيد لها نسقها المتكامل المليء بالدلالات والرموز وقصصها في بناء الأجيال واعدادهم للحياة؟

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.