الإسلام و التعبير عن الاصطفاف الطبقي / محمد الحنفي

 

محمد الحنفي ( الأربعاء ) 1/7/2015 م …

[email protected]

مقدمة :

كثيرا ما يتحول الدين إلى تعبير أيديولوجي لطبقة اجتماعية معينة، و كثيرا ما يوظف لقمع الشعوب بدعوى عدم الالتزام بقيمه و شرائعه، و كثيرا ما يتخذ وسيلة لتغطية الكثير من مآسي الواقع المادية و المعنوية، و كثيرا ما تنسب إليه عوامل التخلف الاقتصادي و الاجتماعي و الثقافي و السياسي.

و قد كان المفروض ألا يتحول التعامل مع الدين إلى ما هو عليه من قبل البشر الذين يومنون به، إلا أن الانفراز الطبقي الذي يحدث في واقع الناس يجعلهم يوظفون جميع الإمكانيات للحفاظ على المصالح التي تخص طبقة من الطبقات و من الإمكانيات التي توظف في هذا الاتجاه الدين، أيا كان هذا الدين.

و من الأديان التي وظفت بكثافة في هذا الاتجاه الدين الإسلامي باعتباره عقيدة و باعتباره شريعة في نفس الوقت نظرا لكون الإسلام تميز عن بقية الأديان بالتنصيص على مختلف القضايا التي تهم العلاقات بين الناس بالإضافة إلى العلاقة بينهم و بين الله. سواء كانت تلك العلاقات اقتصادية أو اجتماعية أو ثقافية أو سياسية. و ذلك بحكم الشروط التي ظهر فيها الإسلام و التي اتسمت بالتحول الحاد إلى درجة القطيعة بين نظاميين اجتماعيين تختلف هويتهما الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و السياسية و العقائدية.

و لذلك فمساهمة الدعوة الإسلامية و الدفع بالصراع إلى النهاية خلق وهما لدى المتنبئين الجدد، و بأن تلك المساهمة ستبقى حاضرة في كل زمان و مكان.

و أن علينا أن نستحضر قول الرسول (ص) في عام الفتح : “من دخل البيت فهو آمن”، لندرك أن الإسلام يجب ما قبله، و ما بعده يترك للمسلمين باعتبارهم بشرا. و لندرك أيضا أن الإيمان بالإسلام يكون وراء ضرورة انتفاء الصراع بين المسلمين الذين تختلف مصالحهم الطبقية على أساس الدين الإسلامي و في إطاره إلا إذا حصل فهم يتسم بالاطلاقية و الوثوقية، يصطدم بأفهام أخرى تتسم أيضا بالاطلاقية و الوثوقية، و بما أن الاطلاقية و الوثوقية لا علاقة لها بمبدئية الحوار و بالممارسة الديمقراطية، فإن الصراع التناحري يكون هو السائد بين الحاملين للأفهام المتناقضة من اجل فرض مصالح طبقة من الطبقات باسم الدين الاسلامي و بقوة السلاح على المجتمع ككل. و هذا ما حصل في عهد الخلفاء الراشدين و خاصة بعد مقتل عثمان بن عفان ثم علي بن أبي طالب، و اصطفاف المسلمين في تيارات تتناقض مصالحها و فهمها و اعتقادها مذهبا معينا من المذاهب التي اختلفت تأويلاتها للنص الديني و خاصة ما ورد في الكتاب و السنة، و إلتماس رواية الحديث لغاية في نفس يعقوب مما يجعلنا نتساءل عن حقيقة الإسلام، هل هي ما ورد في القرآن الكريم ؟ و هل هي ما ورد في كتب الحديث ؟ هل هي ما مارسه الرسول (ص) الذي قالت عنه عائشة (ض) كان خلقة القرآن؟

حقيقة الإسلام :

إن الإجابة على هذه التساؤلات الواردة أعلاه تقودنا إلى القول بأن حقيقة الإسلام تتحقق بتحقيق الهدف من مجيئه، و هذا الهدف هو تحقيق كرامة الإنسان حتى يستطيع إخلاص العبادة لله.

فالإسلام بكل بساطة من اسلم بمعنى خضع لله و الخضوع لله يتضمن التحرر من الخضوع للبشر لأنه لا يمكن أن نتصور و لا أن نقبل كون الله غير عادل بين عباده، و هو العادل. و ليس من العدل أن يفرض الله علينا دينا يكون سببا في انقيادنا و خضوعنا للبشر. و بناء على ذلك فإن الإيمان بالعقيدة الإسلامية لا يمكن أن يحمل في مضمونه التعبير عن الانتماء إلى طبقة اجتماعية معينة، أو حزب سياسي معين، أو الولاء لدولة معينة، لأن كل ذلك من افتعال البشر في إطار العلاقات الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و المدنية و السياسية.

و هي علاقات من صنع الاجتماع البشري الحاصل بالضرورة الاجتماعية، و هو ما يتناقض مع حقيقة الإسلام إذا كان وراء هدر كرامة الإنسان الذي يطلب منه إخلاص العبادة لله.

فحقيقة الإسلام إذن لها علاقة ب :

1) تحرر الإنسان من التبعية لغير الله، لأنه حينذاك سيكون مشركا بالله سواء كانت تبعيته للأوثان أو للبشر.

2) تمتع الإنسان بحقوقه الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و المدنية و السياسية ، لأنه بدون التمتع بها لا يستطيع حفظ كرامته.

3) مساهمته و من موقعه الاجتماعي في بناء نظامه الاقتصادي و الاجتماعي و الثقافي و المدني و السياسي الذي يختاره بمحض إرادته و في إطار ممارسة الشعب الذي ينتمي إليه لحق تقرير المصير.

4) تمرسه على احترام الآراء و العقائد الأخرى التي يمكن أن يتواجد المومنون بها في المجتمع كما جاء ذلك في القرآن “يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا و بينكم أن لا نعبد إلا الله” و جاء أيضا ” لا إكراه في الدين”.

5) تحقق سعادة الإنسان المومن بالإسلام و لكن ليس بالاعتكاف فقط، أو الانقطاع في معبد إسلامي أو ممارسة الرهبنة على المسلمين، بل بتحقق العيش الكريم في إطار مجتمع بنظام ديمقراطي يحرص على تحقيق كرامة الإنسان المسلم.

فهل يمكن أن يصير الدين الإسلامي بهذا الفهم تعبيرا عن الانتماء الطبقي ؟ و ما حقيقة الانتماء الطبقي ؟ و هل يعتبر سببا في اختلاف تأويل النص الديني ؟

حقيقة الانتماء الطبقي :

إن أي مجتمع لابد أن يحصل فيه تفاوت طبقي بفعل عوامل كثيرة و متعددة نذكر منها :

1) ملكية وسائل الإنتاج الاقتصادي و الاجتماعي و الثقافي و المدني و المعرفي، ما دامت تلك الوسائل تؤدي إلى تراكم رؤوس الأموال في أيدي طبقة معينة تستفيد من فائض قيمة الإنتاج.

2) استغلال النفوذ السلطوي و السياسي و العقائدي للحصول على مجموعة من الامتيازات التي تمكن صاحبها من ملكية وسائل الإنتاج.

3) عمالة ذوي النفوذ من اجل الحصول على الامتيازات المختلفة التي تمكن من التسلق الطبقي.

4) ممارسة الإرشاء و الارتشاء من اجل الحصول على أو تقديم الامتيازات المختلفة.

و انطلاقا من وجود تفاوت طبقي فعلي كنتيجة للعوامل المذكورة يمكن أن نسجل أن الانتماء إلى طبقة معينة يتحدد بناء على حصول تراكم في رؤوس الأموال بيد طبقة معينة يمكنها من ملكية وسائل الإنتاج الكبرى أو المتوسطة أو الصغرى، و يتحدد بناء على ذلك التراكم وجود طبقة بورجوازية كبرى أو متوسطة أو صغرى، أو انعدام التراكم الرأسمالي فيضطر المحرومون إلى الاشتغال في المؤسسات الإنتاجية أو الخدماتية فيصبحون عمالا أو مستخدمين. و بالتالي فإن المحدد للانتماء الطبقي هو طبيعة العلاقة بوسائل الإنتاج، إلا أننا نجد محددات أخرى للانتماء الطبقي نذكر منها :

1) القناعة الأيديولوجية التي يحملها الأشخاص، فقد تكون أيديولوجيتهم بورجوازية أو إقطاعية أو تلفيقية، و قد تكون أيديولوجية الطبقة العاملة و سائر الكادحين.

و تلعب الأيديولوجية دورا كبيرا في تحقق الانتماء لأي طبقة محددة.

2) الانتظام في حزب يتبنى أيديولوجية طبقة معينة كالحزب الإقطاعي و الحزب البورجوازي و أحزاب البورجوازية الصغرى و حزب الطبقة العاملة.

3) تبني موقف سياسي محدد ينسجم مع طبيعة التنظيم المنسجم مع الأيديولوجية.

و هكذا نجد أن تحديد الانتماء إلى طبقة معينة لا يتحدد بناء على عقيدة دينية معينة، و إلا فإننا سنجد أن الديانات بعدد الطبقات الاجتماعية و أن الناس سيغيرون عقيدتهم بمجرد الانتقال من حزب إلى آخر كما تتغير الأيديولوجية. و على هذا الأساس يمكن أن نسمي ديانة معينة بديانة الإقطاعيين أو البورجوازيين و ديانة أخرى بديانة الكادحين، و لكل مؤسساته الدينية … الخ. و كل ما في الأمر أن الطبقة المستغلة توظف الدين توظيفا أيديولوجيا من اجل تضليل الطبقات الاجتماعية التي يمارس عليها الاستغلال حتى تعتبره قدرا من الله، و تحلم بالجنة يوم القيامة، و هو ما يحصل في حياتنا العامة حيث نجد استلاب الكادحين بسبب التضليل الأيديولوجي الموظف للدين فيتحول المستغلون إلى مدافعين عن الأحزاب الإقطاعية أو البورجوازية كما يحصل في مختلف مواقع الإنتاج.

أما الدين الإسلامي الحنيف فلا يمكن أن يكون سببا في تحديد الانتماء إلى طبقة معينة، و هذا هو الأصل فيه، و هكذا سيبقى إلى ما شاء الله خلافا لما يدعيه المتنبئون الجدد من كون الدين الإسلامي معبرا عن رغبة طبقة معينة تسعى إلى تأبيد سيطرتها على المجتمع و على الطبقات الكادحة بالخصوص.

الإسلام و التعبير عن هوية اليمين و اليسار :

يقول الله تعالى : ” إن الدين عند الله الإسلام” و ورود هذه الآية الكريمة بصيغة الجملة الاسمية المؤكدة له دلالة التخصيص بأن الدين لله و ليس للبشر، و ذلك كاف للقول بأن الدين الإسلامي ليس للبشر، أي  ليس من خلق البشر اعتباره تعبيرا اجتماعيا عن طبقة ما، أو عن حزب ما انه لله، و من حق كل إنسان الإيمان به بقطع النظر عن كونه ينتمي إلى هذه الطبقة أو تلك ،إلى هذا الحزب أو ذاك.

و كون الناس يصطفون بحكم انتمائهم الطبقي و قناعتهم الأيديولوجية و تنظيمهم الحزبي، و موقفهم السياسي إما في صف اليمين أو في صف اليسار أو في صف الوسط. فإن ذلك الاصطفاف لا يجيز احتكار الدين الإسلامي أو اعتباره عاملا من عوامل الانتماء الطبقي أو الحزبي أو السياسي كما يحصل الآن. و هذه المسألة حسم فيها الإسلام نفسه فقد ورد في الحديث النبوي الشريف ” الناس كأسنان المشط” و ورد فيه أيضا “لا فرق بين عربي و عجمي و لا بين ابيض و اسود إلا بالتقوى” و هي أحاديث تضع النقط على الحروف، و تنفي عن الإسلام كونه تعبيرا سياسيا، لأن التعبير السياسي ممارسة اجتماعية حزبية و طبقية، و هو أمر لا دخل للدين  الإسلامي فيه، لأن كل من آمن بالإسلام يمكن أن يكون عاملا أو عاطلا، بورجوازيا كبيرا أو متوسطا أو صغيرا متحزبا أو غير متحزب ذا موقف سياسي أو لا موقف له، فجميع الناس مهما كان جنسهم أو جنسيتهم أو ألوانهم أو لغتهم، يمكن أن يعتنقوا الإسلام بمجرد قولهم : (اشهد أن لا اله إلا الله و أن محمدا رسول الله) و لا أحد يستطيع أن يمنعهم من ذلك.

و هكذا نجد أن الدين الإسلامي يشكل عامل وحدة عقائدية و روحية و تربوية و عامل تهذيب للسلوك الاقتصادي و الاجتماعي و الثقافي و السياسي من اجل الارتقاء بالمجتمع إلى حفظ كرامة الإنسان.

و لذلك لا يمكن أن يكون  تعبيرا عن الانتماء إلى الطبقات و لا عن الأحزاب اليمينية أو اليسارية انه الإسلام البريء من كل ذلك كما قال الله تعالى في سورة النور ” الله نور السموات و الأرض مثل نوره كمشكاة فيها مصباح، المصباح في زجاجة الزجاجة كأنها كوكب ذري يوقد من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية و لا غربية” و هذا القول الفاصل يؤكد أن الإسلام لكل الناس في أي مكان و في أي زمان و لا يحق لنا أن نعتبره أيديولوجية طبقة من الطبقات، أو حزب من الأحزاب.

و الذين يعتبرونه كذلك يمارسون أشكالا من التحريف، سيتصدى لها المتنورون من اجل فضحها و تعريتها، ليس دفاعا عن الإسلام لأنه ليس في حاجة إلى من يدافع عنه بل من اجل معرفة الحقيقة التي تقطع الطريق عن كل مدع من المتنبئين الجدد الذين لا يتركون فرصة تمر دون أن يمارسوا التحريف بتأويلاتهم المغرضة التي تجعل الدين الإسلامي في خدمة انتمائهم الطبقي و حزبيتهم و موقفهم السياسي.

التوظيف الأيديولوجي للإسلام :

و المتنبئون الجدد المشغولون بهم تسييس الدين الإسلامي يسعون باستمرار إلى جعل النص الديني في خدمة الموقف السياسي، فيتحول النص الديني بذلك إلى اتجاه أيديولوجي معبر عن مصالح طبقة اجتماعية معينة، تسعى تلك الطبقة إلى تحقيقها بواسطة الانتظام في حزب معين يوصف بالإسلامي.

و عندما يدعي المتنبئون الجدد أن “الإسلام دين و دولة” يحشرون الإسلام في خانة السياسة مما يجعلنا نتساءل :

من هي الطبقة التي يحق لها أن تؤطر المجتمع، و أن تقوده في اتجاه تحقيق الدولة الإسلامية ؟

من هو الجنس البشري الذي يحق له زعامة ذلك، هل هو جنس الذكور أم جنس الإناث ؟

و إلى أي جنسية ينتمي المتزعمون لحركة تحرير الدولة الإسلامية و هل يمكن  للغة من اللغات أن تكون وسيلة لتأطير المجتمع في هذا الاتجاه ؟

و عندما نطرح هذه التساؤلات فلأننا نسعى إلى معرفة حقيقة الإسلام و إسلام الحقيقة.

و ما نعرفه و نتأكد منه هو أن ممارسة الأيديولوجية تضلل الناس و توهمهم بأشياء قد لا يمكن أن تتحقق – ما لم تكن تلك الأيديولوجية علمية – على ارض الواقع و هذا ما يدفعنا إلى القول بأن الدولة الإسلامية التي يقول بها المتنبئون الجدد ليست إلا وهما أيديولوجيا. و هي إذا تحققت فإن تحققها لا يعني إلا تمكن طبقة اجتماعية معينة من الوصول إلى امتلاك السلطة لتسخير باقي الطبقات لخدمة مصالحها، و لكنها في هذه الحالة باسم الدين الإسلامي و الشريعة الإسلامية اللذين يتحولان في ظل الدولة الإسلامية إلى أداة قمعية تحول دون ممارسة مختلف الحريات و دون التمتع بالحقوق الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و المدنية و السياسية و هو ما يتنافى مع الدين الإسلامي نفسه، كما يحصل في العديد من الدول التي تعتبر نفسها – دولا إسلامية-.

إننا نعيش كمن عاش قبلنا، اكبر عملية لتحريف الدين الإسلامي الحنيف، الذي يتحول عند المتنبئين الجدد إلى مجرد أيديولوجية و هو ما يقتضي التصدي له لابعاد الدين الإسلامي عن كل ممارسة من هذا النوع التي تحوله إلى دين الإرهاب المادي و المعنوي و هو ما يتنافى مع طبيعته السمحة كما يتنافى مع مبدأ الترغيب في اعتناقه عن طريق الإقناع و الاقتناع.

فالتوظيف الأيديولوجي للدين الإسلامي هو ممارسة طبقة حزبية يقودها عتاة المتنبئين الجدد و يروج لها أذنابهم الذين لا يتجاوزون أن يكونوا ببغاوات يرددون الشعارات التي يصوغها المتنبئون الجدد و التي يسمونها – الإسلام- و – الإسلامية- و – الدعوة الإسلامية من اجل تحقيق الدولة الإسلامية-.

و ما دام التوظيف الأيديولوجي للدين الإسلامي هو ممارسة طبقية فإنه لا علاقة له بحقيقة الإسلام، و إسلام الحقيقة الذي يساوي بين الناس و يجعل أمرهم شورى بينهم ” و المومنون و المومنات بعضهم أولياء بعض” و “أمرهم شورى بينهم”.

و إذا حاول المتنبئون الجدد إيهامنا بأن –الجهاد- الذي يمارسونه من اجل المحافظة على الإسلام و الدفاع عنه ضد كل ما يسيء إليه نقول لهم بأن الدين الإسلامي جاء للناس جميعا سواء كانوا في الشرق أو في الغرب، في الشمال أو في الجنوب، في السماء أو في الأرض و بالتالي فإن المحافظة عليه هي مهمة إنسانية صرفة.

و الدليل على أن ادعاءاتهم هي ممارسة أيديولوجية صرفة هو أن :

1) دعوتهم إلى تحقيق –الدولة الإسلامية- هي دعوة سياسية و السياسة ليست لها علاقة بالدين بقدر ما لها علاقة بالأيديولوجية كما تدل كل الوقائع على ذلك سواء تعلق الأمر بصياغة البرنامج السياسي أو تعلق بالممارسة اليومية أو بالهدف من تلك الممارسة.

2) اصطفافهم في أحزاب أو تيارات سياسية، و هو ما يخرجهم عن كونهم يسعون إلى المحافظة على الدين الإسلامي و يحشرهم ضمن الساعين المتحركين من اجل تحقيق المصالح الطبقية.

3) و لدعم تحركهم السياسي و اصطفافهم الحزبي فإن المتنبئين الجدد يلجؤون إلى تأسيس النقابات من اجل تكريس المزيد من التضليل في صفوف الشغيلة المعانية من القهر الاقتصادي و الاجتماعي و الثقافي و السياسي حتى تقبل ممارسة التجييش في صفوفها و توظف لإفشال كل حركة تحررية فعلية خاصة إذا كانت من تلك التي يصنفونها ضمن خانة –الخطر الشيوعي- كما يحلو لهم ذلك خدمة للرأسمالية الهمجية التي تؤطر عولمة اقتصاد السوق، و انقيادها حتى تقدم المزيد من الدعم للمتنبئين الجدد.

عقدة اليمين و التوظيف الأيديولوجي :

و المتنبئون الجدد عندما يوظفون الدين الإسلامي أيديولوجيا فلأنهم يسعون إلى جعله تعبيرا عن تطرفهم اليميني الذي لا ينتعش إلا في ظل تعميق الأزمة كما يحصل الآن في ظل عولمة اقتصاد السوق و سيادة الرأسمالية المتوحشة و التسريح الجماعي للشغيلة على المستوى العالمي حتى يبشر المتنبئون الجدد بشعارهم الأيديولوجي “الإسلام هو الحل”. و هو شعار لا يزيد الأمر إلا تضليلا فكأن الإسلام هو مشروع اقتصادي و اجتماعي و ثقافي و سياسي يمكن تحقيقه على ارض الواقع و الأمر ليس كذلك فالإسلام عقيدة و إطار للتربية الروحية التي تعد  الإنسان لحفظ كرامته.

و التعامل مع الإسلام كمشروع يهدف إلى تحقيق أمرين سياسيين لا ثالث لهما :

الأمر الأول : إبعاد إمكانية التفكير في القضاء على النظام الرأسمالي المتوحش عن طريق الدفاع عن إسلامية الملكية الجماعية لوسائل الإنتاج والسكوت عن كل الممارسات الهمجية للرأسمالية المتوحشة في حق الشعوب في آسيا و إفريقيا و أمريكا اللاتينية و حق الشغيلة في جميع أنحاء العالم.

و الأمر الثاني : محاربة الحركة التحررية التي تسعى إلى القضاء على الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج تحت يافطة – محاربة المد الشيوعي – الذي لم يعرف بعد، و يعتبرون الحركات التحررية ملحدة، مع أن البحث في أعماق الإنسان هي مهمة مستحيلة، لأنها تدخل في علم الغيب. فالحركات التحررية التي يحاربونها باسم الدين الإسلامي تسعى إلى تحقيق العدالة الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و المدنية و السياسية في إطار دولة الحق و القانون التي يتساوى فيها جميع الناس أمام القانون، و يتمتعون بجميع الحقوق.

و لذلك فاعتماد الإسلام أيديولوجية للأحزاب و التيارات المسماة إسلامية يعتبر تعديا على المعتنقين للدين الإسلامي لأنه يخصص ما هو مؤمم بين المسلمين و يملك ما هو مشاع بين الناس جميعا.

و من احترام الإسلام و المسلمين، إبقاء العقيدة بعيدة عن كل استغلال سياسي أو حزبي أو نقابي و إعطاء الفرصة للمسلمين كبشر ليختاروا انتماء يتناسب مع قناعاتهم الأيديولوجية المعبر عنها في إطار حزب معين و نقابة معينة تحترم الدين الإسلامي، و تبتعد عن توظيفه لأغراض سياسية أو حزبية أو نقابية من اجل تشويه صورة اليسار و إقصائه من وجدان الجماهير الكادحة و ذلك شكل من أشكال التعدي على هذه الجماهير التي لا تتخندق في التنظيم الذي يتناسب معها و مع موقعها الطبقي، مما يؤهلها لخوض صراع طبقي حقيقي بمستوياته المختلفة بعيدا عن التوظيف الأيديولوجي للدين الإسلامي.

حقيقة اليسار و أيديولوجية الكادحين :

فما هو اليسار الذي يوظف الدين الإسلامي لمحاربته ؟ و ما هي الأيديولوجية التي يقتنع بها ؟ و هل تتناقض مع الدين الإسلامي ؟

فاليسار كل ما يتناقض مع اليمين، فإذا كان اليمين يجنح إلى المحافظة و إبقاء الوضع على ما هو عليه خدمة لمصالح الطبقة الحاكمة الإقطاعية و شبه الإقطاعية أو البورجوازية، فإن اليسار ينزع إلى تغيير الأوضاع الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و المدنية و السياسية لصالح الجماهير الشعبية الكادحة.

و إذا كان اليمين يتبنى الأيديولوجيات التقليدية أو البورجوازية المعبرة عن المصالح الطبقية للمستغلين كيفما كان لونهم الطبقي فإن أيديولوجية اليسار هي أيديولوجية الكادحين التي ليست إلا الاشتراكية العلمية.

و إذا كانت أيديولوجية الكادحين تسعى إلى التحرر و الديمقراطية و تحقيق العدالة الاجتماعية فإن أيديولوجية اليمين التي تستغل الدين الإسلامي و تؤدلجه، تسعى إلى المحافظة على الاستغلال و إبقاء الوضع على ما هو عليه.

و إذا كان الدين الإسلامي في اصله يسعى إلى تحقيق كرامة الإنسان، فإن أيديولوجية الكادحين تسعى إلى تحقيق نفس الهدف عن طريق توفير الحقوق الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و المدنية و السياسية باعتبارها مقومات تحقيق كرامة الإنسان.

و هكذا نجد أن جوهر أيديولوجية الكادحين التي تجند المتنبئون الجدد لتشويه صورتها من خلال نعتها بما يتنافى مع حقيقتها الأيديولوجية التي تتخذ صفة العلم و المنهج العلمي دون سائر الأيديولوجيات، و من علميتها  قولها بدور الدين الإسلامي في توجيه وجدان المسلمين و تربيتهم على التحلي بقيم الفضلية.

الإسلام دين جميع الطبقات :

و انطلاقا من وحدة هدف الدين الإسلامي و أيديولوجية الكادحين فإننا نتساءل هل الدين الإسلامي خاص بطبقة معينة ؟ أم انه دين جميع الطبقات ؟

و للإجابة على هذا التساؤل علينا أن نفرق بين الإسلام الموظف أيديولوجيا و بين الدين الإسلامي الذي يعتنقه جميع المسلمين مهما كانت الطبقة أو الطبقات التي ينتمون إليها و مهما كان الحزب الذي ينتظمون فيه من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار.

فالإسلام الموظف أيديولوجيا لا يخص إلا الطبقة التي توظفه و هو من تأويل المتنبئين الجدد الذين يتنبئون بما يخدم مصلحة طبقة اجتماعية يمينية متطرفة، أو يمينية إقطاعية أو بورجوازية، و تأويلات المتنبئين الجدد يمكن أن تضلل المسلمين البسطاء و الكادحين، و لكنهم سرعان ما يكتشفون ذلك التضليل فيميزون بين الأيديولوجية التي تلبس الدين الإسلامي، و بين الدين الإسلامي الحقيقي.

أما الدين الإسلامي الحقيقي فهو الذي ينفذ إلى أعماق الوجدان دون ما حاجة إلى إذن، نظرا للتربية الروحية و الوجدانية و الفكرية التي يتلقاها الأبناء من الأباء و بسبب ذلك يصبح الدين الإسلامي دينا لجميع الطبقات الاجتماعية على أساس المساواة و العقيدة و الاختلاف في الأيديولوجية.

و عقيدة المسلم هي نفسها سواء كان إقطاعيا أو بورجوازيا، كبيرا أو متوسطا أو صغيرا، أو عاملا أو فلاحا متعلما أو أميا. كما جاء في الحديث الشريف “الناس كأسنان المشط” و كما جاء أيضا في الحديث الشريف “لا فرق بين عربي و عجمي و لا بين ابيض و اسود إلا بالتقوى).

براءة الإسلام من التوظيف الأيديولوجي :

و انطلاقا من كون العقيدة الإسلامية دينا للجميع، فإن توظيف هذه العقيدة أيديولوجيا يجعلها عقيدة لا تصلح إلا لطبقة معينة دون سائر الطبقات الاجتماعية، و هو ما يعتبر إساءة إلى الإسلام الذي يصبح محصورا في الطبقة التي توظفه و تتمظهر بتوظيفه على مستوى اللباس الخاص بالرجال و الخاص بالنساء. بالإضافة إلى شكل الالتحاء الذي يختلف من المنتمين إلى تيار أو حزب معين إلى المنتمين إلى تيار أو حزب آخر حسب درجة الاعتدال و التطرف.

و هذا التوظيف المتعدد، و التمظهر المختلف ينافي حقيقة الإسلام الذي يرى أن –الإنسان بأصغريه بلسانه و قلبه- و يتعامل مع الناس جميعا على أساس المساواة فيما بينهم، و هذا التنافي الحاصل بين التوظيف الأيديولوجي للإسلام و بين حقيقة الإسلام يجعل الدين الإسلامي بريئا من كل ما يلتصق به مما لا تتحقق معه كرامة الإنسان، و لا يكون سببا في جذب الناس إليه. و المتنبئون الجدد الذين ينسبون للإسلام تأويلاتهم المغرضة يتحملون مسؤولية الإساءة إلى الدين الإسلامي الذي تحول بتأويلاتهم و ممارساتهم إلى قوالب جاهزة، و سيفند التاريخ كل ادعاءاتهم التي لا تتناسب مع القول –الإسلام صالح لكل زمان و مكان- الذي يستوعب معنى التحول و التطور الذي يحصل في الواقع المتحرك و في جميع المجالات الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و المدنية و السياسية.

براءة اليسار من الإساءة إلى الدين :

و على خلاف ما يدعيه المتنبئون الجدد، فإن اليسار لا يمكن أن يتحمل مسؤولية الإساءة إلى الدين خاصة و أن قوانين الاشتراكية العلمية تقر بأن الدين الإسلامي من مكونات و مقومات الشعوب التي تومن به، و لذلك فلا يمكن أبدا أن تدخل في تناقض معه كما دخلت مع المسيحية السائدة في واقع مختلف باعتبارها ديانة لحقها تحريف كما ورد في القرآن الكريم ” و قالت النصارى المسيح ابن الله” “إن الله ثالث ثلاثة”.

و أن اليسار الذي يقتنع بقوانين الاشتراكية العلمية التي يهاجمها و دون هوادة المتنبئون الجدد يقر بالجوانب الروحية و يعتبرها مساهمة بشكل كبير في صياغة وحدة المسلمين القومية و الفكرية و يرى أن لها دورا فعالا في تكريس مبدأ الحوار بين أفراد المجتمع. و الدين الإسلامي يلعب دورا كبيرا في إغناء الجوانب الروحية عن طريق التربية و التهذيب و زرع قيم الفضيلة التي تكرس مبدأ احترام الإنسان الذي يعتبر منطلقا لكمال الإيمان كما جاء في الحديث الشريف ” و الله لا يومن و الله لا يومن و الله لا يومن قيل من يا رسول الله قال الذي لا يأمن جاره بوائقه”.

و يسار من هذا النوع في البلاد الإسلامية لابد ان يحمل فهما صحيحا لقوانين الاشتراكية العلمية و للدين الإسلامي. و من التجني على اليسار قيام المتنبئين الجدد بإطلاق الأوصاف الدنيئة و المنحطة في حق المنتمين إليه و خاصة عندما يتهمونهم بالإلحاد، هذا الاتهام الذي يعتبر ممارسة أيديولوجية صرفة، و ما دامت كذلك فهي تدخل ضمن الوهم الأيديولوجي الذي لا يجوز اعتماده مقياسا للحقيقة مما يوصلنا إلى القول ببراءة اليسار مما ينسب إليه. و هو أمر يجب تسليط المزيد من الأضواء عليه لتفنيد ادعاءات المتنبئين الجدد التي تجانب الواقع جملة و تفصيلا.

حزبية المصالح و لا حزبية الإسلام :

و إذا ما تأكد لدينا أن الدين الإسلامي الحنيف بريء مما يلصق به و أن اليسار بريء مما ينعت به من قبل المتنبئين الجدد، فإننا نصل إلى أننا نستطيع أن نقول : إن الحزبية قائمة على المصالح الطبقية لا على شيء آخر فانقسام المجتمع إلى طبقات يساهم في تحديد مصلحة كل طبقة على حدة و بسبب المصالح الطبقية يحدث صراع اقتصادي و اجتماعي و ثقافي و مدني و سياسي، يقتضي قيام تنظيم ينظم عمل المنتمين إلى طبقة معينة من اجل المحافظة على المصالح الطبقية المختلفة، و بذلك تكون الحزبية قائمة على تناقض المصالح المختلفة.

أما الدين الإسلامي، و كما أثبتنا ذلك في الصفحات السابقة فهو عقيدة يمكن أن يعتنقها أي كان، و مهما كانت الطبقة التي ينتمي إليه، و من باب التجني على الدين الإسلامي تحزيبه، لأن ذلك سيجعله معبرا عن مصالح طبقية معينة دون سائر الطبقات و هو ما لا يقبل عقلا و منطقا.

و الذين يعملون على تحزيب الإسلام و يمارسون ذلك على ارض الواقع تمظهرا أو تنظيما أو إعلاما، يتطاولون على الدين الإسلامي الحنيف، و يختزلونه في التعبير الأيديولوجي و هو اختصار يجب نبذه حتى يبقى الدين الإسلامي للجميع من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار.

حقيقة حزب الله، و حقيقة حزب الشيطان :

و قد يقول قائل إن تحزيب الدين الإسلامي ورد في القرآن الكريم، كما ورد ذكر حزب الشيطان، و لكن ما هو مفهوم حزب الله ؟ و ما مفهوم حزب الشيطان ؟

إن مفهوم حزب الله حسب غاية الدين الإسلامي يقتضي عمل الناس الجماعي القائم على تصريف التوجيه الديني لاعداد ناشئة من اجل الوصول بهم إلى الحرص على حفظ كرامتهم بالتحرر من التبعية للبشر الذين يستغلون نفوذهم لاخضاعهم من اجل خدمة مصالحهم المختلفة باسم الدين و إخلاص العبادة لله وحده. و هذا المفهوم هو الذي يجب أن يتحقق على ارض الواقع لتجنيب الناس الوقوع في منزلق الاصطفاف الحزبي و الطبقي على أساس ديني، و هو ما يتنافى مع الدين الإسلامي نفسه، و لا يحق لأي كان اعتماد اسم حزب الله لتنظيم البشر لتحقيق مصالح طبقية معينة كما يحصل في العديد من مناطق العالم.

فمفهوم حزب الله المشار إليه في الآية الكريمة “أولئك حزب الله ألا حزب الله هم المفلحون” يشمل جميع المومنين الذين يحملون فهما صحيحا للدين الإسلامي و يتجنبون ممارسة الرهبنة “لا رهبانية في الإسلام” و يسعون إلى إشاعة الدين الإسلامي بين الناس و جعله كالماء و الهواء، لا يعيش الناس بدونه و بمحض إيمانهم به و دون ضغط ،و من أي جهة كانت ” لا إكراه في الدين”.

لذلك فحقيقة حزب الله لها علاقة بالإيمان الصادق و العمل الهادف إلى حفظ كرامة الإنسان التي أكد الله على تحقيقها في قوله في سورة الإسراء ” و لقد كرمنا بني آدم” حتى لا يترك للبشر ذلك، لأن البشر يتصرفون من منطق مصلحتهم الطبقية.

أما مفهوم حزب الشيطان، فينصرف على أولئك الذين يسعون إلى إهدار كرامة الناس، على خلاف ما أراد الله من الدين الإسلامي. و لا يهم إن كانوا يوظفون أشياء لا علاقة لها بالإسلام، أو يسعون إلى توظيف الدين الإسلامي عن طريق أدلجته، و جعله وسيلة لتحقيق مصالح طبقية حتى و إن كان الحزب يحمل اسم (حزب الله) فحزب الشيطان ذو غاية نقيضة لغاية حزب الله يجعل البشر يصطفون وراء شخص أو وراء فكرة خاطئة بعيدا عما يقتضيه الواقع الاقتصادي و الاجتماعي و الثقافي و المدني و السياسي، و ما تقتضيه وحدة العقيدة الإسلامية، من اجل اللعب بعواطف الناس و بقناعاتهم وصولا إلى إشاعة الشعوذة و الخرافة في المجتمع و جعل الناس ينشغلون بذلك عن العقيدة، و عن الواقع، و إذا تم توظيف الدين الإسلامي لهذه الغاية فإن ذلك يكون سببا في فساده و في تحريفه عن الغاية التي جاء من اجلها.

و لعل الكثير من الكتب المتداولة تنحو هذا المنحى و تساهم في إعطاء صورة مشوهة عن الدين الإسلامي، هذه الكتب تعتبر من أهم إنتاجات المتنبئين الجدد الذين يتحركون تجاه الإسلام انطلاقا من مصلحتهم الطبقية، فيحرفونه، و يحزبونه و يوهمون البسطاء من المسلمين بأن ما ينظمونه هو حزب الله و هو أمر يجانب حقيقة الإسلام نفسه و حقيقة حزب الله و يوافق حقيقة حزب الشيطان.

الإسلام الحزبي و الحزب الإسلامي… أية آفاق ؟ :

فما مستقبل الإسلام الحزبي ؟ و ما مصير الحزب الإسلامي ؟

إن مهمة توضيح حقيقة الإسلام و كشف أشكال التحريف التي لحقت به و بشكل موضوعي و دون خوف من إرهاب المتنبئين الجدد و دون السقوط تحت طائلة إغراء المستفيدين من الإسلام الحزبي و الحزب الإسلامي، ستنقل الوعي المتقدم إلى وجدان الناس، و سترفع مستواهم الفكري و ستجعلهم يطرحون التساؤلات حول الغاية من الإسلام الحزبي و الهدف من تنظيم الحزب الإسلامي و طرح التساؤلات سيعتبر بداية البحث عن الأجوبة التي ستعتبر في حالة الوصول إليها رفضا للإسلام الحزبي و نبذا للحزب الإسلامي. و ستتكرس ممارسة حقيقة الإسلام الذي يجب أن يكون لله، و أن الإيمان به يكون حقا لجميع الناس لا فرق في ذلك بين من ينتمي إلى هذه الطبقة أو تلك، و لا بين من ينتمي إلى هذا الحزب أو ذاك.

إن تصحيح مسار حقيقة الإسلام يقتضي إعادة تشغيل وعي الناس الاقتصادي و الاجتماعي و الثقافي و المدني و السياسي، و استعادة الثقة في التنظيمات الحزبية و الجماهيرية القائمة على أسس غير دينية، و وضع حد لأشكال الفساد التي تنخر كيان المجتمع و محاربة أشكال الوعي الزائف التي تغزو عقول الناس.

و لاشك أن التصدر لظواهر تحريف الإسلام من قبل المتنبئين الجدد سيمهد الطريق أمام امتلاك وعي حقيقي بحقيقة الإسلام. مما سيكون سببا في تقليص مساحة المد الإسلامي الزائف، و سيضع حدا لعملية تخريب الدين الإسلامي الذي سيصبح منبوذا.

و بذلك نصل إلى أن مستقبل الإسلام الحزبي، و الحزب الإسلامي سيكون متوقفا على الدعم الخارجي و دعم الإقطاعيين و  البورجوازيين المستفيدين من ذلك و في حالة توقفه سوف يفقد المتنبئون الجدد القدرة على شراء الضمائر و القدرة على ترويج الأفكار الزائفة و المحرفة لحقيقة الإسلام. و سيفقد الإسلام الحزبي و الحزب الإسلامي بريقهما لتعود المكانة إلى الإسلام الحقيقي الذي يحفظ كرامة الإنسان.

خاتمة

و ما يمكن أن نستخلصه مما سبق هو أن الدين الإسلامي الحنيف لا يمكن أن يقف وراء الاصطفاف الطبقي، و أن التحريف الذي يقوم به المتنبئون الجدد هو الذي يجعل الدين الإسلامي المحرف يقود إلى التوظيف الأيديولوجي الذي خلق وهما في صفوف الجماهير المسلمة الكادحة المعانية من الفقر و الظلم و الاستبداد، بأن الإسلام هو الحل. و هو وهم أيديولوجي لا يزول إلا بتحمل المتنورين مسؤولية بيان و توضيح أنواع المغالطات و الأوهام الأيديولوجية التي لحقت الإسلام و هو بيان و توضيح لا يتم إلا بمحاصرة أشكال الإرهاب المادي و المعنوي التي يلجأ إليها المتنبئون الجدد لإسكات الأقلام الحرة و قمعها و محاصرتها حتى  لا تؤدي دورها التاريخي في جعل الإسلام بريئا من كل تضليل أيديولوجي. و محاصرة الإرهاب لا تتم إلا بممارسة الديمقراطية الحقة التي يعتبر النضال من اجلها مهمة مجتمعية تاريخية حتى يتمتع الجميع بالحقوق الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و المدنية و السياسية باعتبارها مضامين الممارسة الديمقراطية التي يأتي في إطارها التشبع بقيم الدين الإسلامي بمحض الإيمان به، و دون غاية سياسية أو حزبية ضيقة تجعل الإسلام مجرد وهم أيديولوجي.

فالإسلام و الديمقراطية وجهان لحقيقة واحدة و هذه الحقيقة هي كرامة الإنسان التي لا تتحقق إلا بالإيمان الصادق الذي لا يلغي الحق في الممارسة الديمقراطية.

فهل يمتنع المتنبئون الجدد عن تحريف الدين الإسلامي الحنيف و الإمساك عن التوظيف الأيديولوجي لنصوصه ؟

يقول أحد الشعراء :

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا               و يأتيك بالأخبار من لم تزود

محمد الحنفي

المغرب ابن جرير في 04/07/2001

 

 

 

 

 

 

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.