وصفي .. وثقافة فن الحياة / عبدالحفيظ سليمان ابوقاعود
عبدالحفيظ سليمان ابوقاعود* ( الأردن ) الثلاثاء 27/11/2018 م …
* صحافي ومحلل سياسي / رئيس تحرير ” الأردن العربي ”
تجربة الاتحاد الوطني كمنبر سياسي لتنظيم عرب الاردن ، التي طرحها وصفي التل ” قبيل اغتيالة ، ولم ترى النورلاسباب معروفة ، لتفضي في نهاية المطاف في مرحلة لاحقة الى تعددية سياسية عبرعملية التأهيل لممارسة العمل الحزبي في انتاج “الطبقة الحاكمة” للتناوب السلمي على السلطة سلما ؛ كانت الخطوة الاولى في ” ثقافة فن الحياة” ” الديمقراطية.
فالوصفية كمدرسة سياسية لتيار “الوطنية الاردنية”، وأدت في الخداج لاسباب تتعلق في تغيير النهج السياسي لمسار وظيفة النسق في اطار النظام الدولي، الذي وجد في الاساس من اجلها لادامة وخدمة المشروع الصهيوني في فلسطين المحتلة .
تمر الذكري السابعة والاربعين لاستشهاد وصفي والحكومات في البلاد اصغر ، لكن هذه الحكومات تحظى بثقة ” العبدلي ” على الدوام بدعم مباشر من المرجعية العليا و”المنظومة الامنية السياسية”، التي اصبحت لها اليد الطولى في ادارة مجتزات النسق للابقاء على “الوظيفة الاقليمية ” للنسق في مسارها الطبيعي المطلوب من الوصي الدولي ,التي لايمكن بدونها الاستمرار في اداء المهمة الموكولة اليها من ارباب النظام العالمي واداواته .
لقد اصبحت “المؤسسات السيادية” الموازية بعد غياب مشروع “الزعيم الوطني ” لادارة البلاد وتخليصها من تبعات “الوظيفة الاقليمية” المتجددة ؛ هياكل لا روح فيها لانقاذ البلاد من الفساد والافساد السياسي والاداري والمالي التي تنخر في مؤسسات النسق من القمة الى القاعدة ، دون حلول ناجعة للاصلاح العام في ابعادها الثلاثية المتلازمة ؛ اصلاح النظام .. و”الموروث الشعبي” المنهاج الكلوبي المتوارث ، والدين في بعده السياسي لا العقائدي.
غياب “وصفي “عن ساحة العمل السياسي والعام على الصعيدين الوطني والقومي منذ العام 1971 بالاغتيال السياسي في القاهرة بالتواطؤ المكشوف من الاجهزة الاستخبارية الساداتية والامريكية ؛ ادى الى وأد تجربة التأهيل لممارسة العمل الحزبي في جانبه السياسي للانخراط في ثقافة فن الحياة ” الديمقراطية ، والانتقال الى ” العمل المقاوم ” لتحرير الارض والانسان العربي لعرب الاردن وفلسطين عبر بناء مجتمع القوة العربي ” المجتمع المحارب ” ، التي اغتيل وصفي من اجلها.
تجربة الاتحاد الوطني كمنبرسياسي ؛ كانت مقدمة اولى لتنظيم قوى الشعب في منبر سياسي لممارسة العمل الحزبي والمقاوم في الاردن ،وبناء الدولة المدنية الديمقراطية المنتجة ،التي تتناوب مكوناتها السياسية والاجتماعية السلطة سلما . لكن الاحداث السياسية اللاحقة لعملية الاغتيال في المنطقة والاقليم ؛ كانت محطات لمسارين هما ؛ الاستسلام الساداتي الذي بدأ بقرار الرباط 1974، وزيارة السادات للقدس المحتلة والقاء خطاب في الكنيست الاسرائيلي في العام 1977، يعلن فية خروج مصر من معادلة الصراع العربي الصهيوني ، وانهاء شراكة حرب اكتوبر/ تشرين بين “الاسد والسادات” ، وتوقيع كامب ديفيد ” التولي ” المقصود في الاية 38 من سورة محمد،وانبلاج الثورة الاسلامية الايرانية في العام 1979،واندلاع الحرب العراقية الايرانية عام 1980، وبناء محور المقاومة بتحالف “سورية الاسد” مع ايران ؛ الثورة الاسلامية والدولة المدنية لتأسيس نواة محور المقاومة بقيام حزب الله ، بعد خروج قوات منظمة التحرير الفلسطينية من لبنان الى تونس واليمن 1982، ودخول قيادة فتح بمفاوضات سرية مع إسرائيل ، وتأسيس الولايات المتحدة الامريكية “منظومة التحالف الامني الاقليمي ” ، بتوقيع واشنطن وتل ابيب معاهدة التعاون الاستراتيجي بينهما في العام 1988، ودخول القوات العراقية الكويت 1990، وخروجها منها في 1991، واستكمال حلقات كامب ديفيد في اوسلو 1993، ووادي عربة/2، في العام 1994، وتحرير الجنوب اللبناني 2000 ،والاحتلال الامريكي للعراق 2003، وحرب تموز 2006، وحروب تدمير غزة ؛ شكلت هذة الاحداث منطلقات تاريخية لصراع بين محورين هما:-
– محورالاستسلام الساداتي ويضم منظومة التحالف الامني الاقليمي باشراف الولايات المتحدة الامريكية وبالتنسيق مع إسرائيل ، حيث الشروط الصهيونية والاملاءات الامركية الثلاث للانظمام في المنظومة .
– محورالمقاومة العربي الاسلامي ويضم سورية وايران وحزب الله والمقاومة العربية والاسلامية .
وكانت اتفاق ” وادي عربة الاول في منطقة الحويرة في العام 1919 بين حاييم وايزمن رئيس الوكالة اليهودية والملك فيصل الاول ، التي وقعت بينهما لاحقا اتفاقية في باريس ، قد رسمت خرائط المنطقة ومسارالعلاقات بين العرب واليهود حول مستقبل فلسطين التاريخية .
وكان لقاء وايزمن – “فيصل الاول” في منطقة الحويرة بوادي عربة في العام 1919 ،وتوقيع اتفاقهما في باريس في ذات العام ، بالاضافة الى وعد بلفور 1917،اوجب تعديل سايكس بيكو 1916،التي كانت فلسطين بموجبة “دولية ” ، لتكون تحت الانتداب البريطاني لتسهيل احتلالها من قبل العصابات اليهودية ،ولتكون الاراضي المشمولة بوعد بلفور المشئؤم شرق نهر الاردن خارجه ؛ امارة هاشمية ل”عبدالله الاول ” حدودهاعلى شكل دلة في العام 1923، بالاضافة الى العراق بعد ان اصبحت الموصل تحت النفوذ البريطاني ، حيث كانت تحت النفوذ الفرنسي بموجب ساسكس بيكو ؛ مملكة هاشمية ل” فيصل الاول ” في العام 1921، ليكون عام 1919 ؛ عام الاستدارة الكبرى الاولى بعد انهيار السلطنة السلوجقية ،وتقسيم تركتها من الامصار بين بريطانيا وفرنسا، ليكون النفوذ البريطاني من مصر شمالا الى الصين جنوبا ، والنفوذ الفرنسي من سورية ولبنان شرقا الى افريقيا البيضاء والسوداء غربا ؛ حقبة الاستعمارالامبريالي ، الذي استمر مائة عام .
فالتكوين لامارة شرق الاردن وفق اتقاقيات دولية في اطار تقاسم النفوذ البريطاني والفرنسي ؛ جاء ل” وظيفة اقليمية ” مؤطرة في نظام ريعي تحكمه المعاهدة الاردنية البريطانية لعام 1928، والغيت في العام 1956 ، بعد طرد كلوب باشا من قيادة الجيش العربي ، ولم تلغى” الوظيفة ” بالانتقال الى النفوذ الامريكي غير المباشرفي العام 1958، الى النفوذ المباشر بالتحالف من خارج الناتو في العام 1996.
هل كان وصفي يدرك مالات “التكوين الاولي ” للنسق ودور” الوظيفة الاقليمية “، ام لا ؟!!!، وكان يحاول اخراجه منها عبر” ثقافة فن الحياة ” المنهاج الديمقراطي في الحكم والمجتمع المحارب كمنهاج عملي في التحريرللارض والانسان .
فالجواب ؛ ان سلوكت وصفي في العمل السياسي تؤكد انه قد ادرك مبكرا اهمية بناء مجتمع القوة العربي ” المجتمع المحارب ” عبر المقاومة في مواجهة المشروع الصهيوني في فلسطين المحتلة متلازما مع ترسيخ ثقافة فن الحياة ” الديمقراطية” لتحويل النسق الوظيفي الى دولة مدنية ديمقراطية منتحة تتناوب مكوناتها الاجتماعية والسياسية السلطة سلميا عبر التأهيل المسبق لممارسة العمل السياسي كمقدمة وخطوة اولى للتعددية السياسية في المجتمع، والانفكاك من حالة نسق الريعية و التبعية الاستعمارية الى الاستقلال الوطني الناجز والدولة المنتجة والمقاومة.
الخلاصة والاستنتاج؛
رؤى وصفي كزعيم وطني وسياسي استراتيجي في اعادة تأهيل قوى الشعب لممارسة العمل السياسي المنتج في معركة تحرير الارض والانسان العربي في فلسطين المحتلة ،وفي معرفتة ودرايتة بقوة وامكانيات وقدرات “الاخر” التسليحية وتحالفاته الاقليمية والدولية ، فكان اول زعيم سياسي عربي سعى لترسيخ ثقافة فن الحياة ” الديمقراطية ” في المجتمع عبر تجربة الاتحاد الوطني كمحطة للانتقال الى تعددية سياسية عبر تيارين غير عقائدين لانتاج الطبقة الحاكمة للتناوب على السلطة سلما،وتعزيز المسار الطبيعي للصراع مع الصهيونية من خلال العمل المقاوم .
– الوصفية كمدرسة في العمل السياسي والعام ،ورثها تيار” الوطنية الاردنية” ، الذي نتمي اليه ؛ يؤمنان بان ترسيخ ثقافة فن الحياة ” الديمقراطية ” في الحياة السياسية والعامة في البلاد ، هي ؛ الخطوة الاولى للنهوض الوطني والقومي ليكون للعرب مكانا تحت الشمس ، وان معركة المصير لتحرير الارض والانسان العربي متلازمة مع ثقافة فن الحياة ” الديمقراطية “.
– نجد ان الزعيم مهاتما غاندي قد ارسى” ثقافة فن الحياة ” في المجتمع الهندي ، والامام اية الله الخميني بني منطلقات الثورة الاسلامية الايرانية وفق ثقافة فن الحياة “الديمقراطية” في اقامة دولة مدنية ذات مرجعية دينية.وهاتان الامتان لهما مكانا تحت الشمس بين الامم والشعوب ، في حين مازال العرب في اخر السلم الحضاري الانساني.
– البلاد العربية تحتاج الى زعامة وطنية من القادة العمالقة ،ومن كتلتها التاريخية ذات الفكر الاستراتيجي من امثال “وصفي”، و” الاسد” ،لترسيخ ثقافة فن الحياة ” الديمقراطية ” في الحياة السياسية العربية ، ليكون للعرب مكانا تحت الشمس في عالم لا يحترم الا الاقوياء ولا مكان فية للضعفاء .
– مشروع ثقافة فن الحياة “الديمقراطية ” في الاردن وأد بإغتيال الشهيد وصفي في القاهرة العام 1971، لكن الانتخابات في اطار”الدمقرطة” لا تمت ل” ثقافة فن الحياة ” بصلة ،لان اهدافها والياتها لا تنتج حياة سياسية لدولة مدنية ديمقراطية منتجة تتناوب مكوناتها السياسية والاجتماعية السلطة سلميا.
– “الحقبة الوصفية ” في الحكم أثرت الحياة السياسية والعامة ، لكنها اصبحت ارثا سياسيا للاجيال لتيار ” الوطنية الاردنية “، التي اصبحت تستذكر وصفي في الملمات وزمن الازمات والفساد والافساد والمؤامرات الدولية والاقليمية لتصفية قضية فلسطين،لولوج عصر” ثقافة فن الحياة ” لكن دون جدوى .
– العام 2019 في تاريخ العرب والمسلمين ، هو؛ عام الاستدارة الكبرى الثانية وبالاتجاه المعاكس ، بتوقف مسار كامب ديفيد وملحقاته بهزيمة “منظومة التحالف الامني الاقليمي” ، حيث ولى زمن الهزائم ، وجاء عصر الانتصارات لمحور المقاومة بإحياء “الجبهة الشرقية ” لاستكمال مشروع التحرير للارض والانسان العربي في فلسطين المحتلة وسائر بلاد العرب المغتصبة .
التعليقات مغلقة.