ما الذي جعل لبنان عصيًّا على اجتياح التكفيريين؟ / رأفت حرب

 

رأفت حرب ( الخميس ) 2/7/2015 م …

سُرّب منذ أيام عن لسان السفير الأمريكي السابق في بيروت، جيفري فلتمان، قوله إنّ هناك قرارًا أمريكيًا حاسمًا أُبلِغَ لكلٍّ من النصرة و”داعش”، بأنّ الأراضي اللبنانية خارج الجرود التي يتواجدون فيها، محرّمة عليهم تمامًا. كما نقلت الصحافة منذ أيام أيضًا عن مسؤول أمريكي، قوله لقوى 14 آذار بأنّ عليهم أن يشكروا الله لأنّ في لبنان جماعة إسمها حزب الله.

التناقض واضحٌ في مضمون التسربين. الأول يوحي أنّ ما حمى لبنان هو قرارٌ أمريكي، والثاني يمثل اعترافًا أمريكيًا بأنّه لولا حزب الله لكان لبنان اليوم تمامًا كالموصل أو الرقة أو إدلب.

كما نقلت جريدة الأخبار منذ أشهر قليلة كلامًا عن مسوؤلي “داعش” في الجرود اللبنانية – السورية، مفاده أنّ القرار باجتياح لبنان قد اتّخذ من قبل التنظيم، والمسألة مسألة وقت.

إلا أنّ من يريد أن يفهم حقًا مسألة بقاء لبنان بعيدًا عن سيطرة التكفيريين عليه أن ينظر إلى المحيط الجغرافي والديمغرافي الذي يحيط بهذا البلد، وإلى التطورات التي كان لها الأثر الأهم منذ بداية الأحداث في سوريا.

أوّلًا، إنّ المخطط الأساسي كان يقضي بالسيطرة على الحكم في سوريا، ومن ثم الانتقال إلى لبنان. هذا ما يفسر بقاء لبنان بعيدًا في الفترة الأولى عن خطر الإجتياح، كما أنّ صمود سوريا أدّى إلى امتلاك الوقت الكافي من قبل حزب الله والجيش السوري للإعداد جيدًا للإحتمالات القادمة.

ثانيًا، لبنان يحده من الشمال منطقة تشكل النقطة الأقوى بالنسبة للدولة السورية. الساحل السوري من اللاذقية إلى طرطوس، وهي منطقة ذات أغلبية علوية، ستكون جبهة محاصِرة لأي عملٍ عسكري حقيقي يمكن أن يقع في الشمال اللبناني.

يبقى أمام التكفيريين منطقة البقاع الأوسط، حيث أنّ البقاع الشمالي وخصوصًا منطقة الهرمل تقف سدًا منيعًا بعشائرها وطبيعتها الشعبية أمام مناوراتهم. لولا استباق التقدم تجاه لبنان بتحرير القصير وما حولها، والتقدم نحور الجرود، لما منع أي شيء التكفيريين من الإنتشار في البقاع وتهديد قرى عدة.

إنّ توعّد داعش مرارًا باجتياح لبنان كما سربت الصحافة، وتهديد سراج الدين زريقات بالوصول إلى بيروت، والمفخخات التي عانى منها اللبنانيون لفترة من الوقت، كلها مؤشرات تامة على وجود نية حقيقية لجعل لبنان كما العراق، يُنهك بالتفجيرات ليتم اجتياحه لاحقًا، وهو الذي يشكل مساحة جغرافية أصغر بكثير من مناطق يحكمها “داعش” اليوم.

كما أنّ تهديد الشيخ الرافعي منذ أسابيع بطلب المساعدة من “الثوار” في سوريا، وإعادة الكلام ذاته منذ أيام مضيفا سنحكم لبنان وحدنا”، يصب في نفس الإطار أيضًا، ويؤكد أنّ مشروع إخضاع لبنان للإمارة التكفيرية ِعُمِل عليه طويلًا، وهناك ربما من بات صبره ينفذ ويريد استعجال الأمر كالرافعي وغيره.

اليوم، بعد تحرير قسم كبير من الجرود، وآستنهاض أهل القرى من الهرمل إلى القاع ورأس بعلبك، بات حلم التكفيريين في لبنان شبه مستحيل، والمعارك الدائرة حتى الآن تذكر الأمريكي وكل حلفائه في المنطقة، أنّ لبنان ليس العراق.

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.