فعل المجتمع لمواجهة الجنون التكفيري / د. علي فخرو

 

د. علي فخرو ( البحرين ) الخميس 2/7/2015 م …

لنمعن النظر في موضوع الجهاد التكفيري البربري بكل أشكاله وتلاوينه: أولًا، هناك دلائل، من خلال مئات المقالات التي ظهرت في كبريات الصحف الغربية ومئات المقابلات التلفزيونية على المحطّات الغربية، إضافة إلى وسائل التواصل الاجتماعي، بأن بعض المخابرات الغربية والمخابرات الصهيونية قد لعبت أدوارًا أساسية في تجييش وتنظيم وتدريب وتسليح وتمويل شتّى أنواع الفصائل ودويلات الخلافة الإسلامية في طول وعرض العرب، ما عاد هذا حديثًا يتداول بين جهات محدودة، لقد أصبح حديث الجميع، بينما لا تكذّبه جهات الاستخبارات المتّهمة.

ثانيا، ما كان لدوائر الاستخبارات تلك، وبموافقة ضمنية من قبل حكوماتها، أن تنجح بهذا الشكل المبهر في استقطاب عشرات الألوف من الأعضاء الفاعلين ومئات الألوف، إن لم يكن الملايين، من المتعاطفين لولا البيئة الثقافية الدينية الإسلامية المتخلفة التي بنتها ورعتها الاختلافات المذهبية العبثية والصّراعات الطائفية عبر القرون، ولقد استطاعت بعض الأنظمة السياسية وبعض الأحزاب السياسية الإسلامية وعدد كبير من رجال الفقه المتزمتين الجهلة وأعداد متنامية من وسائل الإعلام البصرية والسمعية ومناهج دراسية مزوّرة للتاريخ والفقه، استطاعوا جميعا رعاية ونشر تلك الثقافة الفقهية المليئة بالأحاديث النبوية الموضوعة وبفهم بعض شيوخ وعلماء الفقه الخاطئ لروح الإسلام ومقاصده الكبرى.

اليوم تسلّط الأضواء على الكثير من مصادر ذلك الفقه لتحليله ونقده ومحاولة تصحيحه وتجاوزه في شكل محاولات جادّة يقوم بها باحثون وكتاب موضوعيّون صادقون في غيرتهم على دينهم الحقيقي الذي تشوّه كل مافيه من سمو وروحانية وكرامة إنسانية جماعات تريد قلبه إلى دين بدائي بربري لايمتّ بأية صلة لدين الحق والقسط والرحمة والتسامح الذي أوحى إلى نبي الإسلام “صلعم”.

إلى هنا والصورة واضحة تحليلا وأسبابا وأيادي خفيّة تشعل نيران الفتن والصّراعات. لكن هناك جوانب لا بدّ من طرح الأسئلة بشأنها بكل صراحة ودون أية مجاملة، هذه الجوانب تتعلق بالأدوار الخفيّة التي تلعبها بعض الأنظمة السياسية العربية وبعض ثروة البترول العربية وبعض جهات الاستخبارات العربية، وذلك أنه من غير المعقول أن تنجح بعض دوائر الحكم والاستخبارات الأجنبية والصهيونية ذلك النجاح المبهر في إدخال كل الأرض العربية في نيران الجحيم الذي تعيشه الأمة العربية دون أن تحصل على مباركة أو مساعدة أو تنسيق من قبل بعض الجهات الرسمية والاستخبارية العربية.

ماعاد بخاف مثلًا، حسب قول العديد من الكتّاب والمعلّقين والإعلاميين الغربيين، أن بعض الاستخبارات الأجنبية تشتري السلاح لبعض الجهاديين التكفيريين من خلال جهات رسمية عربية.

كما ماعاد بخاف أن بعض الجهات الاستخباراتية العربية، في بعض الدول العربية، تعرف بالاسم الكثير من أعضاء الفصائل الجهادية المجنونة الجاري غسل أدمغتهم وتدريبهم ، وتعرف أيضا المتعاطفين والمناصرين من السياسيين ورجال الأعمال وغيرهم، ومع ذلك تكتفي، كما تدّعي، بمراقبتهم فقط. هذا الدور العربي ماعاد بالإمكان تجاهل غموضه، إذا أن بعضه، بقصد أو بدون قصد، لايساعد فقط في تأجيج نيران الجهاد التكفيري المتوحّش المجنون، وإنّما يساعد أيضا في تدمير مجتمعات وأقطار عربية باسم مساعدة هذا الشعب العربي أو ذاك أو رفع لواء الديموقراطية في هذا القطر العربي أو ذاك من قبل جهات هي في الأصل غير ديموقراطية، لكنها ألاعيب الانتهازية السياسية في بلاد العرب وهي تحرق الأخضر واليابس. الجانب الآخر الذي آن أوان طرحه أيضا يتعلق بوقوف المجتمع المدني العربي كجهة سلبية متفرّجة على كل مايجري دون أن تنتقل إلى مرحلة الفعل النضالي على المستوى القومي لمواجهة المرض الجهادي الذي أنهك جسد الأمة ويهدّد بتهميشها خارج العصر والتاريخ. هذا موضوع معقّد للغاية ولكن أن توجد إمكانية اختفاء على الأقل أربعة أقطار عربية، لتصبح كيانات طائفية أو عرقية ، ومع ذلك لا توجد حتى محاولة تكوين تيار أو جبهة من القوى المدنية العربية المواجهة، على كل المستويات وبشتّى الوسائل الكثيرة الحديثة المتوفرة، لهذا السقوط السياسي والأخلاقي والأمني والاقتصادي الذي يعيشه الوطن العربي، فان ذلك ينبئ بالفعل بقرب موت الأمة، نحن لانبالغ على الإطلاق، فالخطر هائل وشبه محقّق. إن جيوش العرب الممزّقة المرتهنة للفساد السياسي، وقوى الأمن المشغولة بمحاربة شباب ثورات وحراكات الربيع العربي وإرجاع المجتمعات العربية إلى وضع السكون والاستكانة، وقوى الإسلام السياسي الخائفة المتردّدة والحكومات العربية المتناحرة فيما بينها…..جميع هؤلاء لن يدحروا قوى الجهاد التكفيري العنفي الأحمق، الذي سيدحرهم تحرّك المجتمعات العربية نحو الوعي والفعل وقبول التحدّي، عند ذاك لن تستطيع هذه الجهة العربية أو تلك في الوقوف مشلولة أو متئآمرة أو متجاهلة بينما تمتدُ الحرائق كل يوم ويسرح المجرمون في أرض العرب. العرب اليوم

 

* كاتب بحريني

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.