أحقا هناك استراتيجية لتدمير «داعش»؟ / د.فايز رشيد

 

د.فايز رشيد ( الأردن ) الخميس ) 2/7/2015 م …

«داعش» يفرض نفسه كـ»قوة كبرى» في المنطقة.. كما يفرض أجندته عليها.

ليس هناك اثنان يختلفان على صحة هذا الاستنتاج، نقول ذلك في الوقت الذي يفرض «داعش» إرهابه وجرائمه في ثلاث قارات، يعمل فيها ذبحا وقتلا! معروف أن لأجهزة مخابراتية كثيرة، دورا كبيرا في إنشاء هذا التنظيم (الزئبقي)، الذي لم تُسفر الحملة الدولية، عبر ما يسمى بـ»التحالف» لتدميره، عن أي نتائج تذكر بدليل، أن هذا التنظيم الإرهابي المجرم ينشر ويمارس إرهابه القاري المنظم في التوقيت نفسه، ويهدد باضراب أهداف (الجمعة 3 يوليو ـ غدا) في البحرين! أن يصل التنظيم إلى هذا المستوى من التحدي.. فذلك يعني أن وراء الأكمة ما وراءها، وأن الاستراتيجية الدولية لمقاومة خطر «داعش»، إما كاذبة أو غير جادة أو غير فاعلة.

هذا بدوره يفرض اسئلة كثيرة لا يجهد من يربط بين الأحداث والوقائع في إيجاد الأجوبة عليها، ما قلناه يولد استفسارا منطقيا: ما السر في استمرارية «داعش» وامتلاكه أسلحة جديدة كل يوم؟ أليس منطقيا الاستنتاج: بأن قوى تسهل له نقل الأسلحة والمقاتلين، وكل المساعدات اللوجستية عبر حدودها. وإذا كان ما أعلنته موسكو عن حلف جديد ضد «داعش» في المنطقة، فهو في أحد جوانبه يؤكد تورط العديد من الدول في أحداث سوريا.

لعل الصحافي الكويتي جاسم القامس، في مقالة له جاءت بعد ضرب «داعش» القاري، وبضمنه الكويت، محقا في توجيه السؤال إلى حكومة بلده، وفحواه: أين كنتم عندما كان المتطرفون والاصوليون الكويتيون ينشرون دعواتهم، وجوائزهم الكبيرة، والعائد المالي لكل من يتطوع في سبيل الدفاع عن الشعب السوري وتحريره؟ ويورد الصحافي صورا كثيرة للإعلانات المنشورة في الصحف الكويتية، التي كانت تنشر على الصفحات الأولى فيها وتعد المتطوعين بكل ما هو غال ونفيس! بداية، لست من المعجبين بالنظام الرسمي العربي في كل مواقعه، كما أنني مع الديمقراطية للشعوب، وحقها في تقرير شؤونها وحل قضاياها، ولكن بدون تدخل خارجي من أحد، بدون ضرب وحدة النسيج الاجتماعي للشعوب العربية، بدون الدخول في حروب أهلية، بدون تغييب جوهر الصراع التناحري الأساسي مع العدو الصهيوني… ومع المحافظة على وحدة القطر العربي، ولتخضع قضايا القطر العربي إلى العملية الديمقراطية. هذه هي محددات أساسية ولا يجوز التخلي عنها.

بداية، نرى من الضرورة إيراد بعض الحقائق في اليومين الأخيرين، وأبرزها: اعتراف الكيان رسميا بمساعدة التنظيمات الأصولية في سوريا، من خلال ما صرّحه وزير الحرب موشيه يعالون في مؤتمر صحافي في مقر قيادة الجيش الإسرائيلي في تل أبيب (الإثنين29 يونيو الماضي) فهو يقول: «ساعدناهم بشرطين: ألا يقتربوا من الحدود، وأن لا يمسوا الدروز… بالنسبة للمساعدة الطبية، لقد عالجنا حوالي 1000 جريح من المعارضة السورية في مستشفياتنا منذ اندلاع الحرب عام 2011، ندرك أن عديدين منهم كانوا من جبهة النصرة». من ناحية ثانية: دعا وزير الهجرة الصهيوني زئيف إلكين يوم الجمعة الماضي (26 يونيو) يهود فرنسا، للهجرة إلى اسرائيل، «فهذه مهمة وطنية عظمى.. لأن العداء للسامية والإرهاب يتصاعدان في فرنسا».

«داعش» يفخخ آثار تدمر، «داعش» وضع خطة لتدمير آثار اليمن. معروف أن «القاعدة» دمرت آثارا مهمة للحضارة البشرية في أفغانستان، ومعروف أيضا أن المتحف الوطني العراقي جرى نهبه على سمع وبصر القوات الأمريكية في بداية غزو العراق! ما الذي يعنيه هذا، هناك استثمار حقيقي لـ»داعش» من قبل العديدين غربيا وعربيا. معروف ايضا أن تركيا دقت طبول الحرب، وأعلنت على لسان رئيسها (الطامح لحيازة لقب السلطان،على شاكلة السلاطين العثمانيين) بأن 18 ألف جندي تركي جاهزون للتدخل في سوريا! نحن نتذكر المطامع التركية في شمال سوريا، كل ذلك يؤكد أن هناك مخططا جديدا لتدمير التراث العربي، على طريق محاولة تدمير المقدرات العربية تاريخا، وجودا وحضارة، ثقافة وإرثا، نسأل: لمصلحة من هذا؟

إن أخطر ما يخطط له «داعش»، هو نقل معاركه الإرهابية إلى الداخل الفلسطيني، من خلال ما دعا إليه من إنذارتهديدي موجه إلى مسيحيي القدس بمغادرتها وهجرتها نهائيا. على ما يبدو أن «داعش» نسي أو تناسى العهدة العمرية للمسيحيين، وأن الخليفة العادل الفاروق لم يصلّ في كنيسة القيامة، خشية أن يأتي يوم يطالب فيه بعض المسلمين بالكنيسة، كمكان صلى فيه عمر. إحصاء عام 1922 أكد أن 50٪ من سكان القدس هم من إخوتنا المسيحيين، هذا المكون الرئيسي من مكونات أمتنا العربية. المسيحيون العرب شاركوا ويشاركون في كل معارك التحرر الوطني العربية، في كل الثورات الفلسطينية، قديمها وحديثها. المسيحيون العرب حملوا لواء النهضة العربية. مخطط أمريكي ـ صهيوني ـ غربي يطمح لتهجير المسيحيين العرب من وطنهم الأم، باعتبار هذه النبتة الوطنية القومية العربية.. نبتة غريبة عن العرب. «داعش» يكرر المطلب التخريبي ذاته الإجرامي (كتبنا عن جريمة إنكار دور المسيحيين العرب، في القدس العربي). هذا التنظيم يعتبر نفسه ممثلاً للسلطة الإلهية على الأرض جميعها وليس في بقعة معينة، وإن الخليفة إبراهيم هو المعبّر عن هذه السلطة. للعلم أبو بكر البغدادي جرى تجنيده وتدريبه من قبل ثلاثة أجهزة مخابرات غربية وصهيونية (الموساد، C. I. A وجهازمخابراتي بريطاني- اقرأوا الوثائق الكثيرة حول الموضوع)، أثناء اعتقاله في سجن غوانتانامو ما بين الأعوام 2005-2009.

هذا التنظيم يريد فرض إسلامه الذي يتبناه وليس الإسلام الحقيقي، بالقوة وبحد السيف. إن مشروع «داعش» وخطره ليسا مقتصرين على المناطق التي يحتلها، وإنما يمتدان إلى جميع دول الوطن العربي والأمة العربية بأسرها، فأهدافه، تلتقي مع المخططات الصهيونية والامريكية الهادفة إلى إشعال الصراعات الطائفية والمذهبية في الوطن العربي، وفي العديد من دول المنطقة، وإلى تقسيم وتفتيت العالم العربي إلى دويلات متصارعة ومتقاتلة.

الإجرام والمذابح صفتان ملازمتان للوجود الصهيوني، لكنهما في الوقت ذاته سلاح الضعفاء، يبررون عجزهم بجرائمهم وكافة أشكال مذابحهم. «داعش» يعيد إنتاج الأساليب ذاتها. ذبح البشر هو إحدى سماته الوجودية، لكنه يساعد على إيجاد وتعظيم حالة الرعب منه، وهو ما يؤهله أيضا إلى تحقيق المزيد من الانتصارات، سواء القديمة منها أو الجديدة إنها الأساليب الصهيونية بامتياز: حين يلجأ «داعش» إلى ذبح الناس عند احتلال كل منطقة جديدة وبذلك يخلق حالة ترويعية في نفوس الآخرين، كما أن في ذلك دعوة للناس من أجل الهجرة من مناطقهم، مما يزيد من خلق الحالة الترويعية. إنها ذات الاساليب الصهيونية. الظاهرتان: إسرائيل و»داعش» رعى الغرب إنشاءهما من العدم. كيان صهيوني عدواني مهمته الرئيسية، الاعتداء على شعوب المنطقة ودولها.. تاريخا وحضارة ووجودا. كيان تاريخه حافل بالمذابح ضد الفلسطينيين والامة العربية. كيان أتى لتخريب النسيج الاجتماعي لشعوب الأمة الواحدة، ومنع لقائها الجمعي، ومن أجل تفتيت دولها إلى دويلات متحاربة من خلال الصراعات المذهبية والطائفية والإثنية. كيان يسعى إلى تحقيق دولته الكبرى في معظم انحاء الوطن العربي. الأهداف نفسها التي من أجلها أُنشئ «داعش». هذا ما لا نتجنى به على هؤلاء الذين أنشأوا «القاعدة»، ثم أصبح يعاني من خروجها عن الطوق الذي أراده للتنظيم الإجرامي. اليوم يكررون التجربة ذاتها مع «داعش» والنصرة وغيرهما من التنظيمات الأصولية الإرهابية.

هذا غيض من فيض الحقائق التي لا يجري التركيز عليها إعلاميا للأسف، في الربط ما بين الكيان وتلميذه الـ»داعش»ي، وغيره من التنظيمات الأصولية.. التي تعالج مرضاها في الكيان، وتقوم بنشاطاتها في الجولان على مرأى ومسمع من القوات الصهيونية. وبعد.. هل هناك شك في ما جاء به عنوان المقالة؟

 

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.