ماكينة الفساد وتفريخ الاحزاب في العراق! / كفاح محمود كريم
كفاح محمود كريم ( العراق ) الإثنين 3/12/2018 م …
عرفت النخب العراقية النظام الحزبي مع مطلع القرن الماضي وتأسيس جمعية الاتحاد والترقي، وباستثناء ذلك لم تكن هناك خارطة سياسية حزبية الا بعد تكوين المملكة العراقية، حيث بدأت بعض النخب بتأسيس جمعيات واحزاب عمودية لا علاقة لها بالاهالي الا بالاسم فقط، وباستثناء الحزب الشيوعي العراقي وما تلاه من ولادة احزاب قومية يسارية، هذه الاحزاب في غالبيتها لم يكن لها أي علاقة بالاهالي الا وقت الانتخابات كما يحصل الان بعد ما يقرب من مائة عام.
لقد ساد العراق من 1921 وحتى 1958 نمطا من تداول السلطة على الطريقة الغربية، حيث نجح البريطانيون في اقامة نظام ملكي برلماني تتبادل فيه النخب السياسية حينذاك كراسي الحكومة والبرلمان، لكنها ما لبثت أن انتهت بانقلاب عسكري دموي نفذته مجموعة من الضباط بتأييد بعض الاحزاب التقدمية والقومية وفي مقدمتها الحزب الشيوعي العراقي وحزب البعث العربي الاشتراكي والحزب الديمقراطي الكوردستاني، هذا الانقلاب او الثورة كما اطلق عليها، اجرت تغييرا حادا في بنية النظام السياسي واعلنت بديلا للمملكة العراقية جمهورية عراقية اختلف مؤيدوها وعناصر تكوينها فيما بينهم لتتحول الجمهورية الخالدة الى بحر من الدماء إثر انقلاب آخر اطاح بها وبزعيمها الاوحد في الثامن من شباط 1963 لتبدأ سلسلة من الحروب والصراعات لم تنته حتى يومنا هذا!
بعد هذه النبذة السريعة نعود الى ايامنا المنحوسة هذه في ظل احزاب الزينة وحسد العيشة التي تكاثرت وانشطرت بشكل سرطاني مذهل يعبر بشكل واضح عن تكالب مجاميع البحث عن السحت الحرام تحت يافطات بدأت بمنظمات او دكاكين المجتمع المدني، وانتهت الى احزاب بيتية وعشائرية لا تمت بأي صلة الى الواقع الاجتماعي ولا الى حاجيات الاهالي، لانها منتوج سيئ لمنتِج فاسد ومرحلة بائسة اختلطت فيها الالوان والاذواق، حتى لا يكاد المرء يميز بين الصالح والطالح!
في بلاد مثل الولايات المتحدة او بريطانيا او فرنسا والعشرات من الدول والمجتمعات الشبيهة بدولتنا ومجتمعاتنا لديها مجموعة احزاب رئيسية لا تتجاوز الخمسة احزاب، تتداول السلطة فيما بينها حسب ادائها وتنفيذها لبرامجها المعلنة للجمهور ورضائه عنها، وبذلك حافظت على رصانة هذه المجتمعات واستقرارها وامنها وسلمها الاجتماعي،بينما ونحن وبعد ما يقرب من مائة عام على تأسيس مملكة العراق وخمسة عشر عاما من ( التطبيق الديمقراطي في تداول السلطة ) لدينا عشية انتخابات البرلمان الاخيرة 204 كيان سياسي يندر ان يجد الباحث بينهم اكثر من عشرة احزاب بمفهومها المعروف سياسيا وتاريخيا في العراق وكوردستان، مما ادى الى انتاج برلمان معاق يعاني اصلا من شلل نصفي اساسا كونه يعمل بنصف هيئته ( النصف الثاني المجلس الاتحادي مرفوض من قبل الحيتان المذهبية والقومية ) ويتمتع اعضاؤه رغم عوقه بامتيازات لصوصية لا مثيل لها في كل دول العالم الغنية والفقيرة، مما جعل التكالب على تلك المواقع وتأسيس الاحزاب واحدة من اكثر عمليات الفساد بشاعة في العالم السياسي.
وصدق من قال لا خير في دولة كثرت احزابها!
مع تقديري الكبير لنضال الإخوة الأكراد ولشخصك الكريم ولتجربتك النضالية التي جعلتك تجمل اسم ( كفاح ) عن جدارة ، فهو إسم على مسمى ، أقول مع كل ذلك ، اجد أنك أحيانا تطلق بعض الأوصاف على الكثير من الأحداث والأشخاص ، يجانبك فيها الصواب ، كما ورد في إحدى فقؤات مقالك هذا ، وأقتبس :
” لكنها ما لبثت أن انتهت بانقلاب عسكري دموي نفذته مجموعة من الضباط ” ، والحديث هنا عن ( ثورة ) الشعب العراقي البطل بكل مكوّناته الدينية والعرقية ضد نظام ملكي فاسد وعميل مأجور للإمبرياليات الغربية وتابع اقتصادي لمراكز رأس المال العالمي.
نحن يا صديقي لا نستطيع ادعاء الحكمة بأثر رجعي.
سيرورة ثورة 1958 في العراق الشقيق وصيرورتها كانت نتيجة حتمية لعوامل عديدة منها الموضوعي ومنها الذاتي.
ونحن لا نقبل أن نحاول إعطاءك ( دروسا ) لا سمح الله في التحليل السياسي ، وأنت الأستاذ الكبير والمناضل العريق الذي نحترمه ونعتزّ به وبنضالاته.
أنا لست في صدد الدفاع الفارغ وغير المجدي عن أنظمة حكم دكتاتورية فاسدة حكمت الشعب العراقي بالحديد والنار منذ ثورة تموز 1958 ، ولكني فقط أستغرب وصف تلك الثورة بأنه مجرد انقلاب دموي.
علما أنها ( أي تلك الثورة ) غير مسؤولة عما حصل بعدها من وصول الدكتاتور صدام حسين الى الحكم.
ارجو ان تتقبل وجهة نظري برحابة صدر … والخلاف بالرأي ( من المفروض ) ألا يفسد للودّ قضية.
مدير عام ” الأردن العربي ”
عاطف زيد الكيلاني
عمان / الأردن
العزيز زميلنا الاستاذ عاطف زيد الكيلاني المحترم
تحية طيبة
اسعدتني بمداخلتك القيمة ورأيك المحترم، وإن اختلفنا في التعريف او التوصيف، وبصرف النظر عما جرى فان الزعيم قاسم لا يتحمل مسؤولية مباشرة عن مذبحة عائلة الملك الهاشمي التي وقعت بعد ساعات من اعلان تغيير النظام، لكنه بالتأكيد يتحمل وزر كثير مما حصل للبلاد والعباد واضاعة فرصة ذهبية لانطلاق العراق الى آفاق غير التي نعيشها الان للاسف الشديد.
مرة اخرى اشكركم ومن خلالكم الزملاء في ” الاردن العربي ” الغراء التي اشعر بزهو في النشر على صفحاتها.
كفاح محمود
كوردستان
في 11 كانون اول 2018