قراء القرآن في مصر تحولوا إلى نجوم بمرتبات خيالية، خاصة في الدول الخليجية




آلاف الجنيهات في دقائق معدودات.. قراء القرآن في مصر تحولوا إلى نجوم بمرتبات خيالية، خاصة في الدول الخليجية
 الإثنين 3/12/2018 م …
الأردن العربي –

ترجَّل الشيخ الأزهري المعمَّم من سيارته اليابانية الفارهة، موديل العام الحالي، تاركاً السائق يبحث عن مكان للانتظار، بينما يلتف مريدو الشيخ، الذي يعتبر من أشهر قراء القرآن في مصر حوله للسلام عليه والترحيب قبل دخوله سرادق العزاء الكبير في قرية صغيرة في دلتا النيل في شمال مصر. دلف الشيخ عادل حسن (35 عاماً) إلى السرادق الكبير، متجهاً إلى مقعده الكبير الوثير، المنصوب في واجهة السرادق الممتلئ عن آخره بالمعزين، جلس على المقعد واقترب من الميكروفون وبدأ تلاوة القرآن الكريم في خشوع وترتيل. انتهى من قراءة ربع من القرآن استغرق نحو نصف ساعة، وأمسك مساعده الميكروفون ليشكره «كان معكم القارئ الشيخ عادل حسن من قرية عرب الرمل مركز قويسنا محافظة المنوفية (65 كيلومتراً شمال القاهرة) وشكراً على تلاوته العطرة»، وغادر حسن السرادق إلى منزل أحد أقارب المتوفَّى لتناول وجبة العشاء، المكونة من قطع كبيرة من اللحم، وطبق من الأرز، والخضراوات. بعد ذلك غادر الشيخ المنزل بعد أن قبض مساعده 4000 جنيه (حوالي 225 دولاراً)، مقابل تلاوة النصف ساعة، ليستقل سيارته إلى قرية أخرى ليستكمل القراءة في سرادق عزاء جديد.

أجر قراء القرآن في مصر حسب حلاوة الصوت
تخرج الشيخ حسن في جامعة الأزهر، بعد أن درس في كلية القرآن الكريم للقراءات وعلومها، في فرع الجامعة بمدينة طنطا، في قلب دلتا مصر (80 كيلومتراً شمال القاهرة). يقول حسن لـ «عربي بوست»، إنه «منذ صغره اعتاد الذهاب إلى الكُتّاب، وحفظ القرآن كاملاً في سن 13 عاماً»، خاصة أنه يتميز بحلاوة الصوت منذ صغره. ويضيف أنه كان يقرأ القرآن في مجالس العائلة الصغيرة، وفي زيارة المقابر في قريتهم التي تشتهر بكثرة قرّاء القرآن، ومع مرور الوقت بدأ في قراءة القرآن بشكل احترافي في سرادق العزاءات، مع بلوغه سن 22 عاماً وانتهائه من فترة التجنيد الإلزامي بعد الدراسة الجامعية. ويوضح الشيخ الأزهري أنّ أول أجر تقاضاه قبل 13 عاماً كان مائة جنيه (5,6 دولار) مقابل قراءة ساعة في عزاء داخل قريتهم، ثم بعد ذلك ذاع صيته في القرى المجاورة مع ازدياد الطلب عليه آنذاك، فرفع المقابل إلى 300 جنيه (16,8 دولار). ويكثر قراء القرآن في قرى محافظات المنوفية والشرقية والدقهلية والغربية في دلتا النيل.

وصار للقرّاء جماهير ومعجبون
متعهد تجهيز سرادقات العزاء الشيخ سيد خميس يقول إن «كثيراً من قرّاء القرآن الآن تحوّلوا إلى ما يشبه الفنانين من حيث الشهرة والمعجبين». ويوضح الشيخ السلفي الأربعيني الذي ارتدى جلباباً قصيراً أبيض اللون وتحته سروال، أنه يعمل في هذه المهنة منذ أكثر من 15 عاماً، وأن الوضع تغيَّر الآن كثيراً عن الماضي «فالقرّاء يعتمدون الآن على مواقع التواصل الاجتماعي لتسويق أدائهم وهم يرتّلون القرآن». يحكي خميس لـ «عربي بوست» أنه «في الماضي عندما كان يتصل بأحد القراء، لقراءة ربع من القرآن في عزاء ما كان يحضر في الحال، أما الآن فكثير منهم يتعلل بانشغاله».
ويضيف: «بعد أن ذاع صيت كثيرين في الداخل والخارج، وأبرزهم أنور الشحات وعبدالفتاح الطاروطي، أصبح من الصعب حضورهم لعزاء، إلا إذا كان الفقيد ينتمي لعائلة كبيرة».
وتعد سرادقات العزاء مظهراً من مظاهر التباهي والتفاخر بين العائلات الكبرى في قرى ونجوع دلتا مصر وصعيدها.
الشيخ سيد خميس مسؤول عن تجهيز سرادق العزاء من الألف إلى الياء، فمكتبه الموجود في قرية صغيرة إلى جوار مدينة بنها (45 كيلومتراً شمال القاهرة)، يتمتع بعلاقات واسعة مع مسؤولي الفراشة والإضاءة والصوتيات، فضلاً عن قراء القرآن.
يقول خميس إنه يستطيع إقامة سرادق عزاء بألف جنيه نحو (56 دولاراً)، وآخر يصل إلى أكثر من 150 ألف جنيه (حوالي 8,4 آلاف دولار)، «كل ذلك يعتمد على الحالة المادية والاجتماعية لأسرة المتوفَّى». ويروي أحد جيران الشيخ سيد، ويدعى وائل، واقعة عزاء الحاج خميس (والد سيد)، قبل عام أنه «تكلف أكثر من 100 ألف جنيه (حوالي 5,6 ألف دولار) لم يدفع فيها قرشاً واحداً».
ويوضح وائل لـ»عربي بوست»: «كانت فراشة (سرادق) كبيرة، السجاد المفروش كان أول مرة يستخدم، أجهزة صوت وإضاءة عملاقة، كبار الشيوخ قراء القرآن وعلى رأسهم الطاروطي، الذي يتقاضى على الأقل 40 ألفاً في الربع، حضروا وقرأوا في العزاء، مجاملة للشيخ سيد». ويتابع وائل: «الشيخ سيد كان سبباً في فتح باب رزق لكل هؤلاء من أصحاب الفراشة والسجاد والإضاءة، وأيضاً قراء القرآن».
وفي موسم رمضان يكثر الطلب
أصعب الأوقات عند الشيخ سيد خميس هو شهر رمضان الكريم، ورغم شهرته بشهر الصيام والقرآن، فإنه من أصعب الفترات في العمل، نظراً لانشغال القراء. ويوضح الشيخ سيد جانباً آخر مما وصفه بـ «بيزنس القرآن»، إذ يتلقى مشاهير القراء عروضاً لختم القرآن في كبريات المساجد والمجالس وحول العالم، وخاصة في منطقة الخليج العربي.
ويقول سيد: «تصل العروض إلى 50 ألف دولار في الليلة الواحدة، بحسب شهرة القارئ وحلاوة تلاوته وكثرة الطلب عليه».
نقيب قراء مصر الشيخ محمد محمود الطبلاوي، يرى أن أسباب ارتفاع أسعار القراء المصريين يرجع إلى حلاوة تلاوتهم، وشهرتهم الواسعة في دول العالم العربي والإسلامي. ويقول الطبلاوي في اتصال هاتفي مع «عربي بوست»، إن «نقابة قراء مصر تضم أكثر من 15 ألف قارئ في عموم مصر، ولا دخل للنقابة بتفاوت أسعار الشيوخ». ويوضح نقيب قراء مصر، أنه لا حرمة في تقاضي الأجر عن تعليم وقراءة القرآن، مستنداً إلى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم «خيركم من تعلم القرآن وعلمه».

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.