النفط .. من الاقتصاد الريعي إلى اقتصاد تفريخ البدائل / نايف عبوش

يوصف البترول بأنه هبة ميزة الموضع للبلد المالك، وبذلك فإنه يكتسب بعده الحيوي كثروة قومية استراتيجية لمالكه في بلد الموضع،بالإضافة إلى بعده الاقتصادي. ومن هنا فأن المصلحة الوطنية،تتطلب عندئذ، عناية فائقة بهذه الثروة،والحرص على صيانتها،من الاستنزاف السريع ، والتبديد،لأنها مورد نافد في زمن يتناسب امده عكسيا، مع معدلات الاستخراج، منسوبة إلى الاحتياطيات المؤكدة، القابلة الاستخراج ،وذلك بغض النظر عن أي اعتبارات أخرى.




ولأن العمر الزمني للبترول محدود،وبالتالي فانه مورد ناضب لا محالة، وخاصة في ظل زيادة الطلب العالمي المستمر عليه، وهذا ما يحتم على المالك،ان ينظم الانتاج،ويرشد الاستخدام، بما يحقق اعلى درجات الحفاظ على هذه الثروة المهمة، لأطول فترة زمنية ممكنة ،وذلك لأن استنزافها،من دون تعويضها بموجودات ملموسة بديلة،بهيئة رأسمال وطني،يتراكم مع مرور زمن الاستنفاد،يعني التفريط بهذه الثروة الوطنية. وبالتالي فإنه ما لم يكن هناك صناعة رديفة، وإنتاج بديل ، وضرائب على الإنتاج المستولد منها ، فسيظل الاقتصاد الوطني ريعيا، ويعتمد في إيراداته على عوائد النفط ، وتتذبذب مدخولاته عندئذ مع تذبذب أسعار النفط، وأسعار صرف الدولار، والظروف الأمنية.

لذلك فإن الإعتماد على صيغة تأجير املاك الدولة للغير، بما فيها ما بات يصطلح على تسميته، بصيغ تراخيص الاستثمار الأجنبي، بذريعة عدم توفر الأموال اللازمة لتمويل الاستثمار الوطني المباشر ، والحاجة إلى زيادة معدلات الإنتاج لتعظيم الإيرادات، سيعمل على إبقاء الاقتصاد ريعيا، لاسيما في ضوء العيوب المصاحبة للاستثمار الاجنبي،من حيث أن الشركات الأجنبية الكبرى العابرة للقارات، تتمتع بقدرات مالية، وفنية، وتنظيمية عالية، لا تتوفر للشركات الوطنية، ومن ثم فإنها بموجب صيغ تراخيص الاستثمار، تستطيع فرض توجهاتها الانتاجية، والتشغيلية، وسياساتها التسويقة، واملاء شروطها التعاقدية على بلد الموضع المضيف، بالشكل الذي يضمن لها تحقيق اكبر قدر من الارباح، من وراء عقود تلك التراخيص،دون التفات لمصالح مالك تلك الثروات.
ولعل الأمر يقتضي الإشارة إلى أن المستثمر الأجنبي غالباً ما يتعامل مع الموارد المعدنية للبلد، بشكل غير رشيد،تمشيا مع ما تقتضيه مصلحته في تحقيق أعلى الارباح، ومنها التركيز على استثمار احتياطيات الحقول الغنية والمؤكدة، وتأجيل استثمار الحقول الأقل جودة، وافقر احتياطيات، مما يؤدي إلى سرعة استنفاد موارد البلد الطبيعية، وإلحاق الأضرار بالبيئية الوطنية. ولاشك أن تحويل النفط، هذا المورد الطبيعي الاستراتيجي، المخزون في باطن الأرض مجانا، إلى أصل ريعي سائل، بمثل هذه الوسائل وغيرها ، سيجعله عرضة، إلى مخاطر تآكل القيمة الحقيقية له بالتضخم، وتقلبات أسعار صرف الدولار، وغيرها.
لذلك يتطلب الأمر الانتباه ،إلى مخاطر الاستثمار الأجنبي للنفط على المدى الطويل، بما فيها مخاطر استعجال استنزاف، ونضوب هذا المورد الطبيعي ،كما يتطلب الأمر السعي الحثيث، في نفس الوقت ،إلى استثمار ما يتحقق من الفوائض النفطية، في مجالات تنمية الصناعات الاخرى، وتحفيز التشابكات الاقتصادية البينية للاقتصاد الوطني ، والعمل على مغادرة ظاهرة التواكل، والتعكز على اقتصاد الريع النفطي، وتأجير أملاك الدولة للغير ،وذلك من خلال تنمية رأس المال المنتج البديل للنفط على عجل ،في إستراتيجية (تفريخ)بدائل ملموسة،بأولويات محددة،سواء لمواجهة مرحلة نفاد البترول، القادمة الينا،في يوم لا ريب فيه،او التهيؤ لمواجهة حلول عصر الطاقة البديلة، في أي صورة تطل بها علينا،لتنعكس بتنحية النفط جانبا، جزئياً أو كلياً، عن مركز صدارته الراهن في هيكل الاستهلاك العالمي للطاقة،وما يعنيه ذلك من تداعيات سلبية لاقتصاد النفط الريعي.

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.