الإسلام / النقابة … و تكريس المغالطة / محمد الحنفي

 

محمد الحنفي ( المغرب ) السبت 4/7/2015 م …

إن من يتتبع ما يجري في الساحة النقابية على المستوى الوطني و القومي و الإسلامي سيصاب بالذهول عندما يجد أن عدد النقابات بعدد الأحزاب، و عندما يسود كون النقابة تنظيما حزبيا. و حتى النقابات التي تم تنظيمها على أساس أن تكون مستقلة تحول بفعل ما يمارس في الساحة النقابية إلى نقابة حزبية، و اكثر من هذا، فالأحزاب الرجعية ذات المنحى الإقطاعي تنظم نقاباتها ، و أحزاب البورجوازية المتوسطة و الكبرى تسعى إلى تنظيم نقاباتها، أو تسعى إلى السيطرة على النقابات التقليدية مما يجعل التنظيمات النقابية تنمو نموا سرطانيا يجعل قيام نقابة سليمة من الانحراف النقابي أمرا مستحيلا. و الأحزاب التي لازالت لم تقدم بعد على تنظيم نقاباتها إيمانا منها بوحدة تنظيم و نضالات الشغيلة هي الأحزاب و التوجهات التي تنتمي عن قناعة إلى أيديولوجية الطبقة العاملة و حلفائها.

إلا أن الذي لم يدر في خلد أحد هو تنظيم النقابة على أساس العقيدة. و هي ممارسة تتنافى جملة و تفصيلا مع كونية الطبقة العاملة، و شموليتها، و وحدتها بقطع النظر عن الانتماء القومي و العقائدي  و العرقي و القطري، و قد ظهر هذا التنظيم كنتيجة لظهور التنظيم الحزبي/ الإسلامي نظرا لانغراس حزبية النقابة في الواقع المغربي، و القومي و الإسلامي و بقية دول العالم الثالث، و كذلك في العالم الرأسمالي و هي ممارسة تتناقض تناقضا مطلقا مع واقع الطبقة العاملة و حلفائها، و خاصة شغيلة الخدمات و المهنيين، و التجار الصغار و باقي المقهورين.

و حتى نتبين الأمر اكثر يجب أن نعرج على مفهوم النقابة، و مفهوم العمل النقابين و الأهداف التي تتوخاها النقابة، و يتوخاها العمل النقابي.

فالنقابة تنظيم جماهيري ينتظم في إطاره العاملون في قطاع معين، أو في مجموعة من القطاعات، وفق قانون محدد قطاعي أو مركزي يتم الاتفاق عليه في إطار هيأة تأسيسية تتمتع بصلاحية التقرير، يساهم العاملون في القطاع الواحد أو في مجموعة من القطاعات، المقتنعون بالتصور التنظيمي، و بأهدافه في انتخاب ممثليهم في الهيأة التأسيسية المقررة.

و العمل النقابي هو ممارسة يومية تحصل في إطار التنظيم النقابي، و بارتباط معه و تحت إشرافه من اجل التعرف على المشاكل و المطالب القطاعية و المركزية للشغيلة بصفة عامة، و المنظمة بصفة خاصة. و العمل وفق برنامج محدد سلفا في إطار النقابة على إيجاد حلول للمشاكل و تلبية المطالب المختلفة.

و التنظيم النقابي الموجه للعمل النقابي يهدف إلى شيء محدد و أساسي يتمحور حول تحسين أوضاع الشغيلة المادية و المعنوية، و تحقيق كرامتها. و ما سوى ذلك لا يمكن أن يكون إلا هدفا سياسيا، سواء تعلق الأمر بتحقيق الأهداف الحزبية أو السياسية العامة.

و لذلك فالنضال النقابي الصحيح في إطار النقابة الصحيحة لا يتجاوز أن يكون :

1) نضاليا اقتصاديا يسعى إلى تحسين الأوضاع المادية للشغيلة عن طريق السعي إلى رفع مستوى الأجور بما يتناسب مع متطلبات العيش اليومي، و السكن و اللباس و الخدمات الاجتماعية المختلفة كالتعليم و الصحة و التنقل و الترفيه… الخ. و تحقيق التعويضات المختلفة و رفع مستواها، و توفير الحماية الاجتماعية لأفراد الشغيلة و أسرهم، و ضمان الحصول على تقاعد مناسب، و فرض التأمين على الأخطار المختلفة من قطاع إلى آخر.

2) نضالا اجتماعيا يسعى إلى رفع مستوى تعليم الشغيلة و تحقيق شروط تعلم أبنائها و تمكينهم من اكتساب المؤهلات المختلفة التي تمكنهم من الانخراط في سوق العمل، و جعل العلاج الصحي في متناول جميع أفراد الشعب المغربي على أساس الحديث الشريف : ” لا فرق بين عربي وعجمي و لا بين ابيض و اسود إلا بالتقوى” و الحديث : ” الناس كأسنان المشط “، و توفير السكن لجميع أفراد الشغيلة باعتباره ضرورة اجتماعية ملحة بشرط أن يتوفر على شروط الإقامة المريحة لأسر الشغيلة و توفير مناصب الشغل للعاطلين أو الذين يصلون إلى سن العمل.

3) نضالا ثقافيا يمكن الشغيلة من رفع مستواها الثقافي عن طريق تمكينها من ممارسة الأشكال الثقافية في أماكن العمل التي يجب أن تتوفر على بنيات تحتية مناسبة بالإضافة إلى تشجيع الإنتاج الثقافي في المجتمع ككل مما يساعد على نمو المكونات الثقافية نموا سليما يتناسب مع ما يقتضيه العصر.

4) نضالا سياسيا يقتضي ربط النضالات المطلبية للشغيلة بباقي نضالات الهيئات الاجتماعية الأخرى من اجل رفع المستوى الاقتصادي و الاجتماعي و الثقافي و السياسي للمجتمع ككل.

و معلوم أن نضالا كهذا لا يمكن أن يرتبط بجنس أو بجنسية أو بعرق، أو بعقيدة معينة، إنه نضال لا جنس و لا جنسية و لا عرق و لا ملة له. إنه كالنضال الحقوقي، ذو طابع كوني و شمولي. يحدث في أي مكان من العالم، تتحكم فيه طبقة اجتماعية مستغلة كباقي الطبقات الاجتماعية الأخرى التي يتعين عليها أن تمارس كافة أشكال الصراع التي يعتبر الصراع النقابي أحدها من اجل تحسين أوضاعها المادية و المعنوية، و تتويج ذلك بالقضاء على أسباب الاستغلال المادي و المعنوي.

فهل يمكن أن تتخذ النقابة بعدا عقائديا ؟

هل يمكن الحديث عن النقابة الإسلامية و النقابة المسيحية و النقابة اليهودية و النقابة البوذية و هلم جرا ؟

هل يمكن تنظيم نقابة شيعية و أخرى سنية ؟

هل يتم تنظيم نقابة كاثوليكية، أخرى بروتستانتية ؟

إننا أمام اكبر عملية من التحريف تلحق العقيدة ، و الواقع، و التاريخ. عندما تتحول العقيدة إلى وسيلة لبناء الحزب أو النقابة ليصبح من ينتمي إليها غير متدين. لماذا ؟ لأن الدين لم يشرع لأجل بناء حزب أو نقابة. إنه شرع لتربية الروح و تطهيرها من الخبائث، و إعدادها للمعاملة الحسنة و إسداء النصيحة، و عبادة الله تعالى. و هي افضل تربية يتلقاها الإنسان على وجه الأرض لأنها تخرجه من ذاته ليندمج في عموم الناس كما يقول الشاعر :

الناس للناس من بدو و حاضرة       بعض لبعض و إن لم يشعروا خدم

و ما ذلك إلا لتحقيق إخلاص العبادة لله دون ما حاجة تذكر حبا في الله وله ولذاته.

أما الذين يوظفون الدين الإسلامي بالخصوص لأغراض سياسية أو نقابية أو حزبية، فلأنهم يدركون جيدا أن الدين لله : ” و أن المساجد لله فلا تدعو مع الله أحدا”، و مع ذلك فإنهم ينصبون أنفسهم شركاء لله في ذلك الدين مما يكسبهم شرعية استغلاله لأغراض حزبية منحطة مدعومة بالأغراض النقابية الكاذبة.

و الذي نعلمه أيضا، و يعلمه معنا المتنبئون الجدد أن أهم ما جاء الإسلام من اجله هو توحيد عبادة الله . “قل هو الله أحد، الله الصمد، لم يلد و لم يولد، و لم يكن له كفؤا أحد”

و الذي نعلمه أيضا، و يعلمه معنا المتنبئون الجدد : أن آخر الأنبياء هو محمد ص ” و ما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل”

و مع ذلك فالمتنبئون الجدد يدعون وصايتهم على الإسلام و حقهم الخالص في تأويل نصوصه. مع أن القرآن الكريم حسم في هذه المسألة عندما قال ” و ما يعلم تأويله إلا الله” و يوظفونها توظيفا مشبوها بهدف إحكام السيطرة على جحافل الأميين الذين يملأون مشارق البلاد الإسلامية و مغاربها، ليصبحوا بناء على ذلك التوظيف شركاء لله في العبادة، و يعودوا بالتاريخ إلى ما قبل ظهور الإسلام. و ما دام الأمر كذلك فإن التمسك بحيادية الإسلام، و إبعاده عن الإقحام في الأمور السياسية و الحزبية و النقابية يعتبر مسألة ذات أولوية قصوى.

و مما يجب عمله للتصدي لبناء حزب سياسي أو نقابة على أساس ديني، لأن ذلك قد يجر إلى تكوين الطوائف في المجتمع التي قد تدخل في صراع دموي لا هوادة فيه، و يكلف الشعوب الإسلامية كما حصل في عهد الخلفاء الراشدين و في عهد الأمويين و العباسيين و غيرهم، و كما حصل  في لبنان و في غيرها من المناطق التي نالت نصيبها من الحروب الطائفية و العرقية.

و انطلاقا مما ذكرنا نعتبر أن تأسيس نقابة معينة على أساس عقائدي يعتبر تحريفا للعمل النقابي الصحيح و توظيفا له من اجل أغراض أخرى لا علاقة لها بتحسين الأوضاع الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و السياسية للشغيلة، و طليعتها الطبقة العاملة. و هذه الأغراض الأخرى ليست إلا سياسية صرفة من اجل التفاف الشغيلة الأمية و المستلبة حول التنظيمات ذات الهوية “اللحيوية” التي قال فيها المتنبي منذ زمانه :

و لا تغرنك اللحى و لا الصور       تسعة أعشار من ترى بقر

و الغاية من هذا الالتفاف هو إعداد الشغيلة للانقضاض على رموز التنوير في مشارق الأرض و مغاربها كما حصل مع المناضلة نوال السعداوي، و الشاعرة حكيمة الشاوي و القائمة طويلة.

أما تنظيم النقابة على أساس عقائدي من اجل الشغيلة فهو آخر ما يمكن اعتماده لأنه يرد في آخر قائمة المتنبئين الجدد التي يبنون على أساسها تنظيمهم النقابي.

و الواقع أن المتنبئين الجدد يعتبرون أنفسهم شركاء لله في العبادة، فإن اتباعهم سيعتبرون مشركين. و ما داموا كذلك، فعملهم لا يقودهم إلى المغفرة مصداقا لقوله تعالى : ” إن الله لا يغفر أن يشرك به و يغفر ما دون ذلك لمن يشاء”. و إذا كان الأمر كذلك فالنقابة التي تبنى على أساس عقائدي ستكون تابعة لحزب ينتمي إليه أناس شركاء لله في العبادة، و النتيجة  أن تلك النقابة ستكون نقابة المشركين الذين كانوا يعبدون الأوثان، و الأحزاب الدينية تعبد كالأوثان، لأغراض سياسية دنيوية صرفة لا يجني المجتمع من ورائها إلا عداوة الناس لبعضهم البعض بسبب الفرز الطائفي الذي يتجسد في تعدد الأحزاب الدينية، و تعدد النقابات التابعة لها.

و إن ما يحتاج إليه المجتمع ليس هو الحزب الديني لأن الدين كالهواء لا يعيش الناس بدونه. و ما يلحق الدين من تحريف يمكن القضاء عليه بالحوار الهادئ بين المسلمين، و الدراسة المتأنية لنصوصه. و العمل على تعميم المعرفة بين الناس حتى لا تبقى حكرا على نخبة تتحول إلى رهبان و ( لا رهبانية في الإسلام) يحتكرون معرفة أمور الدين و يحزبونه و يبنون نقابته على أساس ذلك، بل إن ما يحتاج إليه المجتمع هو حزب يناضل من اجل الديمقراطية التي تكون من الشعب و إلى الشعب. ديمقراطية ينعم الناس في ظلها –إن تحققت- بحقوقهم الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و المدنية و السياسية. و ما تحتاج إليه الشغيلة هو نقابة مبدئية ديمقراطية و تقدمية و جماهيرية و مستقلة. و نقابة كهذه يمكن أن ينخرط فيها أي عامل كيفما كان جنسه أو لونه أو عقيدته. و يمكن أن يصبح قائدا فيها من اجل تحقيق المطالب الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و المدنية و السياسية بعيدا عن تحريك النعرات الطائفية، و احتراما للعقيدة السمحة التي يومن بها الشغيل  و المشغل في نفس الوقت.

و إلا فإن بناء النقابة على أساس ديني سيجعل المجتمع منقسما إلى مومنين و كفار. و هو ما يجب محاربته، لأنه حين ذاك ستصبح الحرب ضد “الكفار” مشروعة. و بالتالي سيصبح الكفار مالكين للوسائل الإنتاجية و الخدماتية بمن فيهم المسؤولون عن الدول الإسلامية و المسلمون في تلك المؤسسات. و هذا يطرح علينا العديد من التساؤلات التي نذكر منها :

هل يكتب على الشعوب الإسلامية –حسب هذا التوجه- أن تعاني من الانقسام الطائفي ؟

هل الإسلام خاص بالشغيلة ؟

هل يحق لنا أن نصف مشغلا ما بأنه غير مسلم ؟

هل نعطي للمستثمرين الحق بأن يصفوا الشغيلة بالكفر في حالة تنظيمهم لنقابة ما على أساس الانتماء إلى العقيدة الإسلامية ؟

هل يصح أن نعتبر العقيدة الإسلامية تعبيرا عن الانتماء إلى طبقة ما ؟

إننا عندما نطرح هذه التساؤلات و غيرها، سنجد أنفسنا مضطرين لنقض مضامينها لاعتبارات كثيرة  نذكر منها :

1) أن العقيدة لا يمكن أن ترتبط بطبقة معينة دون باقي الطبقات الاجتماعية.

2) أن الإيمان بالدين الإسلامي يحرر الإنسان من التبعية للبشر، و يجعل عبادته خالصة لله.

3) أن الدين لله و أن الوطن للجميع، و لا يعاكس هذه القاعدة إلا محرف للدين، و راغب في التسلط على رقاب المواطنين.

و لذلك فالشعوب الإسلامية التي تعاني من التخلف يجب أن تبقى بعيدة عن إثارة النعرات الطائفية التي تنتج عن توظيف الانتماء العقائدي و العرقي.

و الطريق المؤدية إلى سلامة الشعوب الإسلامية من الممارسة الطائفية المتخلفة هو إبعاد الدين الإسلامي عن كل توظيف سياسي أو نقابي. لأنه عقيدة صالحة لكل الطبقات الاجتماعية، و يدين بها المنتمون إلى جميع الأحزاب بقطع النظر عن كونها يمينية أو يسارية أو وسطية. و لأن الانتماء إلى حزب أو نقابة ما على أساس غير عقائدي يبقي العقيدة الإسلامية بعيدة عن النتائج، سواء كانت إيجابية أو سلبية.

و إذا أبعدنا الحزب و النقابة عن الأساس العقائدي، سنجد أنفسنا بعيدين عن إقحام الدين الإسلامي في الأمور الحزبية و النقابية باعتبارهما تعبيرين عن الانتماء إلى طبقة معينة، بينما نجد أن الإيمان بالدين الإسلامي لا يعبر عن ذلك. لأنه من حق أي إنسان مهما كانت طبقته الاجتماعية. لذلك نجد أن كل طبقة تحاول تأويله لصالحها، و تعتبر ذلك التأويل هو الإسلام الصحيح.

غير أن فلول الإقطاع و رموز التخلف ليس من مصلحتها إبقاء الدين الإسلامي بعيدا عن الصراع. بل نجد أنها تستميت ماديا و معنويا من اجل أن يصير الدين الإسلامي تعبيرا عن مصلحتها الطبقية. فتغدق الأموال بدون حساب على المتنبئين الجدد  من اجل إقناع جماهير الشعوب الإسلامية بذلك ، فيلجأ المتنبئون الجدد إلى الترهبن كتعبير ديني لا علاقة له بالدين الإسلامي ويسدلون لحاهم ويرسلون النعوت بحق المتنورين المسلمين وغير المسلمين فيصفونهم بالكفر والإلحاد وغيرهما مما كان يعدم بسببه المتنورون في عصور الظلام خدمة للحكام المستبدين فكأن الحكام القدماء لا زالوا قائمين على عروشهم ، وكأن المتنبئين الجدد نسخة طبق الأصل من المتنبئين القدماء .

وإذا سمحنا باستعمال الدين في العمل الحزبي والنقابي فإننا نعطي بذلك الشرعية للمستغلين الذين كانوا يصفون حركة الشغيلة في الستينات والسبعينات من القرن العشرين بالحركة الكافرة والملحدة لا لشيء إلا لكونها متنورة ومتقدمة مستغلين في ذلك فتاوى المتنبئين الجدد الذين كانوا يتلقون الدعم من مصادر متعددة وفي مقدمتها دول البترودولار التي تدعي وصايتها على الإسلام ثم مافيا الأموال الحرام التي تبحث لها عن مصادر التبييض.

والمفارقة التي تحصل في الواقع أن المتنبئين الجدد يغيرون جلدهم بين مرحلة وأخرى ويسعون إلى:

1) الوقوف إلى جانب الإقطاعيين وأذنابهم والبورجوازيين وأذنابهم وكل ذي ثروة هائلة من تأويل النص الديني لصالحهم إلى وصف الكادحين وزعماء الأحزاب والنقابات بالكفرة والملحدين والزنادقة وغير ذلك ويوظفون المغفلين ممن ينقاد لهم من الكادحين  لاغتيال القادة والزعماء والمثقفين المتنورين الذين طالت قائمتهم منذ اغتيال عمر بنجلون إلى اغتيال حسن حمدان –مهدي عامل- ثم حسين مروه وفرج فوده وسهيل طويلة… الخ القائمة . والهدف هو إدخال الجماهير الشعبية الكادحة في دوامة من التيهان ليأتي المتنبئون الجدد * المنقذون من الظلال* ويشحذون وجدان تلك الجماهير بما يتناسب مع شعار : “الإسلام هو الحل ” و” العودة إلى تطبيق الشريعة الإسلامية ” لتنخدع الجماهير الشعبية المستلبة بهذا الشعار وتنقاد وراء المتنبئين الجدد وتجيش تجييشا يوظف لإدخال جماهير الكادحين في دوامة التخلف من حيث يعتقدون أن مشاكلهم الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمدنية والسياسية ستحل على أيدي الملتحين وحاملي السيوف الذين يتوهمون أنهم يحاربون وهم في الواقع إنما يجرون المجتمع إلى ظلام العصور الوسطى.

2) وأهم ما استفاده المتنبئون الجدد من تجييش الجماهير و نمذجة تفكيرها هو استعمال الجماهير نفسها في عملية تعبئة كبرى و واسعة توظف فيها جميع الإمكانيات لمحاصرة مصادر التنوير و عوامل التقدم.

فتجييش المجتمعات الإسلامية ضد تغيير قوانين الأحوال الشخصية بما يتناسب مع ما يقتضيه العصر و ضد الحركات النسائية في مشارق الأرض و مغاربها، و حصر التفكير في ضرورة المحافظة على الشريعة الإسلامية التي تختصر في تنظيم الإسلام الذي لا يمكن اعتباره نهائيا، للعلاقة بين الرجال و النساء. و هو اختصار مجحف للشريعة نفسها، و ضد مصادر التنوير المختلفة التي يوظف ضدها سلاح الإساءة إلى الشريعة، فتكفر و يتم تحريض الجماهير المجيشة ضدها.

و حتى يكون هذا التجييش هادفا و منظما يلجأ المتنبئون الجدد إلى تأسيس أحزاب على أساس ديني، لايهام الشعوب الإسلامية بأن هذه الأحزاب التي يمكن أن تقود الجماهير إلى تحقيق مطالبها، و ما سواها هي مجرد أحزاب كافرة.

و للمزيد من التضليل، و تعميق مستوى التجييش، تقوم تلك الأحزاب الدينية إما بالسيطرة على النقابات القائمة بعد أن تتم عملية التسلل إلى أجهزتها بوسائل مختلفة و متعددة. أو بتنظيم نقابات تابعة لها، و في الحالتين معا. فإن النقابة تعتبر معبرا للسيطرة على أوسع الجماهير و توجيهها لخدمة أغراض تتناقض مع مصالحها الحقيقية.

و الواقع إن ما يمارسه المتنبئون الجدد على مستوى إسلامية النقابة و حزبية الإسلام هو اكبر مغالطة يتم تصريفها خلال القرن العشرين و بداية القرن الواحد و العشرين.

و الحقيقة كما -أشرنا إلى ذلك في ثنايا هذه المقالة –أن الدين الإسلامي بعيد كل البعد عن التوظيف الأيديولوجي، و السياسي و النقابي، حتى لا يقحم في الصراع الحزبي و النقابي، و من خلاله في الصراع الطبقي. و حركة التنوير يجب أن تلعب دورها الذي لايزال مطلوبا، لإزالة الغشاوة عن أعين الناس العاديين و البسطاء من اجل أن يعرفوا حقيقة الدين الإسلامي، و يفرقوا بينه و بين عملية التحزيب ، و التنقيب التي يتعرض لها من اجل قطع الطريق أمام الأحزاب و النقابات التقدمية و الديمقراطية التي تقود تلك الجماهير من اجل تحقيق مجتمع متحرر و ديمقراطي و عادل.

فالعمل الحزبي، كالعمل النقابي لا ملة له، و يمكن أن يوجد في أي زمان و في أي مكان سببه الانفراز الطبقي في المجتمع المحتضن للعمل الحزبي، و العمل النقابي، مادام منقسما إلى طبقة تستغل و أخرى يمارس عليها الاستغلال المادي و المعنوي مما يعتبر مبررا لممارسة الصراع.

و بذلك الفهم الواضح و المتقدم و الهادف، يمكن إزالة الغشاوة عن الأعين، و رفع الستار عن خشبة مسرح الصراع الطبقي حتى يبقى الدين الإسلامي الحنيف بعيدا كل البعد عن الإقحام في الأمور التي تسيء إلى الإسلام. و لا ترفع من قيمته، و حتى يبقى دوره التربوي حاضرا في وجدان الجماهير المتشبعة بقيمه النبيلة، و فضائله المثلى.

فلا إسلامية النقابة، و لا حزبية الإسلام يمكن أن تغطي حقيقة الصراع، و لا صراع بين السماء و الأرض، مادام الاستغلال يحصل في واقع المجتمع، و مادامت عوامل الاستغلال و تعميقه قائمة على ارض الواقع.

 

 

 

 

 

 

 

 

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.