مجموعة البريكس كابوس يؤرق الغرب / محمد عودة

 

 محمد عودة ( الأحد ) 5/7/2015 م …

يوماً ما بعد يوم يتصاعد الدور الدولي لدول مجموعة البريكس (والتي تمثل الأحرف الأولى من أسماء دول البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا) بشكل واضح، فدول البريكس هي أسرع دول العالم نموا حالياَ وأقلها تأثرا بأزمته، ويعول على النمو في إقتصاديات هذه الدول الأمل في رفع مستويات النشاط الاقتصادي العالمي بعد الأزمة، بعد أن كانت مهمة الولايات المتحدة في الدرجة الأولى. لقد تزايد الإهتمام العالمي بمجموعة البريكس بعد الأزمة المالية العالمية، فأثناء الأزمة واجهنا نمطين مهمين للنمو، الأول هو نمو سالب وتدهور في أداء الاقتصاديات التي كان يطلق عليها من الناحية التقليدية اقتصاديات المفتاح للاقتصاد العالمي، والثاني وهو إستمرار اقتصاديات دول مجموعة البريكس، في تحقيق معدلات نمو مرتفع على الرغم من ظروف الأزمة.

إذا استمرت دول هذه المجموعة في تحقيق معدلات نموها وتوسعها الحالي، فستصبح أكبر قوة اقتصادية في العالم، وفي غضون مدى زمني أقصر نسبياً مقارنة بتاريخ النمو الاقتصادي للمجموعات الاقتصادية التقليدية. فمن حيث الحجم يقطن مجموعة دول البريكس حوالي نصف سكان العالم، وهي من هذا المنطلق تمثل أكثر دول العالم كثافة من الناحية السكانية، الأمر الذي يجعل منها أكبر أسواق العالم من حيث أعداد المستهلكين، ومن ثم فإنه من المتوقع مع استمرار ارتفاع متوسط نصيب الفرد من الدخل في هذه الدول إلى المستويات العالمية أن تصبح أيضا أكبر أسواقه الاستهلاكية، الأمر الذي سيمنح هذه الدول فرصاً أكبر للنمو. فمن المعلوم اقتصادياً أن هناك علاقة قوية بين حجم السوق وفرص النمو الاقتصادي الكامن، فكلما ازداد حجم السوق كلما ازدادت معدلات النمو بسبب توفر أسواق تصريف السلع المنتجة، ولذلك ينظر إلى أكثر دول العالم سكانا حاليا على أنها ستكون أكثرها نمواً من الناحية الاقتصادية في المستقبل، وهناك دعوات حالياً للاستثمار الأجنبي المباشر للتوجه نحو أكثر دول العالم سكاناً.

العالم اليوم يتابع من كثب الخطوات التي تتخذها دول مجموعة البريكس حاليا وما يصدر عن مؤتمراتها من قرارات وتوصيات في شأن المجموعة وفي الشأن الدولي. لعل من أهم القرارات التي اتخذتها قمة البريكس الأخيرة إنشاء بنك لتنمية دول البريكس 100 مليار دولار لتعبئة الموارد المالية لأغراض تمويل مشروعات البنى التحتية والتنمية المستدامة في هذه الدول برأس مال مقداره ، وكذلك لتقديم التمويل المناسب لغيرها من الدول الناشئة والنامية في العالم.

الهدف المعلن لإنشاء البنك هو استكمال الجهود الدولية متعددة الأطراف والمؤسسات المالية الإقليمية الرامية إلى دعم النمو والتنمية على المستوى العالمي، غير أن الهدف الخفي في رأي الكثير من المراقبين هو إنشاء مؤسسة دولية رديفة للمؤسسات الاقتصادية الدولية الحالية، مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي لتمكن المجموعة من منافسة هذه المؤسسات من جانب، وتحرر العالم من تأثير هذه المؤسسات التي تسيطر عليها الولايات المتحدة بشكل أساسي، سواء في تحديد إداراتها أو سياساتها أو توجيه عملية اتخاذ قراراتها، أو منع توجيه موارد هذه المؤسسات في الاتجاهات التي لا تخدم السياسة الأمريكية على الرغم من أنها من حيث المسمى والطبيعة مؤسسات دولية، أي أنه من المفترض أنها تخدم العالم أساساً، وهو ما أدى، في رأي الكثير من المراقبين، إلى ضياع عقود من النمو على العالم الثالث.

القرار لقي صدى كبيراً على الصعيد العالمي، وأثارت القوى الاقتصادية التقليدية في الغرب الكثير من الشكوك حول قدرة المجموعة ومؤتمراتها وقراراتها على تحدي الاحتكار الغربي وهيمنته على الاقتصاد العالمي. فبعض المحللين يقلل من أهمية مثل هذه المؤسسات التي تنوي دول البريكس إنشاءها باعتبارها لن تتخطى المجال الإقليمي، وأنها ليست مرشحة لأن تلعب أي دور دولي مماثل لذلك الدور الذي تلعبه المؤسسات الدولية الحالية، في رأيي أن مثل هذه النظرة تتجاهل القوة المالية الهائلة التي تتمتع بها هذه القوة الاقتصادية الجديدة، باعتبارها صاحبة أكبر احتياطيات نقدية في العالم، حيث إنها بهذه الاحتياطيات الضخمة يمكن أن توفر لمثل هذه المؤسسة الجديدة طاقة مالية تتجاوز تلك المتوافرة للمؤسسات المالية الدولية الحالية، كما أنها بحكم طبيعتها كمؤسسات متعددة الأطراف ستكون بعيدة عن التأثير الأمريكي الذي طالما ثبت أنه غير عادل في توجيه المؤسسات الاقتصادية الدولية متعددة الأطراف.

من الواضح أن دول البريكس تسعى حالياً إلى وضع نظام بديل لمواجهة القيود التي يضعها الهيكل الحالي للنظام المالي والنقدي الدولي على آفاق نموها، بصفة خاصة هيمنة الدولار الأمريكي على نظم المدفوعات والاحتياطيات الدولية الذي لا يوجد لها بدائل مناسبة حالياً، فقد طالبت المجموعة بإصلاح نظام التصويت في صندوق النقد الدولي الذي تهيمن عليه مجموعة قليلة من الدول، حيث تمتلك الولايات المتحدة أكبر قوة تصويتية، ذلك أن ضمان السيطرة على المؤسسات الاقتصادية الدولية يمنح الدول المسيطرة ميزة توجيه هذه المؤسسات لتحقيق مصالحها المباشرة بغض النظر عن مصالح الغير، وقد أكدت المجموعة في أكثر من موضع أن عملية الإصلاح تعد شرطا أساسياً للتأكد من شرعية وفاعلية الصندوق. غير أن إصلاح نظام التصويت لا بد أن توافق عليه الولايات المتحدة، ولا شك أن أي عملية للإصلاح سترفض إذا ما كانت الصيغة المقترحة تخفف من هيمنتها على الصندوق، الأمر الذي ينظر إليه على أنه خط أحمر في عمليات إصلاح المؤسسات السياسية والاقتصادية الدولية، ومن ثم فإن آمال دول العالم غير الغربي في احتمال حدوث إصلاح جوهري لهذه المؤسسات يحدث قدرا من التوازن بين القوى الدولية الفاعلة في هذه المؤسسات، تصبح ضعيفة للغاية نظراً للبطء الشديد لوتيرة الإصلاح في هذه المؤسسات.

من المؤكد أن البريكس وما تملكه من قوة سكانية ضاربة وناتج قومي يزيد عن خُمس الناتج العالمي، غير مرحب بها من القوى الاقتصادية الكبرى في العالم، لأن في ذلك تهديد لهيمنة تلك القوى على المؤسسات الاقتصادية الدولية، وأن الوضع الاقتصادي الجديد لمجموعة البريكس لا يجعل هذه الدول تنتظر بأن تسمح لها القوى المسيطرة على المؤسسات الدولية بأن تبادر بإصلاح هيكل تلك المؤسسات، وإنما قد تجاوز ذلك بالفعل إلى إنشاء نظم منافسة لها على المستوى الإقليمي والدولي.

الخلاصة هي أن النظام الاقتصادي العالمي الحالي يعيش مرحلة انتقالية، حيث تعيد دول البريكس إرساء قواعد هذا النظام العالمي الجديد بعيداً عن إيقاع اللاعبين التقليديين الذين أرسوا نظاماً عالمياً غير عادل، للأسف الشديد، يكرس لاستمرار الفجوة بين الأغنياء والفقراء واتساع تلك الفجوة، ولا يسمح بأي دور يمكن أن تلعبه قوى صاعدة غيرها، ولكن هل تستطيع مجموعة دول البريكس أن تغير قيادة الاقتصاد العالمي؟ الإجابة هي أن قيادة الاقتصاد العالمي ينتزعها من يمتلك أقوى قوة اقتصادية عالميا، وجميع المؤشرات المتاحة بين أيدينا تشير إلى أن هذه الدول في طريقها إلى ذلك.محمد سقا.

التعليقات

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.