الحداثة والمواطنة وَالدَّوْلَة الريعية / د. محمود أبو فروة الرجبي

د. محمود أبو فروة الرجبي ( الأردن ) الخميس 13/12/2018 م …



يتحدث البعض عَن صراع ناعم غير معلن فِي الأرْدُنْ بَيْنَ أنْصَار دَوْلَة الحَداثَة والمواطنة وَهِيَ الدَّوْلَة الَّتِي يَتَمَتَع فِيهِا المواطنون بِالمساوَاةِ التامة بغض النظر عَن أي اعتبار آخر، وَفِي الوَقْت نَفْسه يُشارِك المواطنون فِيهِا بِنِسْبَة عالية من الإنتاج، وإيرادات الدَّوْلَة، والتيار الثاني هُوَ التيار المدافع عن الدَّوْلَة الريعية، وَيُدَافِع أنْصَار دَوْلَة الحَداثَة والمواطنة، بأن الأرْدُنْ لَمْ يعد يَمْتَلِك ترف الخيار بَيْنَ الأمرين، فالاقتصاد الأردني يمر فِي ظروف صعبة، والمديونية زادت لمستويات غير مسبوقة لتصل إلى 28.3 مليار دينار أردني حسب نشرة مالية الحُكومة العامَة الصادرة فِي أيلول 2018، وَهَذِهِ تشكل نسبة 96.4% من الناتج المحلي الإجمالي.
أما التيار الآخر، من مؤيدي الدَّوْلَة الريعية، فلهم مَجْمُوعَة من المبررات، ومِن المهم هُنا تَعْريف الدَّوَلِيَّة الريعية بناء عَلَى ما يدور من نقاشات حولها فِي وَسَائل الإعلام الأردنية، ومن خِلال المصطلح الَّذِي جاء فِي العلوم السياسية والعلاقات الدَّوَلِيَّة، فَهِي الدَّوْلَة الَّتِي تعتمد فِي دخلها عَلَى الموارد الطبيعية، وتنفق عَلَى المواطنين كافة احتياجاتهم، ولا يشكل إنتاجهم إلا نسبة ضئيلة من الإنتاج العام، أي أن “نسبة صَغِيرَة من السكان مُشَارَكَة فِي توليد الريع”.
ويبرر أنْصَار هَذَا التيار بأن الأرْدُنْ يُعَانِي من اختلالات فِي توزيع مكاسب التنمية، والتطور الاقتصادي، وأن أي قفزة بِاتِجَاهِ انسحاب الدَّوْلَة من الرعاية الاجتماعية لِلْنَاسِ ستؤدي إلى نتائج كارثية، وستتفاقم نسبة الفقر المدقع، وتزداد توابعها غير المحمودة مثل الجرائم، وَمُخَالَفَة القوانين، والتنمر بأشكالهِ كافة، وانهيار القيم، وسيادة شريعة الغاب بَيْنَ المواطنين.
بَينَما يرد أنْصَار التيار الآخر مَرَّة أخْرَى أن الأرْدُنْ دَوْلَة فقيرة الموارد، تستورد مُعْظَم احتياجاتها من الطاقة بِنِسْبَة 96% ( هَذِهِ النسبة حسب تصريح وزيرة الطاقة زواتي المنشور فِي وَسَائل الإعلام الأردنية فِي 2-7-2018م)، ولا يُمْكِنُ مقارنتها بالدول النفطية الَّتِي لا تفرض ضرائب عَلَى شعوبها عَادَة، وتقدم لَهَا رعاية شمولية، ولا بالدول الغربية الَّتِي لَمْ تصل إلى إعطاء شعوبها امتيازات ورفاهية إلا بعْد أن أصبحت منتجة، وتفرض عَلَيْهِم فِي المقابل ضرائب عالية، وإذا نظرنا إلى مَوْضوع المنح الدراسية فِي الأرْدُنْ مثلًا فإن ما تقدمه الدَّوْلَة لبعض المواطنين فِيهِا تعجز عَنْهُ الدُّوَل المتطورة.
وَفِي النِّهايَة تبقى الحقيقة الواضحة أننا نعيش فِي أزمة اقتصادية، وأنه لا بُدَّ لَنَا من الانتقال إلى الإنتاج والاعتماد عَلَى النفس، والتوقف عَن توقع مساعدات من الأشقاء، وبغير ذلِكَ سنبقى ندور فِي حَلَقَة مفرغة، ولنعلم دائمًا أن من يَحْصل عَلَى مساعدات يرتهن لغيره فِي قراراته، وهَذَا ما لا يُرِيدُه الأردنيون كلهم.
[email protected]

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.