معاني فشل مشروع القرار الأميركي / د. فايز رشيد
فشلت الولايات المتحدة في تمرير مشروع قرارها الذي يدين حركة المقاومة الإسلامية “حماس” في الجمعية العامة بالأمم المتحدة. لقد حصل مشروع القرار على تأييد 87 دولة ومعارضة 57، فيما امتنعت 33 عن التصويت. ونظرا لأنه يلزم لاعتماده التصويت بأغلبية الثلثين، أي ثلثي عدد الدول المصوتة، فلم يحصل على الأغلبية المطلوبة. وكانت الجمعية العامة قد صوتت لصالح ضرورة حصول قرار واشنطن بإدانة حماس على غالبية ثلثي أصوات الجمعية، لاعتماده. وقدمت الولايات المتحدة مشروعها تحت عنوان “أنشطة حماس وغيرها من الجماعات المقاتلة في غزة”. ويدين مشروع القرار حماس “إطلاق صواريخ بصورة متكررة إلى داخل “إسرائيل” والتحريض على العنف، مما يعرض المدنيين للخطر”، كما تطالب الجمعية العامة بموجبه حماس والأطراف المقاتلة الأخرى، بما فيها حركة الجهاد الإسلامي الفلسطينية “بوقف جميع الأعمال الاستفزازية والأنشطة العنيفة، بما في ذلك عن طريق استخدام الأجهزة الحارقة المحمولة جوا (يعنون الطائرات الورقية) وتدين استخدام الموارد من جانب حماس في غزة لإقامة بنى تحتية عسكرية تشمل أنفاقا للتسلل إلى “إسرائيل”، ومعدات لإطلاق صواريخ على المناطق المدنية. من جانبها، رحبت الرئاسة الفلسطينية والقوى الإسلامية والوطنية وكافة الفصائل الوطنية الفلسطينية بفشل مشروع القرار الأميركي. إنّ ما يمكن استنتاجه من هذا الفشل يتلخص فيما يلي:
أولا: إن فشل المشروع في الأمم المتحدة يمثل صفعة للإدارة الأميركية، وتأكيدا على شرعية المقاومة ودعما سياسيا كبيرا للشعب والقضية الفلسطينية. غير أنه علينا أن لا ننسى أنه لأول مرة بعد انتهاء الحرب الباردة، يحصل مشروع قرار أميركي يدين الفلسطينيين على هذه النسبة العالية من التأييد (87) صوتا. ولحسن الحظ أن إنجاح مشروع القرار، يقتضي تصويت ثلثي الأعضاء إلى جانبه. ثم إن مشروع القرار الأميركي يدين الفلسطينيين فقط، دون الأخذ بعين الاعتبار العدوان الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة، وسياسة الإبادة الجماعية التي تقترفها ضد الفلسطينيين في كل مناطق الاحتلال والحصار! واشنطن تنظر بعينين عوراوين للصراع العربي الفلسطيني ـ الإسرائيلي، فقد تناست الـ1200 شهيد، والـ5000 جريح، وآلاف الإعاقات بينهم في العدوان الهمجي الإسرائيلي على قطاع غزة عام 2014. واشنطن لن تغادر موقف الانحياز الكامل إلى جانب إسرائيل، وتدين الفلسطينيين حتى لو رموا “إسرائيل” بالورود! ثم إن نتيجة التصويت تشير إلى حجم الضغوط الهائلة التي مارستها واشنطن على دول كثيرة لتأييد مشروع قرارها الظالم، غير العادل والمنحاز كلية إلى العدو الإسرائيلي.
ثانيا: إن نتيجة التصويت تشكل لطمة لإسرائيل ولرئيس الوزراء الإسرائيلي، الذي توقع تبني قرار في الأمم المتحدة ضد حماس، معربا عن ثقته بأنه يحظى بأغلبية في التصويت. وقال في هذا الصدد: “نتوقع ليس إدانة حماس فحسب، بل أيضا استعادة أسرانا ومفقودينا. إنهم دائما على بالنا، مثلهم مثل أي رجل وامرأة يخرج إلى تنفيذ مهمة باسم الدولة. إنهم أعزاء علينا ونحن ملتزمون باستعادتهم” يتناسى بذلك وجود 7000 أسير فلسطيني في سجون دولته، من بينهم أطفال قصّر، ونساء حوامل ومحكومون بمؤبدات عديدة، وأسرى مسجونون منذ 37 عاما!
ثالثا: لأول مرة منذ الانقسام الفلسطيني في عام 2007، نرى إجماعا فلسطينيا على الترحيب بالقرار، رغم التناقضات الكبيرة بين فتح وحماس، وفشل كل جهود المصالحة بين الطرفين. إن هذا الموقف المشترك يمكنه تقريب وجهات النظر بين الحركتين لتجاوز الانقسام المدمّر نتائج ومصيرا على عموم المشروع الوطني الفلسطيني وحقوق شعبنا العادلة، وحجم تأييد قضيتنا على الصعيد العالمي.
رابعا: يشكل إسقاط المشروع ضربة حاسمة لتمرير صفقة القرن التصفوية، واعتماد قرارات الشرعية الدولية أساسا ومرجعية لمؤتمر دولي للبحث في الصراع العربي ـ الإسرائيلي، وطريقا لتنفيذ قرارات الأمم المتحدة فيما يتعلق بالحقوق الفلسطينية.
نتيجة التصويت، تعكس حقيقة تقصير الدبلوماسية الفلسطينية والعربية، في تعريف العالم بعدالة القضية الفلسطينية، لحشد التأييد لها في مثل هكذا مواقف! ولعلها تكون حافزا للدبلوماسيتين لبذل المزيد من المجهود على هذا الصعيد! هذا لا يعني في مطلق الأحوال استهانة بنتيجة التصويت الإيجابية، ونحيي كافة الدول العربية والأجنبية التي كان لها دور مهم ومشكور في عدم تمرير مشروع القانون الظالم والمنحاز كلية إلى إسرائيل، الرافض لتنفيذ كل قرارات الشرعية الدولية المتعلقة بالشأن الفلسطيني وحقوق شعبنا العادلة.
التعليقات مغلقة.