الإقبال على شراء الشهادات والحصول على الدكتوراه الفخرية / د. أنيس الخصاونة
إقبال الأردنيين على العلم والدراسة صفة إيجابية ملفتة لازمت مسيرة هذا البلد التعليمية منذ الاستقلال. فقد بات الناس فقرائهم وأغنيائهم في هذا الوطن يبذلون الغالي والرخيص في سبيل تعليم أبنائهم وتحقيق مستويات متقدمة من التعليم العالي. وفي الوقت الذي يعتبر هذا الاقبال على التعليم مؤشر وعي مجتمعي لأهمية التعليم في رقي المجتمع وتقدمه، فقد برزت في الآونة الأخيرة وتحديدا منذ بضع سنوات تهافت بعض الأردنيين على شراء الشهادات وخصوصا في ظل الإعلانات الكثيرة على وسائل الشبكة العنكبوتية ،والتي تنشر أسعارا وخصومات مخفضة للحصول على شهادات الماجستير والدكتوراه. الأسوأ من ذلك أن بعض الأردنيين أصبح يسعى لطرق أقصر وأرخص وأيسر للحصول على شهادة الدكتوراه الفخرية من بعض المؤسسات والجامعات العربية مقابل تبرع لمبلغ معين لجهة أو نشاط إنساني أو اجتماعي.الحقيقة أن انتشار هذه الظواهر المتعلقة بشراء الشهادات والحصول على الدكتوراه الفخرية يمثل التفافات على مجمل النظام التعليمي في الأردن. فمن ناحية اصحاب الشهادات المشتراة من بعض الجامعات العربية ،فإن أصحابها يحققون مكتسبات وظيفية كزيادات على الرواتب وأقدميات في الدرجة ويصبحون مؤهلين للترقي لمواقع قيادية في مؤسسات الدولة.
المؤسف أن بعض النواب والأعيان والوزراء السابقين وربما الحاليين تمكنوا من الحصول على هذا الشهادات مقابل المال حتى انك تجد من هو حاصل على شهادات في الاقتصاد وادارة الاعمال والعلوم السياسية من الجامعات الأمريكية والغربية دون أن يعرف كلمة واحدة في اللغة الانجليزية!. ضمن هذا السياق فإننا نود أن نشير إلى أن الأمر لا يختلف كثير بالنسبة لأولئك الذين يحصلون على شهادات من جامعات عربية إفريقية وآسيوية ويدفعون رسوم ويحصلون على الماجستر والدكتوراه دون أن يسافروا ويدخلوا لتلك الجامعة إلا مرة واحدة يوم مناقشة الرسالة ثم ترى أن هذا الطالب قد حصل على شهادته بمرتبة الشرف العليا، فأي شرف هذا؟ بعض الحاصلين على هذه الشهادات يبدأوون بعد مشوارهم غير المضني بالتعليم العالي يبدأوون بالمطالبة بالتدريس في الجامعات ويضغطون على صناع القرار وعلى الجامعات لتلبية رغباتهم.
المطلوب من نظام الدولة التعليمي ممثلا بوزارة التعليم العالي أن تضع ضوابط أكثر صرامة للحيلولة دون تمكن البعض من شراء الشهادات، والمطلوب من لجنة معادلة الشهادات في الوزارة التشدد والتحقق عند النظر في هذه الشهادات المشتراه. من جانب آخر ينبغي أن يتم إعادة النظر في شروط الاقامة المطلوبة من الطالب الذي يدرس عن بعد في الجامعات العربية والأجنبية ،فقد أصبح من غير المقنع ولا المجدي أن نطلب ثمانية شهور للإقامة علما بأن الطالب يذهب ويقيم في تلك الدولة للمدة المطلوبة دون أن يزور الجامعة التي يقول بأنه يدرس فيها فما معنى الإقامة وما فائدتها في هذه الحالة؟ وأذكر هنا بأن من الأفضل أن تقوم وزارة التعليم العلي بوسم وثيقة معادلة الشهادة بمصطلح”بالإنتساب” ليتم التمييز بين من يحملون الشهادة بهذه الصفة وبين من درس بالانتظام في ذلك التخصص.
أما من يحملون شهادات الدكتوراه الفخرية من منظمات مشبوهة وتتقاضى مبالغ مالية تحت عنوان التبرع الخيري أو ما شابه ذلك، فأعتقد بأن على وزارة التعليم العالي اتخاذ إجراءات لمنع استخدام وتداول لقب”دكتور” لما في ذلك تضليل وإساءة للألقاب العلمية. لقب دكتور لقب علمي ويشير إلى فلسفة العلم في مجال التخصص المعني، فهو إذن ليس لقب “معالي” ولا “باشا” ولا “عطوفة”ولا “شيخ” . لقب الدكتور لقب علمي يتم الحصول عليه بجهد شخصي وهو شهادة على تحقيق متطلبات محددة. لا نريد أن نفيق يوما وإلا كل الأردنيين اصبح لديهم هذا اللقب بغض النظر عن معارفهم وقدراتهم وتحصيلهم العلمي. وهنا لا اريد الانتقاص من الوسائل المتطورة للدراسة عن بعد (Distant Learning) خصوصا للجادين الذين فاتهم قطار التعليم ولا تمكنهم ظروفهم من الالتحاق العلي بالدراسة، ولكن أريد أن تدرك وزارة التعليم العالي أن انتشار ظاهرة الحصول على الشهادات والألقاب سيفسد قيمة الألقاب العلمية وربما سيختلط الحابل بالنابل حيث أن هناك رؤساء جامعات يتم التعامل معهم على أنهم حاملين للدكتوراه مع أن شهاداتهم فخرية ولا تؤهلهم حتى لاستخدام لقب دكتور.
التعليقات مغلقة.