الثمن الباهظ للتضحية بالقطاع العام في مصر / سامي شرف
الإثنين 17/12/2018 م …
الأردن العربي – كتب سامي شرف*
*سامي شرف: مدير مكتب الرئيس الراحل جمال عبد الناصر لسنين طويلة …
لقد دفع الشعب ثمن التضحية بالقطاع العام، وبدلا من مجتمع الكفاية والعدل الذى كان يسير بخطى ثابتة نحو تحقيق أهدافه، الآن وبعد عقود من الانفتاح المزعوم أصبح مجتمعا مريضا تتفاقم متناقضاته كل يوم بل كل ساعة وتتربع على قمته حفنة من أصحاب البلايين والملايين كما لم يسبق فى تاريخ مصر المحروسة على حساب محيط متلاطم من محدودى الدخل وسكان القبور والعشوائيات، قد يكون من المناسب أن أتعرض باختصار لديون مصر فى إبريل سنة ١٩٧١ ولقد كانت كلها ديون إنتاج وليست ديون استهلاك.
الاتحاد السوفيتى ٣٨٥ مليون دولار (السد العالى- التصنيع- الزراعة) الولايات المتحدة الأمريكية ٢٠٥ ملايين دولار (مستلزمات إنتاج – دخان – شحومات – قمح من ١٩٥٨ حتى ١٩٦٥ – صناعات دوائية) إيطاليا ١٢٢ مليون دولار (صناعة – صناعة دوائية) ألمانيا الغربية ١٠٦ ملايين دولار (مستلزمات إنتاج- صناعات دوائية وكيمائية- صناعة) الكويت ١٣٠ مليون دولار بالإضافة إلى ديون أقل لليابان وبعض البنوك الأجنبية، وكان الدين العسكرى للاتحاد السوفيتى يصل إلى حوالى ١٧٠٠ مليون دولار من مجموع ٢٢٠٠ مليون دولار سدد منها ٥٠٠ مليون دولار.
كما قدمت دول البترول العربية لمصر حتى سنة ١٩٧١ مبالغ وصلت إلى ١٢٠ مليون جنيه إسترلينى مقارنة بمبلغ ١٢٢ ألف مليون دولار قدمت لمصر من هذه الدول فى الفترة من ١٩٧١ حتى ١٩٨٠ وكانت ديون مصر فى هذه السنة (١٩٨٠) ١٤ ألف مليون دولار.
كما أجد أنه من المناسب أن أتعرض بشكل سريع للإنفاق الخارجى للثورة بالنسبة للجزائر لم تتجاوز المساعدات التى قدمت للجزائر الستين مليون جنيه، وقد ردت الجزائر هذا المبلغ وربما أكثر خلال حرب أكتوبر ١٩٧٣ بالنسبة لسوريا لم ننفق شيئاً وكل ما أخذته سوريا هو الحق فى حصيلة قناة السويس تستخدمه بالنقد الأجنبى، ولم تستعمل هذا الحق سوى مرة واحدة فقط فى حدود ستة ملايين جنيه والدم السورى الذى أريق فى السنوات ٥٦و٦٧و٧٣ لا يقدر بثمن. بالنسبة لحلف بغداد: لم ننفق شيئاً بالنسبة لليمن الإنفاق من سبتمبر ١٩٦٢ حتى ١٩٦٧ حوالى ٥٠٠ مليون جنيه هذا ينفى ما يكال إلى الستينات وما أتت به من اشتراكية وما قادت إليه كدستور من اتهامات، وهى تظهر أن الكفاءة الاقتصادية وتوفير أسس المنافسة والتوجه نحو التصدير ليست بالاكتشافات الحديثة على نحو ما يصوره أصحاب الكفاية. والكفاية تؤخذ أحيانا بمعنى الكم حتى يتم إنتاج ما يكفى وتؤخذ أيضا فى الوقت نفسه بمعنى الكيف، أى كفاءة الأداء وهو ما أعطى للكفاية الإنتاجية موقعا متميزا وطالما أنه قد ثبت عدم القدرة على الاعتماد على رأس المال الأجنبى فى شكل قروض أو مشاركات فإن المصدر الرئيسى لتوفير العملات الأجنبية كان هو الصادرات المصرية، بدءا بقناة السويس كما أن المصدر الأساسى للمعرفة الفنية هو القدرات الذاتية والتعامل المتكافئ مع العالم الخارجى، وهى المهمة التى تولاها القطاع العام وكان عليه أن يثبت جدارته فيها.
إذا كان هذا هو تفكير عبدالناصر فى أعقاب صدور القوانين الاشتراكية (١٩٦١، ١٩٦٤) وإقرار ميثاق العمل الوطنى فى مايو ١٩٦٢ فإن هذا يشير إلى أنه عندما قامت الدولة بتأميم القطاع الخاص، وأصبحت مسؤولة عن إدارته اتضح مدى ضعف ذلك القطاع وعجزه عن التنافس العالمى إذ نشأ فى ظل حماية جمركية مرتفعة معتمدا على السوق المحلية فى المقام الأول على الجانب الآخر فإن ما اتسم به الجهاز الإدارى من تعقيدات وميل إلى الفساد فى العهود السابقة على الثورة جعل عملية النهوض بهذا الجهاز ضرورة حتمية، وأدى تسلط الجهاز الإدارى على الإدارة من ناحية وعلى الملكية بواسطة موظفين كل همهم الحصول على مكافآت حضور الجمعيات العمومية من جهة أخرى على استلاب قدرة القطاع العام على اتخاذ القرارات السليمة، ومن ثم اتهامه بأنه فاسد بطبيعته وأنه عاجز عن تحقيق المبرر الأساسى لإقامته وهو التنمية ولم يكن إيقاف العمل بالخطة الخمسية الثانية يعنى إنهاء الأخذ بمنهج التخطيط فقد ظل التخطيط السنوى مستمرا معتمدا على إطار خطة السنوات العشر حيث جاءت مقدمة الخطة الخمسية الأولى ثم جاءت النكسة سنة ٦٧ فغيرت الأوضاع الداخلية والخارجية وفى بيان ٣٠ مارس ١٩٦٨ قال جمال عبدالناصر: قبل الآن لم يكن فى مقدورنا أن ننظر إلى أبعد من مواقع أقدامنا فقد كنا بعد النكسة مباشرة على حافة جرف معرض للانهيار فى أى وقت، ولم يكن من الممكن فى تلك الظروف وضع خطط طويلة الأجل، وكان من الضرورى حشد قوانا العسكرية والاقتصادية والفكرية وراء أهداف نضالنا القريبة والبعيدة أى وراء واجب المعركة.
التعليقات مغلقة.