تركيا بدأت تلعب بالثقيل … “اللعب بكرة النار” / د.خيام الزعبي

 

د.خيام الزعبي ( سورية ) الثلاثاء 7/7/2015 م …

في الحرب على سورية، فقد قادت تركيا المعركة بواسطة أدواتها ونظمت قواهم  وقدراتهم وانطلقوا جميعاً وراء مصالح كثيرة مشتركة لتحقيق أهدافهم المختلفة، صحيح أنها أعطت إشارة بدء الحرب, لكنها تعلم جيداً مدى صعوبة المهمة وبدت غير واثقة من نجاحها مع قوة الدولة السورية، لذلك لم يستطيع الرئيس التركي حتى الآن، هضم التقدم الذي حققته قوات حماية الشعب الكردية على صعيد المواجهات مع تنظيم داعش، خاصة بعد نجاح حزب “الشعب الديمقراطي” الكردي بالدخول إلى البرلمان، وأمام هذه التحولات قرر أردوغان الهروب من الأزمة الداخلية الى المواجهة الخارجية، معلناً إستعداد بلاده لحماية حدودها من أي تطورات قد تحدث من شأنها تقويض التوازن والأمن الإقليمي، بعد التطورات التي حصلت مؤخراً بين  داعش والقوات الكردية.

اليوم تراقب أنقرة الحرب الدائرة بين داعش والمجموعات الكردية عن كثب، وتضع العديد من السيناريوهات لمواجهة كل الإحتمالات في الإقليم، خاصة بعد المعلومات التي تتحدث عن مساعي الأكراد لإقامة حكم ذاتي في المنطقة الكردية السورية بعد طرد داعش منها، وجاءت المعطيات التي تحدثت عن سيطرة الأكراد على عين العرب وتل أبيض، وهي بوابات حدودية مهمة وأساسية مع تركيا، لتضع الحكومة التركية أمام تحديات كبيرة، على هذا الصعيد تكشف التجارب التاريخية أن كل الحروب التي خاضتها تركيا مع الأكراد خرجت منها خاسرة، فحزب “العمال الكردستاني”، بعد سنوات طويلة من الحرب، بات يمثل نحو 13% من أصوات الناخب التركي، ويعتبر فريقاً أساسياً في الحياة السياسية في البلاد، كذلك الأمر بالنسبة إلى إقليم كردستان العراق، فبعد أن وقفت ضده عشرات السنوات إضطرت في نهاية الأمر إلى بناء علاقات إيجابية معه.

بعد التلويح التركي بالتدخل العسكري شمال سورية رفع الجيش التركي تدابيره الأمنية على الحدود، ونشر مدرعات عسكرية في نقاط حدودية، إلا أن التكهنات حول تدخل عسكري تركي في سورية، تعود إلى بداية الصراع السوري في عام 2011، حيث طلبت أنقرة من حلفائها الغربيين إعطائها الضوء الأخضر لإنشاء منطقة عازلة داخل سورية لمنع الفوضى على طول الحدود التركية، إلا أنهم تجاهلوا هذا الطلب، في ظل ذلك، يدور جدل حول إمكانية قيام تركيا بهذه الخطوة لأسباب سياسية وعسكرية، فتركيا ترغب بتخطيطها لغزو شمال سورية، تعويض المعبر الذي فقده تنظيم داعش ومنع حزب الاتحاد الديموقراطي من السيطرة الكاملة على الحدود التركية السورية، بالمقابل إذا تدخلت تركيا شمال سورية، فستثبت أنها تدافع عن داعش، وهي ضد التحالف الدولي ضد الإرهاب، وهذا صعب تحقيقه لأن اختراق الحدود السورية أمر دولي، فهناك إتفاقيات دولية، وأن شركاء تركيا في حلف شمال الأطلسي، لن يسمحوا لتركيا بالدخول في مغامرة كهذه، لأنها ستدخل إلى مستنقع مجهول، وهناك قوى دولية ما زالت تدعم النظام السوري، وستعترض على ذلك في مجلس الأمن، وهناك إيران على الحدود ومن المحتمل أن ترد على تركيا في إطار الإتفاق الأمني بين طهران ودمشق, وبذلك تجد تركيا نفسها وحيدة في حرب إقليمية تهدد إستقرارها الأمني السياسي والإقتصادي، كما ان هذه الحرب ستُشرع الأبواب للمعارضة التركية التي تحاول إنتهاز أي فرصة لتقليب الرأي العام الداخلي ضد حزب العدالة والتنمية, الذي خرج مؤخرا بخيبة أمل من الإنتخابات البرلمانية التي جاءت بعكس التوقعات، والبرلمان الذي تشكل في تركيا لا يسمح لحزب العدالة والتنمية اتخاذ أي قرار منفرد في تركيا، ناهيك عن تردد الجيش التركي وخشيته في أن يغرق في المستنقع السوري، فضلاً عن الهجمات المترتبة من داعش والأكراد على الأراضي التركية، والأمر الأهم هو أن دخول تركيا إلى الأراضي السورية لمحاربة وحدات حماية الشعب التي تعد الجناح السوري لحزب العمال الكردستاني ينسف إتفاقية السلام بين تركيا وحزب العمال, يمكن لهذه الخطوة أن تعيد المنطقة إلى فترة الصراع, وتفتح الحرب على عشرين مليون كردي يعيشون في المدن التركية، بناءً على كل ماسبق ذكره، فإن شكل التدخل سيكون في أعظم أحواله دعم لوجستي لفصائل مسلحة معارضة تكون يد تركيا في الداخل السوري.

وبالتالي فإذا اتخذت القيادة التركية قراراً بالهجوم على سورية ستضر المصالح الدولية والتوازن الدولي ويضع سياسة أنقرة تحت النار، خاصة أن زعماء الأكراد في تركيا يوجهون اللوم للحكومة  بتسهيل أنقرة دخول داعش والهجوم على كوباني، وسيدفع ذلك حكومة أردوغان إلى مزيد من التورّط في مستنقع الشرق الأوسط بكل معطياته ومعادلاته المعقدة، التي كان الأتراك بعيدين عنها طوال السنوات الماضية، وبذلك أصبح الرئيس التركي أمام سيناريوهات متعددة، فالدخول إلى سورية بغطاء دولي لا يبدو متوفراً حالياً في ظل التحالف الغربي مع الأكراد، أو الدخول منفرداً في مغامرة قد تنقلب عليه من خلال إشعال الأوضاع في الداخل التركي، أو الإعتراف بهزيمة مشروعه في المنطقة.

في المحصلة كانت سورية الفخ الكبير الذي وقعت فيه تركيا وأدواتها وهي الآن وبعد مضي أربع سنوات من الدعم اللامحدود للقوى المتطرفة فإنها تبحث عن المخرج السريع والآمن للفخ الذي تم حياكته وتفصيله عليها من الغرب، لذلك جل ما نتمناه ان تقتنع تركيا بأن أمريكا لا يهمها في الشرق الأوسط سوى مصالح إسرائيل والتي لن تكون إلا على حساب وحدة بلدان المنطقة، وأن أمام تركيا خيار لا ثاني له هو إغلاق الحدود أمام القتلة المأجورين الذين أشبعوا الناس قتلاً وحرقاً وتنكيلاً، وإعادة التحالفات القديمة التي يمكن لها أن تخرجها من شرك الفخ الذي وقعت فيه.

مجملاً… لقد إستباح الإرهابيون دماء الأبرياء في سورية، ولكن لن يكتب لهم النجاح، فلن ينالوا من عزائمنا وقوتنا، وسنحتفل قريباً بطرد الجماعات الإرهابية التي سعت لإستلاب سورية والسوريين لمصلحة دول غربية، تلك الجماعة التي تتلقى أوامر من الخارج وخضعت لتعليماتهم، والتي كان لهم السوريين دائماً بالمرصاد، ويحاولون الإنتقام الآن!!.

[email protected]

 

 

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.