خطة كمال عدوان في الرد على غرينبلات / احمد جميل عزم
لا يوجد سجل واضح بالعمليات العسكرية التي نفذها، أو رعى تنفيذها، القائد المؤسس للثورة الفلسطينية، كمال عدوان (1935 – 1973)، رغم ذلك ذهب الإسرائيليون إلى بيروت واغتالوه في بيته، أمام عائلته، وأثناء خروجهم، في الواحدة بعد منتصف الليل، رقصوا وغنوا واحتفلوا.
كان يُعد الكوادر المقاتلة، ولكن جزءا أساسيا مما فعله، أنه شكل عقلا للمقاومة الشعبية النضالية في الأرض المحتلة. أنشأ من موقعه رئيسا “للقطاع الغربي”؛ المسؤول عن العمل داخل الأرض المحتلة، لجنة أسماها لجنة التنظيم، تضم مفكرين، ومثقفين، ومهندسين، وأطباء، وسياسيين، وكُتابا، من اليمين واليسار. هو من خلفية إسلامية وكان الشيوعيون شركاءه.
عدوان مهندس بترول، ويوم استشهاده اصطحب دكتور الإدارة نبيل شعث، رئيس مركز التخطيط في منظمة التحرير الفلسطينية، الأستاذ في الجامعة الأميركية، الأستاذ السابق في جامعة بنسلفانيا، وقد كان لهما لقاء يومي، للتنسيق مع مركز التخطيط، ومشيا على كورنيش البحر في بيروت، وهناك صادفهما خريج هارفارد، الآتي من التدريس من جامعات الولايات المتحدة، الدكتور حنا ميخائيل (أبو عمر)، أستاذ الفكر الإسلامي، وبادرهما ساخرا غاضبا، كيف تتجولان هكذا؟ ألم توزع علينا يا نبيل تقريرا، بأنّ الإسرائيليين سينفذون عمليات اغتيال؟ واغتيل كمال في الليل التالي، مع صاحبيه كمال ناصر، وأبو يوسف النجار، في عملية فردان الشهيرة. (وبعد ثلاث سنوات ستُفقد آثار أبو عمر، وثلة من رجالات الثورة، أثناء مهمة نضالية في البحر).
شكل كمال عدا عن اللجان المسؤولة عن المقاومة المباشرة، في الأرض المحتلة، لجنة التنظيم، التي كانت تجتمع وتناقش، كل يوم تقريبا، وتتابع كل تطور على الأرض، وكل سياسة إسرائيلية جديدة، يرسلون رسالة للمناضلين على الأرض بالموقف السياسي، وتعلن رسائل في إذاعة الثورة مثل، “قررنا مقاطعة الانتخابات البلدية”، التي أوجدها الاحتلال آملا إنتاج قيادة بديلة متعاونة. وكان يخطط لبناء الجامعات لتكون حاضنة ثورية، فكان يدعو مدراء الكُليات الجامعية المتوسطة، ومدراء المدارس الثانوية الكبرى، في فلسطين، ويضعون خطط تأسيس جامعات. يتصل مع الصحفيين، ويتفق مثلا مع شخصية فلسطينية مقيمة بالولايات المتحدة، للذهاب إلى القدس وتأسيس صحيفتين، عربية يومية لتعبر عن موقف الثورة، وإنجليزية أسبوعية موجهة للعالم. فلا بد من صحيفة يومية ترسل للرأي العام موقفا واضحا.
الآن، جيسون غرينبلات، المحامي صديق الرئيس الأميركي دونالد ترامب، المكلف، والمتحمس، لتصفية القضية الفلسطينية، وتسويتها، لا يخفي أن خططه لحل القضية الفلسطينية، تبدأ من طلبة الجامعات (حيث انتهى عدوان)، يريد برامج تدريب وتشغيل للطلاب الفلسطينيين، مراهنا أن حالة التيه وعدم وضوح البرنامج السياسي الفلسطيني، للفصائل والسلطة، وقرارات تتخذها المجالس الوطنية الفلسطينية ولا تنفذ، ومصالحة تلو مصالحة دون فائدة، ووضع معيشي بائس، خصوصا في قطاع غزة، وحالة رعب وبطالة ومشكلات يومية في القدس، ومخيمات ومناطق لا تصلها أجهزة أمنية، ولا تنظيمات لتؤطر شبابها؛ يراهن على كل هذا لتمرير المخطط.
نجح اليسار الصهيوني، عبر اتفاق أوسلو، والالتفاف عليه، بتحويل الثورة الفلسطينية إلى سُلطة، واليمين الصهيوني وغرينبلات يريدان إنهاء حلم تحول السلطة إلى دولة، وتحويل الفلسطينيين، خصوصا خريجي الجامعات، إلى موظفين وأُجَراء في المستوطنات والشركات الإسرائيلية، مقابل نسيان المطالب الوطنية.
هذه خطة يعلنها الأميركيون تدريجيا، وستعلن أكثر خلال شهر كانون الأول (يناير) 2019، وهناك رجال أعمال وأشخاص يتعاونون، وهناك رأي عام حائر، يفكر ما العمل؟ والبعض يفكر أليس أفضل أن نقوم بالعمل وننتشل أنفسنا من الضنك؟ ألم تقم الانتفاضة الأولى بينما كان العمل في المنشآت الإسرائيلية مزدهراً؟ أليست هذه وسيلة لنمكن أنفسنا ونلتقط أنفاسنا، ثم نواجه ونقاوم، ستبرز هذه الأفكار وعشرات مثلها.
دون نخب واعية ومدركة ووطنية قادرة على الوصول للمواطن وإقناعه، على غرار عشرات المرات التي أفشلت “الثورة” مخططات السبعينيات والثمانينيات، لتصفية القضية بروابط القرى، والبلديات، والحكم الذاتي وغيرها، فإنّ خطط تحويل المقاومة إلى سلطة تقليدية، بما في ذلك غزة، وخطة تحويل الشعب الفلسطيني إلى مجرد باحثين عن عمل، ستستمر.
لن تنجح هذه الخطط في نهاية المطاف، ولكن رد الفعل الناجع يتطلب القضاء عليها في مهدها، بموقف واضح وحازم، يعلن للملأ بقوة وحسم دون مواربة.
التعليقات مغلقة.