دور القحطاني والعسيري في تقارب السعودية مع إسرائيل… ماذا حصل بعد إقالتهما؟
الجمعة 21/12/2018 م …
الأردن العربي – سعود القحطاني وأحمد العسيري… عاد مساعدا وليّ العهد السعودي محمد بن سلمان إلى دائرة الاهتمام، ليس من باب ضلوعهما في جريمة قتل الصحافي جمال خاشقجي، بل بسبب دورهما الرئيسي في الاتصالات السريّة الرامية لإقامة علاقات أوثق بين المملكة السعودية وإسرائيل.
هذا الدور كشفت تفاصيله صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكيّة، ليظهر – نقلاً عن مسؤولين بارزين وأشخاص مطلعين في الرياض – أن وتيرة التطبيع انتكست (أو بردت) بسبب ما خلّفته جريمة خاشقجي على سلطة بن سلمان، فضلاً عن خسارة كل من القحطاني وعسيري لوظيفتهما حيث كان القحطاني يشغل دور المستشار في الديوان الملكي ومستشار ولي العهد بينما كان العسيري نائباً لرئيس المخابرات.
بحسب أحد الأشخاص المطلعين من الداخل، فإن الضجة الدولية التي تبعت الجريمة وعدم الارتياح داخل البلاط الملكي أدى إلى الحد من مساحة المناورة لولي العهد وتحديداً أمام وجود منافسين محتملين، ما قلّل من الشهية للقيام بمغامرات محفوفة بالمخاطر في الشؤون الخارجية مثل التقارب مع إسرائيل التي تعتبر عدواً للسعودية.
وقد أكد أحد المسؤولين الحكوميين في السعودية الأمر ذاته للصحيفة، وقال إن الضجة العالمية التي أعقبت مقتل خاشقجي كانت سبباً إضافياً في “تهدئة” عملية التواصل، حيث أن “آخر ما تريده السعودية هو خروج التواصل السري مع إسرائيل للعلن في هذا الوقت تحديداً، ما قد يتسبّب بضجة أخرى”.
توطيد العلاقات… شراء وزيارات
شكّل القحطاني والعسيري أساس التواصل السري مع إسرائيل، وفق ما كشف أشخاص تابعوا عمل الاثنين عن كثب.
لعب الأول دوره في دفع وسائل الإعلام السعودية إلى تجميل صورة إسرائيل، بعدما كانت الأخيرة توصف منذ وقت طويل بـ”العدو الصهيوني”، في وقت شارك في شراء تقنيات مراقبة إسرائيليّة الصنع كان يستخدمها مع العاملين معه في ملاحقة المعارضين.
أما الثاني فكان دوره أكثر فعالية على الأرض، حيث زار شخصياً إسرائيل أكثر من مرة، وركّز هناك على ضمان استفادة السعودية من تكنولوجيا المراقبة الإسرائيلية، بحسب مصادر الصحيفة التي أكدت أن العسيري كان أكثر شخصية سعودية رسمية تقوم بهذا النوع من الزيارات السريّة.
وبينما رفضت جميع الأطراف المعنيّة بهذا التحقيق الردّ على استفسارات الصحيفة، أشارت الأخيرة إلى حجم ما تحمله إقامة شخصيتين بارزتين مقربتين من بن سلمان، كالقحطاني والعسيري، من تبعات على وليّ العهد السعودي. مع تراجع الدور السياسي للأخير، عاد الملك سلمان إلى واجهة السلطة علماً أنه يُظهر حماسة أقل تجاه المحادثات السرية مع إسرائيل، مقارنة بنجله الذي كان مسؤولاً عن هذا الملف حتى وقت قريب.
يُذكر أن الملك سلمان كان ناشد مؤخراً المجتمع الدولي القيام بمسؤوليته في حماية الشعب الفلسطيني، وقال إن “القضية الفلسطينية تحتل الصدارة في اهتمامات المملكة”، مطالباً “المجتمع الدولي باتخاذ ما يلزم لحماية الفلسطينيين من عدوان إسرائيل”.
نكسة ومصالح
تُرجّح الصحيفة ألا تؤثر النكسة على العلاقات السرية التي ستتواصل بين البلدين نظراً للمصالح التجارية والأمنية بينهما، لكنها تلفت إلى أنها تكشف (النكسة) هشاشة الجهود التي يبذلها ترامب لتنظيم عملية إعادة الاصطفاف في منطقة الشرق الأوسط، لاحتواء إيران وحلّ النزاع بين الفلسطينيين والإسرائيليين.
رغب القحطاني في شراء نظام تجسس إسرائيلي أنتجته شركة “أن أس أو غروب” (NSO Group)، وفرعها “كيو سايبر تكنولوجي” (Q Cyber Technology). وقد حصلت المملكة عليه العام الماضي، إثر توقيع عقد وصلت قيمته إلى 55 مليون دولار
وفي ما يخص المصالح بين الطرفين، ذكّرت الصحيفة بما كانت تقارير أخرى قد كشفت بعض تفاصيله لا سيما لجهة تعامل الشركات الإسرائيلية مع السوق السعودية باعتبارها سوقاً مربحة لمنتجات الأمن الإلكتروني، كما أشارت إلى نية إسرائيل الاستثمار في مشروع “نيوم”، وهو المشروع الذي قدمه ولي العهد كـ”مشروع المستقبل”.
بشكل موازٍ، عبّرت الرياض عن نيتها استثمار مليون دولار في عدة شركات تكنولوجيا إسرائيلية، بحسب مصادر سعودية مطلعة على الصفقة. هذه المصادر تقول إن المفاوضات حول الصفقة بردت منذ مقتل خاشقجي لكن الاتصالات مستمرة بين الطرفين.
تاريخ بدء التقارب
من الناحية الإسرائيلية، التقى مدير الموساد يوسي كوهين بمسؤولين سعوديين عدة مرات في العام الماضي. وكان من بينها، اللقاء الذي عُقد في يونيو من العام الماضي مع مسؤولين سعوديين بارزين، في ظلّ رعاية أمريكية وحضور مسؤولين من الأردن ومصر وضباط أمن فلسطينيين.
ونقلت “وول ستريت جورنال” عن أشخاص يعرفون بطبيعة العلاقات بين الطرفين قولهم إن كل من “السعودية والإمارات العربية وإسرائيل تتشارك في المعلومات الأمنية المتعلقة بالتهديدات المشتركة بما فيها الحركة البحر الأحمر، بالإضافة إلى التهديد الإيراني”.
وأرجعت الصحيفة تاريخ بدء التقارب بين الرياض وتل أبيب إلى أيام باراك أوباما الأخيرة في الإدارة الأمريكية، وعزت ذلك إلى خوف الطرفين (الإسرائيلي والسعودي) من الاتفاق النووي مع إيران.
وبعد وصول ترامب إلى الحكم، عام 2016، انتهزت إسرائيل والسعودية الفرصة للتعامل مع البيت الأبيض الذي ظهر أنه يشاركهما النوايا نفسها تجاه الأهداف الإقليمية المشتركة للحد من تأثير إيران وحلفائها في المنطقة.
ومع تعيين بن سلمان ولياً للعهد عام 2017، تعززت محاولات التقارب التي بدت مفيدة بالنسبة للطرفين، بحسب الصحيفة التي أشارت إلى الدعم الذي أظهره نتنياهو إثر الاتهامات التي طالت بن سلمان بالمسؤولية عن قتل خاشقجي.
القحطاني،أنظمة التجسس… والسقف الزجاجي
نقل تقرير الصحيفة عن أشخاص مطلعين أن السعودية منحت رجال أعمال إسرائيليين إعفاءات من السفر إلى المملكة، حيث حصلوا على وثائق خاصة أتاحت لهم الدخول من دون الحاجة إلى إظهار جوازات السفر الإسرائيلية.
ومن بين المهام التي دفعت رجال الأعمال الإسرائيليين لزيارة المملكة، كان العمل على تكنولوجيا التجسس التي أرادتها السعودية لقمع معارضيها وتكميم أفواههم.
وبالعودة إلى القحطاني، فقد رغب الأخير – والكلام للصحيفة – في شراء نظام تجسس إسرائيلي أنتجته شركة “أن أس أو غروب” (NSO Group)، وفرعها “كيو سايبر تكنولوجي” (Q Cyber Technology). وقد حصلت المملكة عليه العام الماضي، إثر توقيع عقد وصلت قيمته إلى 55 مليون دولار.
وفي هذا الشأن، قال مسؤول سعودي إن “القحطاني كان لاعباً رئيسياً في الصفقة… كان يريد الأفضل، وكان يدرك أن الشركات الإسرائيلية تقدّم الأفضل”.
وقالت شركة “أن أس أو غروب” إنها تقوم ببيع النظام للحكومات، أجهزة الاستخبارات والوكالات التي تكافح الإرهاب والجريمة، وإن القحطاني لم يشتر البرمجيّة التي تنتجها.
يُذكر أن صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية، كانت قد كشفت قبل أيام بعض مفاصل الحرب الإلكترونية التي بدأها القحطاني، قبل 10 أعوام، ومن ثم جذب إليها ولي العهد المندفع، لتنتهي بتعاون استخباراتي سعودي مع إسرائيل وجريمة قتل خاشقجي.
وحلّلت الصحيفة بأن العلاقات لم تكن مقتصرة على عقود تجارية، بل كانت بمثابة رسالة من السعودية للمنطقة بأنها جاهزة لرفع مستوى علاقاتها الثنائية مع إسرائيل، ولو بحذر.
وفي الإطار، نقل التقرير عن النائب الديمقراطي السابق روبرت ويكسلر، ومدير مركز “أس دانيال أبرامز” للسلام في الشرق الأوسط، رأيه بأن “مستوى التعاون الأمني والعسكري والتشارك الاستخباراتي بين إسرائيل ودول الخليج يُعتبر متقدماً سنوات ضوئية عما كان في السابق”.
في المقابل، رأى ويكسلر أنه “دون حل النزاع الفلسطيني الإسرائيلي هناك سقف زجاجي للعلاقات”.
وبينما ركزت الصحيفة على أن القادة السعوديين أخفوا علاقاتهم السرية خوفاً من الثمن السياسي الذي سيدفعونه حالة كشف علاقات مفتوحة مع إسرائيل، لا يقدّم تقريرها جديداً بشكل تام، فمنذ وصول بن سلمان تتابعت التقارير التي كشفت التقارب السعودي – الإسرائيلي سواء لجهة تصريحاته عالية السقف، أو لقاءاته بالقادة اليهوديين في أمريكا، وصولاً إلى ما ظهر من تقارب خليجي – إسرائيلي بشكل أعم.
التعليقات مغلقة.