سعد الحريري.. إلى دمشق در!! / محمد الحسيني
محمد الحسيني ( لبنان ) الجمعة 21/12/2018 م …
خرق الرئيس السوداني عمر البشير حالة الهدوء التي تسود التحرّكات والاتصالات الدولية ـ العربية تحت الضوء بشأن الملف السوري، وفجّر قنبلة سياسية بزيارة مفاجئة الأحد الفائت إلى دمشق على متن طائرة روسية والتقى الرئيس بشار الأسد، ولم تخرج أنباء الزيارة إلى العلن إلا بعد ساعة من عودة البشير إلى الخرطوم، وبذلك استبق غيره من الرؤساء العرب وغير العرب في كسر حاجز العزلة العربية التي فرضتها مجموعة الحصار السعودية ـ الخليجية والأمريكية ـ الدولية على دمشق منذ اندلاع أعمال التخريب في سوريا قبل ثماني سنوات.
زيارة جس نبض
كثرت التحليلات والتفسيرات حول خلفيات وأهداف ومغزى هذه الزيارة، ليس من منطلق أهميّة ومحوريّة الدور السوداني على مسرح العلاقات العربية والدولية، ولا من منطلق تأثير الخرطوم كعضو فاعل في النسيج العربي المتشظّي، فالبشير لا يزال تحت مطرقة الموقف الأمريكي باعتباره رئيساً لدولة ترعى الإرهاب، كما لم تشفع له مشاركة الآلاف من عسكره في الحرب على اليمن في أخذ المباركة الكاملة من الكرسي السعودي لتحصيل أي مكسب على بيدر الجار المصري، ومن هنا خرج الكلام ليقول إن هذه الزيارة جاءت نكاية بالولايات المتحدة الأمريكية وخطوة متقدّمة لمدّ جسور العلاقة مع العملاق الروسي الذي بدأ يرسم معالم الخارطة الجيوسياسية لسوريا وجوارها والمنطقة بشكل عام، ومنهم من ربطها عودةً للسودان إلى الواحة الإيرانية من البوابة السورية، ولكن هناك كلاماً آخر أخذ الزيارة إلى بعدٍ مختلف يتمظهر في عملية جس نبض أو في خطوة تمهيدية لما هو قادم في المرحلة المقبلة على مستوى ترتيب البيت الإقليمي انطلاقاً من دمشق.
الإمارات والبحرين بعد البشير في دمشق
تحرّك البشير ليس الأول عربياً، وغالباً لن يكون الأخير، في ظل الأنباء عن عن زيارات سريّة لوفود عربية إلى دمشق خلال السنوات الماضية، في محاولة للقفز بالرئيس الأسد من فوق السياج الذي فرضته عليه الدول العربية منذ تشرين الثاني/نوفمبر 2011.. هذا الكلام اللافت الذي جاء على صفحات جريدة “الشرق الأوسط” اللندنية، ينضمّ إلى “قفزة” البشير، التي جاءت بعد أيام على توصية رفعها البرلمان العربي لجامعة الدول العربية بإعادة مشاركة الوفود السورية وتفعيل عملها في لجان الجامعة، وهي خطوة تمهيدية واضحة لرفع التجميد عن المقعد السوري وإعادته إلى موقعه الطبيعي والفاعل، ويحتاج ذلك إلى إجماع عربي بالموافقة لتطبيقه فعلياً، وعليه تأخذ زيارة البشير مكانها في فتح الطريق أمام الأطراف الأخرى المقاطِعة لسوريا الأسد تباعاً، ولا يبعد أن تكون الإمارات العربية أو البحرين في طليعة هذه الدول التالية بعد سلسلة تصريحات وإشارات من دبي والمنامة بقرب إعادة العلاقات وفتح سفارتيهما في دمشق.
مرحلة التسويات
من الطبيعي حين نتحدث عن أي موقف عربي حيال سوريا أن يكون هذا الموقف منسّقاً بل حائزاً على موافقة الرياض ودفع منها، وهي التي تمرّ في واحدة من أحلك المراحل السياسية منذ تأسيسها، فضلاً عن الاهتزازات الداخلية وفداحة النزف العسكري والأمني والاقتصادي الذي تسببّت به الحرب على اليمن من دون تحقيق أي من الأهداف المعلنة من قوى تحالف العدوان، وبالتالي فإن ملاحظة سريعة للتطوّرات الجارية في المرحلة الراهنة، يدرك بأن المنطقة قادمة على جملة من التسويات المتدحرجة بوتيرة متسارعة، بعد أن خرجت السعودية من معظم ملفّاتها التي أشعلها ولي العهد محمد بن سلمان صفر اليدين وبخفّي حنين، فها هو اليمن يتجه إلى هدنة وتسوية لاحقة، وهذا العراق يستقرّ بحكومته، وهذه سوريا تثبّت استقرارها وتتحضّر لصوغ دستور جديد لها وتمهّد لورشة إعادة الإعمار الكبرى، أما جوهر الحكاية فهو في لبنان.
لبنان قطب الرحى
لم تدرك السعودية وحلفها، ومن ورائها الدفع الأمريكي ـ الغربي، خطيئتها فآبت إلى رشدها السياسي، بل إن فشلها في تحقيق أهدافها باتجاه إرساء واقع أمريكي – إسرائيلي جديد في المنطقة وسقوط مساعيها في حصار دول الممانعة، دفعها باتجاه إلقاء أوراقها والإذعان للواقع الذي صنعته قوى المقاومة فضلاً عن المفردات الميدانية التي ترجمت الانتصار في سوريا ولبنان والعراق بالقضاء على الإرهاب التكفيري والحركات التخريبية التي أنشأتها السعودية وموّلتها، ولا نغفل طبعاً فشل الرهانات على استسلام فلسطيني يفتح الطريق لتنفيذ صفقة القرن، بل إن الشعب الفلسطيني اليوم انتقل إلى موقع المبادرة بدل تلقّي الضربات، ومن هنا يأخذ لبنان محل القطب من الرحى في دائرة التطوّرات، فهو البلد المنتصر، بشعبه وجيشه ومقاومته ورأس النظام فيه، في كل الحروب السياسية والعسكرية التي خاضها حتى الآن في مواجهة قوى الاحتلال والتخريب، ومن الطبيعي ألا يسلّم قراره إلى أي جهة خارجية مهما كبر شأنها وكثرت أموالها.
الحريري إلى دمشق
والقرار اللبناني، الذي استنقذ رئيس الحكومة سعد الحريري من براثن مملكة “المنشار” السعودية، لم يتأثر بالضغوطات المختلفة التي عطّلت تشكيل الحكومة الجديدة على مدى سبعة أشهر، ولم تفلح الأوامر السعودية المباشرة وغير المباشرة في وضع لبنان في خانة التسليم بالأمر الواقع، ومن الطبيعي أيضاً، على الرغم من المماحكات وإشاعة السعودية لأجواء الفتنة بعناوين متعدّدة، أن يتم أخيراً تشكيل الحكومة بقرار لبناني صرف تحت رعاية الرئيس ميشال عون، وبالتالي فإن لبنان لن يكون استثناءً في مسار التسوية التي بدأت تتبلور في المنطقة، وسيعمد الحريري إلى تشكيل حكومة التآلف الوطني، وستكون العلاقة اللبنانية ـ السورية عنوان الملف الأول على طاولة البحث في موازاة عودة العرب إلى سوريا؛ واطّراداً فإن الحريري الذي يطمح إلى تحويل لبنان محطة انطلاق للشركات العالمية للمساهمة في إعادة الإعمار في سوريا، سيجد نفسه في قصر المهاجرين يصافح الرئيس الأسد ويسلّمه دعوة لحضور القمة العربية التنموية الاقتصادية والاجتماعية التي ستعقد في بيروت يومي 19 و20 كانون الثاني/ يناير 2019، وسيكون الأسد حاضراً حتماً في الدورة الثلاثين للقمة العربية التي ستعقد في شهر آذار/ مارس 2019 في تونس.
التعليقات مغلقة.