مسار امرأة ثائرة: جيانغ جينغ (الحلقة الثانية)/ جميلة صابر

نتيجة بحث الصور عن جيانغ جينغ

جميلة صابر ( الأحد ) 23/12/2018 م …

ينان: جيانغ جينغ طالبة ماو المتحمسة ورفيقته في السلاح




على الرغم من أنها انضمت إلى الحزب الشيوعي الصيني قبل بضع سنوات، إلا أن كل شيء في مسار حياة جيانغ جينغ يشير إلى أن إقامتها في ينان، هي التي شكلت بالنسبة لها بدايتها السياسية والإيديولوجية الحقيقية. فقد كانت تتابع محاضرات ماو تسي تونغ، و انضمت إلى مدرسة الحزب بموازاة عملها و دراستها في أكاديمية الفنون و الآداب لوهسون (lu hsun)، وقد قامت جيانغ بتأسيس فرق مسرحية ساهمت في خدمة الجبهة.
غير أن العمل في المسرح والسينما لم يكن نشاطها الرئيسي، فعندما قدمت جيانغ إلى ينان في خضم الحرب، أمضت ستة أشهر في التدريب العسكري، وبدأت دراسة الماركسية – اللينينية بجدية.
كان ماو يولي اهتماما كبيرا للقضايا الثقافية، وقد كان يبتعد في بعض الأحيان عن جدول أعماله المزدحم لمناقشة الفن والسياسة مع القادمين الجدد، وقد أصبحت جيانغ طالبة متحمسة لماو، وقبل نهاية سنة 1938 تزوجته، فقد وجد فيها ماو المرأة المتحررة والمتحمسة، التي لها كل مميزات المناضلة الثورية القادرة على الدفاع على فكر ماو ومشروعه التحريري إلى أكبر مدى وأقصى الحدود، فقد كان حماسها لقضية التحرر والتغيير الثوري لا يستطيع أن يتجاهله أحد، وكان ماو من الذين أثارهم هذا الحماس.
أنجبت جيانغ من ماو طفلتهما لي نا، التي تربت مع ابنة أخرى لماو من زواج سابق هي لي مين.
عندما توفي ماو تسي تونغ في شتنبر 1976، كان التوقيع المرافق لأكاليل الزهور التي أهدتها له في جنازته عبارة تقول : “من طالبتك و رفيقتك في السلاح”، و قد كانت حقا طالبة لماو ورفيقته في السلاح خلال حياته و بعد مماته، و قد كانت حقا ذلك السلاح الذي سيشهر في صدر التحريفية و كل الخارجين عن خط ماو الثوري، إن السلاح الذي امتشقته جيانغ كان سلاحا فتاكا موجه نحو كل ما يعوق الثورة الاشتراكية الصينية في أن تصل إلى أبعد مدى، وكان هذا المدى الثورة الثقافية الصينية البروليتارية الكبرى التي أبلت فيها البلاء الحسن جر عليها كل ذباب التحريفيين، لقد كانت المعلمة للشعب الصيني واستمرت كذلك إلى غاية كتم أنفاسها.
على مدى 38 سنة من زواج جيانغ بماو، وصفت علاقتها بالزعيم الصيني، (أو بالأحرى المربي الثوري الصيني، إذ كان اللقب المحبب إليه أكثر) بتلك الطريقة: “طالبتك ورفيقتك”، إذ ظلت جيانغ طيلة ارتباطها بماو وإلى غاية وفاتها تتعلم من ماو وتغرف من فكره.
على الرغم من العواصف السياسية العديدة، التي واجهتهما معا، وقد كانت قادرة على هد الجبال، فقد كانت خلال الفترة المضطربة التي عبراها في المناطق المقسمة في ينان، وخلال السنوات الأخيرة من حرب التحرير في شمال غرب الصين تصلبت هذه الروابط، لأن العلاقات الحقيقية والصادقة دائما تصلبها العواصف والأعاصير.
كان كل من حل بالمنطقة من الزوار الأجانب، يؤكد على الروح الراديكالية، التي سادت في تلك الأيام من “الحرب الشيوعية” في ينان، عندما تآخى القادة العسكريون الشيوعيون مع الفلاحين، حيث رقص الشيوخ والشباب معا، وحيث كان الجنود يزرعون الأرض، عندما كانت الحياة بسيطة نسبيا، مدفوعة بالهدف الوحيد، المتمثل في شن حرب ثورية شعبية، عندما بدأت ملامح مجتمع جديد في الظهور.
كما وعد ماو بذلك في شعار مكتوب على جدران ينان: “مع وجود مدراة على كتف، وبندقية على الكتف الأخرى سوف نحصل على إنتاج الاكتفاء الذاتي ونحمي اللجنة المركزية للحزب”.
لا يعرف مدى تدخل الحزب الشيوعي الصيني في زواج ماو، فقد كان مقبولا بشكل عام، لكن التوجس من المرأة كان حاضرا، و كثير من الوقائع و الأحداث التي مرت منها جيانغ يظهر فيها هذا التوجس من المرأة، فيكفي أن تكون امرأة بالغة التحرر، في مجتمع لم يتخلص بعد من عقلية الفلاحين المحافظة حتى في صفوف أعضاء الحزب الشيوعي الصيني، امرأة تمثل في المسرح و السينما، امرأة جعلت من الثقافة قضيتها، قبل أن تكون قضية حزب ثوري، كل هذا لن يحقق لها الإجماع على زواجها بماو، وكانت الموافقة على زواجهما بشرط واضح بأن الزوجة لا يجب أن تصبح بارزة بمعنى أن تتجنب الظهور في الأنشطة العامة، و هو موقف كان يخنق مبادراتها مرارا على مر السنين، بعد التحرير، و في لحظة تنفيذ مهام الثورة و البناء الاشتراكي .
انضمت جيانغ جينغ إلى مجموعة من الرفاق، الذين شاركوا في مشروع استصلاح الأراضي (استرجاع الأراضي والاكتفاء الذاتي الكموني)، وقد طرح ماو هذا المشروع سنة 1939 لتشجيع الإنتاج في تلال نانيوان، وكان العمل اليدوي الذي سيتم تنفيذه يستغرق 6 أشهر.
أصبحت جيانغ جينغ لمدة زمنية، السكرتيرة الخاصة لماو، وحضرت منتدى ينان الشهير حول الفنون والآداب، وكان ماو، الذي يصر دائما على كتابة نصوصه بيده عندما يمنعه المرض من أن يقوم بذلك بنفسه، كانت جيانغ هي من يقوم بذلك. ورغم أنها تفوقت في هذه المهمة ومارستها عن اقتدار، إلا أن قادة الحزب الآخرين، فإنهم لم يظهروا لها أي احترام وتقدير.
واجهت جيانغ جينغ عدة أمراض، وكان المرض الذي لازمها في هذه المرحلة من نهاية الثلاثينات وبداية الأربعينات، مرض السل، ولم يكن هذا المرض مانعا لها للانخراط في أعمالها الثورية، فقد واصلت تدريس الدراما في أكاديمية لوهسون، وقامت هناك بكتابة نصوص المسرحيات التي كان يتم عرضها في الجبهة أمام المدنيين والعسكريين، منادية الشعب بالمقاومة ضد الهجوم الياباني.
في مارس 1949، قام تشيانغ كاي شيك بقنبلة ينان مما أجبر قادة الحزب الشيوعي على مغادرة المدينة.
في الفترة ما بين مارس 1947 ويونيو 1949 عملت جيانغ كمدربة سياسية في الفرقة الثالثة على الجبهة الشمالية الغربية، حيث عرفت حرب التحرير، التي كما تقول جيانغ، شكلت السنوات الأكثر صعوبة، ويتعلق الأمر هنا بالفترة التي ألهمت الأعمال الشهيرة والمبكرة، التي أنتجت خلال الثورة الثقافية: “كونسيرتو بيانو النهر الأصفر”، فضلا عن اثنتين من الأوبرا الثورية: “الفانوس الأحمر” و “شاشيابونغ”. وتتذكر جيانغ الاستقبال الحار، الذي أولته الجماهير لماو ودموع الفرح التي تغمر وجوههم، عندما كان الزوجان الرفيقان يزوران القرى على طول الطريق الذي يمر عبر المسيرة الطويلة، كما تتذكر الاحتياطات المتخذة لحمايته وسط الحشود.
تطابقا مع بيان ماو في 10 أكتوبر 1949، الذي يدعو فيه كل السكان إلى القضاء على تشيانغ كاي شيك، ولتوحيد الأمة، فقد كان واحدا من مهام جيانغ تنظيم حملة، للتذكير بالآلام، التي عاشتها الفرق العسكرية، وتنفيذ حملة المراقبات الثلاث (les trois vérifications) والتي تعني الإشراف على تحقيق الامتثال لمدونة قواعد السلوك للجيش الأحمر، على النحو المنصوص عليه في قواعد الانضباط الثلاثة والوصايا الثمانية.
بعد ذلك بوقت قصير، بدأت حملة أكثر عمومية لتقوية الجيش، بينما انتشرت كتابات ماو حول الديموقراطية الجديدة في الصين، كمقدمة للإصلاح الزراعي، كما قادت جيانغ مجموعة من المناقشات كجزء من وحدة الدعاية المتنقلة، وفي وقت لاحق، عندما تم تنظيم دولة الديموقراطية الجديدة في بكين في ربيع 1949 انضمت إلى سكرتارية الحزب. وكانت جيانغ تقضي وقتها بين التزاماتها في الجبهة وتقصي بشكل عميق الوضعية السياسية والاجتماعية للفلاحين، بهدف إطلاق الإصلاح الزراعي.
كانت جيانغ جينغ المرأة المتعددة التخصصات والمهام والمشاغل والوظائف، فلأنها تحمل الصين الوطن والصين الشعب في سويداء القلب فقد كانت توجد في جميع الجبهات، الاقتصادية، الاجتماعية، الثقافية، والسياسية، وفي كل هذا أبلت البلاء الحسن، وأبانت عن قدراتها وإبداعاتها الخلاقة، وفي كل هذا رغبة متأججة في إخراج الصين من الظلمات إلى النور، نور الصين الشيوعية.

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.