قمة البريكس : رسائل سياسية وتحديات كبيرة / د.خيام الزعبي
د.خيام الزعبي ( سورية ) الجمعة 10/7/2015 م …
شهدت مدينة أوفا، عاصمة جمهورية بشكيريا الروسية، قمة في غاية الأهمية على خلفية التحولات الجيوسياسية والأمنية في العالم، إذ إجتمع قادة مجموعة البريكس لمناقشة جميع القضايا الدولية والإقليمية، والبريكس تكتل اقتصادي يتكون من خمس دول هي البرازيل- روسيا- الهند – الصين- جنوب أفريقيا، وتلعب دوراً مهماً ومتعاظماً على الساحة الدولية، وذلك بسبب نفوذها المتزايد على صعيد الناتج الاقتصادي، والتعاون التجاري، والسياسة الدولية، وربما ما يحدث في عالم اليوم يشير إلى أن هذه الدول، إذا تكاملت في اقتصادياتها ووحدت إراداتها ومواقفها فإنها تتجه إلى تحقيق أكبر قوة اقتصادية ذاتية عالمياً لأنها تعادل قرابة نصف التعداد السكاني في العالم و 30% من إجمالي الناتج المحلي العالمي.
اليوم يعيش النظام العالمي الحالي مرحلة إنتقالية تتميز بالفوضى السياسية والإقتصادية، وتحاول دول البريكس إرساء قواعد نظام عالمي جديد بعيداً عن إيقاع اللاعبين التقليديين الذين أرسوا النظام السائد الذي كرس هيمنة القوى الغربية الكبرى، وسبب في إغراق الإقتصاد العالمي وأدى إلى توسيع الفجوة بين الأغنياء والفقراء، في هذا الإطار ترى دول المنطقة أن دول البريكس قادرة على لعب دور فاعل ومؤثر في توحيد هذه الجهود، لأن تعاون هذه الدول حالياً من شأنه دفع عملية التنمية المشتركة للاقتصاديات العالمية الناشئة والبلدان النامية، كما تحاول جاهدة تعزيز الإصلاحات في البنك العالمي وصندوق النقد الدولي، إضافة إلى تنامي دورها المؤثر على الساحة الدولية سياسياً واقتصادياً، وحل النزاعات بين الدول عن طريق الحل السلمي، ودور أكبر في تنمية اقتصاديات الدول النامية التي تعاني من مشكلات اقتصادية وإضرابات داخلية، لأن الهدف الأساسي لهذه الدول هو إرساء الأمن والاستقرار العالمي من خلال إقامة علاقات دولية متوازنة والتمسك بالمواثيق الدولية القائمة على احترام سيادة ووحدة الدول وحق الشعوب في تقرير مصيرها.
في ظل الظروف الحالية التي تعيشها سورية بفعل المؤامرة الكونية عليها والتي طالت جميع نواحي الحياة فيها، جدد قادة دول هذه المجموعة دعمهم للتوصل إلى حل سياسي للأزمة في سورية عبر الحوار مؤكدين معارضتهم تسييس مسألة تقديم المساعدات الإنسانية فيها والعمل معاً من أجل وقف فوري للعنف في سورية بهدف ضمان نجاح الحل السياسي، الذي يتطلب إرادة دولية واضحة بتجفيف مصادر الإرهاب، ووقف تمويله وتسليحه، ودعت أيضاً لبذل كل جهد ممكن لرفع المعاناة عن الشعب السوري التي تسببت بها العقوبات الاقتصادية الظالمة، والمخالفة للقانون الدولي والتي تؤثر مباشرة على حياة المواطنين في احتياجاتهم الضرورية اليومية، كما أيدت دعم جهود روسيا الاتحادية الرامية إلى المساهمة في هذا الحل بما في ذلك جولتا المشاورات السورية-السورية التي تم تنظيمهما في موسكو، بالإضافة إلى الجهود الدولية الرامية إلى تسوية الأزمة في سورية بالوسائل السياسية السلمية، وفي الاتجاه الآخر أدانت البريكس جرائم العنف الوحشية التي يرتكبها إرهابيو “داعش” والتنظيمات الإرهابية الأخرى في سورية والعراق والمنطقة، ودعوا جميع الدول إلى الوفاء بالتزاماتها في مكافحة الإرهاب، وتجنب الكيل بمكيالين في هذا المجال، بما في ذلك ملاحقة الأشخاص والطوائف على أساس الانتماء المذهبي أو الإثني وأعمال العنف بجميع أشكالها ضد السكان المدنيين، وبالدرجة الأولى النساء والأطفال.
وفي سياق متصل دعت موسكو إلى توسيع التعاون بين دول “شنغهاي” في مجال مكافحة الإرهاب والتطرف والإنفصالية، فضلاً عن زيادة مساهمة المنظمة في تطوير التعاون الدولي في مكافحة الإرهاب برعاية الأمم المتحدة، وربما النقطة الأخيرة بالذات لا تروق للغرب الذي يريد الاستئثار بكل شيء بصرف النظر عن مصالح الدول الأخرى أو الأضرار التي تلحق بهذه الدولة أو تلك، بل ومنع قوى كبرى قادرة على الإسهام بقسط كبير في الحفاظ على الأمن الدولي والإقليمي، غير أن الأهم في هذه القمة أنها تعزز ضرورة توازن العالم، وتحذر من مخاطر القطبية الأحادية، وإحكام قبضة الولايات المتحدة والناتو على مقدرات الدول ومستقبل المجتمع الدولي.
مجملاً…تشكّل مجموعة دول البريكس الإنطلاقة الأولى لتغيير الأنماط القديمة في ممارسة السياسة المالية العالمية كونها هي أسرع دول العالم نمواً وأقلّها تأثّراً بأزمته، وخلق الأمل في رفع مستويات النشاط الاقتصادي العالمي، بالتالي إن إنجازات هذه المجموعة تعود بالنفع على نصف سكان العالم، فالتوافق الروسي – الصيني اقتصادياً، وإنفتاحه على دول أخرى على سبيل المثال، جعل النظام الاقتصادي العالمي الحالي يعيش مرحلة انتقالية، بحيث تعيد دول “البريكس” إرساء قواعد هذا النظام العالمي الجديد بعيداً عن الدول التي أرست نظاماً عالمياً غير عادل، ولا يسمح بأي دور يمكن أن تضطلع به قوى صاعدة غيرها، لذلك يعتبرالتوافق الروسي-الصيني هو توافق الضرورة، وتمليه الحاجة إلى خلق نظرة جديدة إلى العالم من أجل فهم مصالح وأمن كل دولة في ظل خلفية العولمة، وبهدف تحقيق السلام في العالم مستقبلاً.
وأخيراً أختم مقالتي بالقول إن أبرز كلمات رؤوساء دول البريكس في القمة كانت بمثابة رسائل تحدي للإرهاب والتشدد وعدم الاستقرار في المنطقة، لذلك ستكون قمة أوفا دافع كبير في عملية تنمية البريكس، وخطوة ضخمة إلى الأمام في تطورها لتؤثر مباشرة في المواقف الدولية والإقليمية كقوة عادلة تعمل على نشر السلام والأمن بين الدول بعيداً عن الهيمنة والإملاءات التي استمرت سنوات طويل على وطننا، بإختصار شديد إن كل يوم يمر تتأكد نوايا الغرب بأنه لا يريد إنهاء الإرهاب وأنه يلعب على أوتار يختارها هو فيعزل دولاً ويقدم إلى الواجهة دولاً أخرى وأدواراً حسب معاركها السياسية الدولية ومقايضاتها، وأتمنى أن تكون هذه الحرب الجديدة على الإرهاب من قبل دول البريكس مقدّمة لتصحيح مسارات خاطئة في السياسة الأميركية، وعسى أيضاً أن تستفيد شعوب المنطقة من هذه الفرصة لإعادة وحدة نسيجها الوطني لتحقيق الأمن والإستقرار الذي يخدم المصالح المشتركة لجميع الأطراف ويحفظ جميع حقوقهم.
التعليقات مغلقة.